• كتاب : فلسفة بثينة علي
• الموضوع : الفتوى في الدين عن جهل
السلام عليكم أحبائي اللطفاء
آمل أن تكونوا بخير جميعا
صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنالوا شفاعته يوم القيامة
كالعادة مواضيعي التي أنتقيها لكم في هذا الكتاب تكون من مواقف حياتية واجهتني وقصص أزعجتني وأريد نصحكم حولها
وقصتنا اليوم حصلت لي مع متابعة دخلت أحد كتبي لا أذكر أي واحد بالضبط لكنه جاء على ذكر الوشم...وقالت: «الوشم حرام إذا وضعته للناس ليروه ولكن إذا وضعته في مكان مخفي فهو حلال»
وأنا بطبيعة الحال عندما أرى شخصا مخطئ لا أستطيع الصمت خاصة وأنني أعرف أن الوشم حرام في الإسلام تماما وبكل حالاته لأنه تغيير لخلقة الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: «لعَنَ اللَّهُ الواصلةَ والمُستوصِلةَ، والواشمةَ والمُستوشِمة»
لذا سألتها قائلة: «وما دليلك أو حجتك من مصادر الدين الإسلامي؟»
فأجابتني: «لا وقت لدي لأشرح لك لكن نحن عندنا بالعراق نفعل هكذا»
احم احم

حسنا
وهنا جاءتني فكرة المقال لأحدثكم عن شقين اثنين للموضوع:
-الفتوى في الدين عن جهل
-وتتبع العادات والتقاليد كالعميان دون البحث والتطرق وفهم قواعد الدين الصحيحة
أولا : الفتوى في الدين عن جهل:
رفاقي...رجاءا من لم يكن منكم على اطلاع ومعرفة بالدين ويملك حجج وبراهين حقيقية من مصادر التشريع الإسلامي الأربعة فأرجوا أن لا يفتي في الدين من عنده
قال الله تعالى في قرآنه الكريم : «وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» النحل/116-117
فهنا الله توعد الذين يفتون بالدين دون علم (الذين يقولون هذا حلال وهذا حرام) بعذاب أليم
وقال ابن مسعود : «من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم، فإن الله قال لنبيه : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص/86»
فإن كنت تملك دليلا دينيا ثابتا فقله وإلا فاسكت أحسن لك يا عزيز قلبي بدل أن يأخذ أحد ما قلته على محمل الجد وتكون هكذا قد تسببت بالظلال لأحدهم...وهذا ما نراه كثيرا في مواقع التواصل...خاصة مع ترند التكتوك الذي ظهر قبل أشهر بعنوان "سألت الشيخ وقال حلال" فصدقوني عدد الأطفال والمراهقين الذين تأثروا بذلك الترند لا يعد ولا يحصى خاصة مع جهلهم وقلة اطلاعهم
ودعوني آخذكم في رحلة أشرح لكم فيها قليلا عن قواعد التحريم والتحليل في الدين الإسلامي
فنحن كمسلمين لدينا أربع مصادر ثابتة مرتبة كالآتي:
1-القرآن الكريم
2-السنة النبوية
3-الإجماع
4-القياس
1-القرآن الكريم : جميعنا نعرف أن كل ما أتى في القرآن هو كلام موجه من الله تعالى إلى عباده وهو يعتبر أول شيء نلجأ إليه لكن علينا أولا فهم طرق التشريع فيه
ففي القرآن الكريم هناك آيات مُلغاة أو بمعنى آخر نزلت لأجل حدث محدد فقط ثم جاءت بعدها آيات أخرى تنسخها (أي تلغيها)
وكمثال على ذلك دعونا نتطرق لتحريم الخمر في القرآن الكريم والذي جاء على مراحل:
المرحلة الأولى : قال فيها تعالى : ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]؛ أي: في تجارتِهم...فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا: "لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير"...ولم يتركها بعض الناس وقالوا: "نأخذ منفعتَها ونترك إثمها"
المرحلة الثانية : نزلت هذه الآية: قال الله تعالى : ﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، فتركها بعض الناس وقالوا: "لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة...وشرِبَها بعض الناس في غير أوقات الصلاة"
المرحلة الثالثة : قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]...فصارت حرامًا عليهم حتى صار يقول بعضهم: "ما حرَّم الله شيئًا أشد من الخمرِ"
وكما نرى فالآيتين الأولتين بالأعلى تم نسخهما أو إبطالهما كونهما نزلتا لأجل حادثة محددة ولم يعد العمل بهما ساريا...ويطبق الأمر على باقي الآيات ففيها ما يزال حكمه الشرعي ساريا للآن ومنه ما تم إبطاله بسبب آية جاءت بعده
2-السنة النبوية : وكلكم تعرفون أن السنة النبوية هي كل الأحاديث الواردة والأفعال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...وتعتبر بالمرتبة الثانية بعد القرآن وقد أتت لتفسير الكثير من الأمور المبهمة بالقرآن لذا فهي شرح له ولتعاليمه...لكن ليس أي شيء يردنا وأمامه جملة "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" نصدقها ونأخذ بها مباشرة...بل هناك ضوابط محددة علينا اتباعها...مثلا هناك أشخاص ينقلون لنا أحاديث ضعيفة أو قليلة ولكن رغم جواز العمل به ألا أنه يجب أن يكون لديه شروط وقواعد وأحاديث أخرى تدعمه...خاصة أن التحريف انتشر كثيرا في وقتنا ويمكن أن يعطوكم آية خاطئة اخترعوها من أذهانهم...ولهذا عليكم الرجوع لكتب تفسير السنة النبوية المشهورة لمعرفة صحة الحديث وراويه وضعفه أو قوته
3-الإجماع : هو ما يتفق عليه المجتهدون على الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم...وقد قال في ذلك صلى الله عليه وسلم «لاتجتمع أمتي على ضلالة»
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : «سألت الله ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها»
وهذا يعني أن إجماع العلماء لا خطأ فيه ولا ضلالة وكله صحيح
4-القياس : وهو آخر ما يُلتجأ إليه بعد أن لا تتوفر أدلة ثابتة من القرآن والسنة والإجماع ويقاس عليه الأحكام التشريعية سواء تحليلها أو تحريمها
مثال : تحريم المخدرات:
لو بحثنا في القرآن والسنة فلن نجد نصا صريحا يقول "المخدرات حرام" لأن المخدرات ظهرت بعد وقت طويل من نزول القرآن ووجود السنة النبوية...لكن بما أنها تُذهب العقل وتُسكره وتضره مثلما يفعل الخمر فهي أيضا حرام...وهذا هو القياس في الدين الإسلامي
وكاختصار لكل ما ذكر في الأعلى يمكنكم قراءة كتب الصحيحين (صحيح البخاري/ صحيح مسلم) فهما جامعان لكل أحكام السنة النبوية والقرآن والإجماع والقياس...باختصار هما أول دليل يمكن أن تلجؤوا إليه في حين أردتم التثقف في الدين أكثر وبأسس صحيحة وأدلة حقيقية ومشروحة...هذا بدل أن تستمعوا للفتاوي العشوائية الموجودة على الإنترنت والتي أغلبها وضعت لتشويه الدين وجعله مهزلة وإضلال المسلمين
ثانيا : إتباع المجتمع والآباء:
نحن كبشر لديما حب الانتماء والطاعة العمياء في العادات والتقاليد ولكن هذا أمر خاطئ...فنرى البعض منا يستمع للأغاني ويعتبرها حلال لمجرد أنه وجد الأفراد من حوله يستمعون إليه...ويحلل التحرش بالفتيات ومغازلتهن والخروج معهن فقط لأن رفاقه وكل من حوله يفعل ذلك
لكنه أمر خاطئ...الله منحكم عقلا يا رفاق لتميزوا به الأمور وأمر بالتدبر والتفكر وعدم اتباع المجتمع في قوله تعالى : {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون} (البقرة:170)
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : «لا تكونوا إِمَّعَةً، تقولون: إنْ أحسَنَ الناسُ أحسنا، وإن ظلموا ظلَمْنا، ولكن وَطِّنوا أنفسَكم، إن أحسَن الناسُ أن تُحسِنوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِموا»
والإمعة هو الشخص الذي لا قرار له ولا رأي...فإن رأى الناس يفعلون شيئا يقلدهم حتى لو كان خطأ...وإن رآهم تركوا شيئا حتى لو كان جيدا يتركه لكي لا يسخروا منه أو ينال استنكارهم
فنصيحتي لكم يا رفاق...الناس لن يناموا معكم بقبوركم...إفعلوا ما ترونه مناسبا لدينكم وأنفسكم فحجة "رأيت الناس فعلوا ففعلت" لن تفيدكم أمام الله أحبائي لأنه أمام الله كلٌ مسؤول عن نفسه فقط
إبحثوا في الدين
تثقفوا
لا تكونوا إمعة
وإياكم الفتوى من عندكم...لو لم تعرفوا شيئا فقولوا "الله أعلم"
بالنهاية أتمنى أن موضوع اليوم نال إعجابكم ورضاكم
أنشروه لرفاقكم لتعم الفائدة...والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بثينة علي