مُذَكِّراتُ مُجَاهِد جَزَائِرِي!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)

مذكرات مجاهد جزائري : مقدمة



السلام عليكم فرولاتي وكل أحد مر من هنا

كيف حال الجميع؟

عدت إليكم بالفكرة الثانية لمسابقة "في جوف الألوان" وهذه المرة الأمر يشكل تحدٍ كبيرا لي كوني أكره التاريخ كرها جما 

والآن بعد أن أيقنت أنني لست كفؤا للتحدي قررت الاستسلام ونشرها كما هي

لقد حاولت جاهدة أن أحسن السرد وأجعل الفكرة أكثر تشويقا وجذبا ولكن لم أفلح في ذلك

المهم

الشروط التي طلبت مني هذه المرة هي أن أكتب قصة قصيرة عن محارب في الجيش أيام الحرب بعد ذهابه للجهاد يكتب كتابا للفتاة التي يحبها به خواطر عنها وعلينا أن نبدع من عندنا

أما صفاة هذا المحارب فهو هادئ وصامد، عطوف، يبدو كئيبا بسبب هدوئه ولكن حين تتعرف عليه عن قرب تدرك كم هو مرح

تابعوا الأحداث لنرى ما الذي سيحصل







بثينة علي

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الأولى



«إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد للليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر»

بعد تذرعي لسنوات من الاستعمار والمعاناة والجوع والذل قررت أنا ورفيقي (محمود) دخول صفوف الجهاد الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم المغتصب.

أتيتُ إليك اليوم لباب بيتك لأبلغكِ قراري لكنكِ أبيتِ أن تنظري إلى تقاسيم وجهي وبقيتِ مطأطأة الرأس حزنا لفحوى كلامي.

قررت أن أمضي قدما في طريقي وأجاهد في سبيل الاستقلال وأعود إليكِ محملا بكتاب مذكراتي لأحكي لكِ فيه تفاصيل نضالي.

أردتكِ أن تشاركيني رحلتي لكنني أخاف من نسمة الهواء عليكِ.

لذا، انتظري لحين عودتي ولا تبكي.

إلى خطيبتي الغالية «فريدة»




28 من نوفمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الثانية



جمعت رحالي وحددت طريقي والجو ظلام، ودعت أهلي وقبلت رأس أمي حفظها الله وكبحت دموعي، أنى لي أن أبكي حزنا وأنا على أبواب الشهادة.

خرجت من بيتي ونظرت لبيتك فأيقنت أن كل من فيه نيام.

تمنيت لو ملأت عيناي بصورة وجهك وتقاسيمه بما أنه الفراق، لكن لا بأس فطيفك سيرافقني ليل نهار.

لم أخبر أحدا بموعد مغادرتي كي لا تنتشر الأقوال فالكل يعلم أن العدو الفرنسي دس بيننا جواسيس وهم منا وفينا.

قابلت صديقي محمود الذي سيرافقني للجهاد وانطلقنا في رحلتنا بينما أسير وألتفت خلفي لأرى منزلك يومض بالحب والإخلاص من بعيد.

انتظريني حين أعود وسنقيم حفل زفافنا ونحول الحزن إلى أفراخ وتغنٍ.




29 نوفمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الثالثة



اليوم انطلقنا في دربنا مرورا بالجبال الشامخة وتوارينا عن الأنظار مع خيلنا وعربتنا.

بينما تنطلق عربتي مبتعدة عنكِ شعرت بالضياع، لكن ماذا عساي أفعل فحب الوطن أيقظ روحي ورغبتي بالتحرير استوطنت فؤادي ولا بد أن يضحي الرجال بحياتهم ليعيش هذا الوطن في سبات ونبات ولأراكِ سعيدة مرتاحة أنتِ وكل نسوة وأطفال وشيوخ الجزائر.

كانت رحلتنا محفوفة بالمخاطر فقد توقعنا أن يتم تفجيرنا في أي لحظة أو قتلنا من قبل جنود الاستعمار الفرنسي ولكن الحمد لله ها نحن ذا أكملنا ربع الطريق دون أن يصيبنا أي مكروه.

أخبرتكِ أننا سنفعلها لكنكِ لم تصدقيني.




30 نوفمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الرابعة



اليوم حصل ما كاد أن يودي بحياتي وحياة رفيقي.

أثناء دربنا نحو الأوراس لمحنا على جانب الطريق نقطة تفتيش فرنسية فأوقفتنا تفتش إيانا وتستجوبنا.

لحسن الحظ كان صديقي محمود سريع البديهة فأخبرهم أننا تجار متجهون لمدينة أخرى لجلب السلع وبيعها، ورغم شكوكهم المستمرة وقدرتهم على قتلنا ورمينا هناك دون أثر لكنهم تركونا نمر بسلام.

في تلك اللحظة كل ما تبادر لذهني هو أنتِ، رأيت صورتك بين عيناي وتخيلت منظركِ وأنتِ تستقبلين خبر موتي، أتمنى أن تنتظريني وتضعي أملا كبيرا بالله بأننا سنعود.



1 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الخامسة



مررنا اليوم على قرية معزولة واستقبلنا أهلها بكل حفاوة، أدخلنا أحد سكانها بيته وسمح لنا بالمبيت عنده وأعطانا من خيرات الله كثيرا.

أخبرناه أننا متوجهون للأوراس للجهاد فسُرَّ بنا ونادى أحد أبنائه وطلب منا اصطحابه معنا في رحلتنا.

عرفنا الشاب بنفسه قائلا: «أنا سعيد، وأبلغ من العمر 23 عاما وسيسرني لو أرافقكم في هذه الرحلة وأعطي من دمي سبيلا لاستقلال الجزائر»

كلانا لم يمانع بل استبشرنا به خيرا وكسبنا رفيق سفر يشاركنا هدفنا النبيل هذا.




2 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة السادسة



انطلقنا في رحلتنا بعرباتنا البسيطة وإمكانياتنا المحدودة ومعنا رفيق دربنا الجديد سعيد.

استمرت الرحلة ثلاث أيام وها نحن ذا في اليوم الرابع وأنتِ لا تفارقين تفكيري.

الشوق بدأ يطغى علي لمعرفة أخبارك فأتساءل كيف أنتِ الآن وماذا تفعلين في غيابي وهل تشتاقين لي كما أفعل؟

اليوم بينما نسير استلقيت في عربتي ونظرت للسماء أراقب الغيوم لعلها ترسل شوقي معها إليك، غرقت في قمة شرودي بينما سعيد وصديقي محمود يتبادلان أطراف الحديث.

تراجع سعيد للخلف ليَبلغني وتحدث قائلا: «تبدو هادئا على عكس رفيقك»

رددت عليه: «هذه طباعي»

ابتسم لي ببشاشة وكأنه على وشك الحديث بموضوع حساس وأضاف قائلا: «أخبرني رفيقك أنك تركت خطيبتك خلفك ولهذا أنت مشغول البال»

رددت عليه: «صدق قوله»

فكر قليلا ثم أجابني قائلا: «أخبرني كم عمرك فأنت تبدو صغيرا على الزواج»

رددت عليه: «واحد وعشرون ربيعا»

بدا متفاجئًا مما سمع ثم أضاف: «ما شاء الله مازلت في ريعان شبابك! وما اسمك؟»

أجبته: «علي»

أمضيت الطريق أدردش مع سعيد ومر الوقت بلمح البصر، كانت صحبته ممتعة وكلامه حلو كالعسل وأخبرني أنني أبدو هادئا ومملا لكن في الحقيقة أنا شخص مرح وودود حين تتعرف علي عن قرب.




3 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة السابعة



وصلنا لوجهتنا أخيرا وتوقفنا عند قرية صغيرة نبحث عن الشخص الذي جئنا من أجله، إنه أحد زعماء الثورة ومن أهم المخططين لها وكان متدربا عند الشهيد القائد (مصطفى بن بولعيد)، يدعى (يوسف خنيش).

وجدناه قابعا في تلك القرية وقد رحب بنا بحفاوة مع مجموعة من الثوار الآخرين وأمر لنا ببيت ننام فيه وطعامٍ ريثما يتم التخطيط لخطوتنا الأولى.

بينما نحن في تلك القرية سمعنا أهازيج "القول" الذي تتغنى به نساء القرية وهن مجتمعات في دائرة مستخدمات الدف لغنائه.

ذكرنني بقريتي والأغاني الشعبية التي تتغنى بها نساؤها كل مساء وأنتِ واحدة منهن، أتوق لسماع ذاك الصوت الرنان ثانيةً وخاصة في ليلة زفافي.




4 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الثامنة



مر الوقت سريعا وانشغلت بنشر الثورة على سكان القرية ومساعدة القائد (يوسف خنيش) ونسيت أن أكتب لكِ ما حصل بالأيام الخالية.

لم يتغير شيء قط في حياتي الروتينية سوى مباشرتي العمل مع الفلاحين مقابل مبالغ مالية لأجهز بها عتادي ولقمة عيشي.

أما من جهة هدف الرحلة فها نحن ذا نبذل جهدا أوسع في نشر التوعية ودفع الشعب للثورة والمشاركة معنا من أجل تحرير الوطن، قد تكون هذه المهمة التي ألقيت على عاتقي أنستني الكتابة لكِ لكن لم تنسيني فيكِ للحظة.

ها أنا ذا أبذل خالص وأكمل جهدي وسأجعلكِ تفتخرين بي وتصبحين زوجة لواحد من أهم ثوار الجزائر.




11 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة التاسعة



انشغلت بالخطة التي وضعها قائدنا (يوسف خنيش) وكل منا بانتظار إشارته على قدم وساق ولهذا لم تتح لي الفرصة لأكتب لك.

خطتنا هي السفر برَّا لتونس لشراء السلاح من أجل بدء مهمتنا التي تشوقنا لها، واليوم قبل أن نتفاهم من سيذهب رأينا الجنود الفرنسيين قادمين باتجاه القرية، بحيث هموا بتفتيش كل من فيها بحثا عن الأسلحة أو أي نشاط ثوري.

وللأسف أحد الشباب الذين قابلتهم هنا تم القبض عليه بعد أن عُثر على سلاح بحوزته وتم جره للسجن الفرنسي غصبا.

تأملت هذا المنظر الذي ذكرني بأبي حين تم القبض عليه من قبل الفرنسيين وقتله، ثم تذكرت كم تحترقين من القلق خوفا من أن يأتوكِ بخبر موتي في أي لحظة.




18 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة العاشرة



انصرم الأسبوع كالكابوس بعد أن كدنا نتذرع المنية، لقد كثرت زيارات الجنود الفرنسيين لنا بعد أن شعروا بوجود حركة ثورية في قريتنا، لكن آخر زيارة كانت الأسوأ دون أدنى شك؛ بحيث تم طرد السكان من منازلهم وتشريدهم خوفا من أن يختبأ المجاهدون والثوار وسطهم، لقد أيقنوا أن من الصعب التمييز بين مدني طبيعي ومجاهد لذا طردوا الكل من المنطقة كونها منطقة معزولة وبعيدة عن أنظارهم.

بقدر ما كانت حركة ذكية منهم كانت دنيئة أيضا، والآن نحن وجميع الأهالي مشردون بلا مأوى، البعض هاجر للبلدان المجاورة بحثا عن حياة أأمن والآخرون لجؤوا للمخيمات والنوم في العراء.

وبعد رحيلنا مباشرة قام الفرنسيون بقصف القرية وإبادتها عن بكرة أبيها وإحراق كل شيء تحتويه لكي لا يبقى للمجاهدين ملتجأ فيها.

هذا ما يسمى (سياسة الأرض المحروقة).





25 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الحادية عشر



انطوى شهر كامل وأنا بعيد عنك، أشعر بقلبي ينتفض شوقا لرؤياك، آه لو علمتِ كمَّ المعاناة التي تذرعناها ونحن نيام في العراء لأيام، نفترش الأرض مكانا للمبيت، إلى أن أسسنا بجهدنا ومالنا قاعدة تدريب عسكرية سرية في أواسط الغابة.

نحن الآن بصدد الاستحواذ على أكبر قدر من الأسلحة والمتفجرات للهجوم على القواعد العسكرية للجيش الفرنسي.

تدربنا مع قائدنا لأيام فأرشدنا للطرق المثلى للهجوم والدفاع ورمي القنابل، وقام بعقد اجتماعات مع قواد آخرين لتزويدنا بالأسلحة والتخطيط للهجمات في الوقت الأمثل.





28 ديسمبر 1959.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الثانية عشر



نزلت أنا وست من رفاقي لإحضار المؤونة من قرية مجاورة، ولكن دون سابق إنذار هجم علينا مجموعة من قطاع الطرق الذين عينتهم فرنسا لقتل الثوار وحاولوا سفك دمائنا.

للأسف راح ضحية هذا الهجوم واحد من رفاقنا رحمه الله ولكن بفضل مهارة اثنين منا في استخدام السلاح وحوزتهم له تمكنا من قتلهم والهروب من المكان وأصبحنا أكثر حذرا وحيطة في ذهابنا وإيابنا، أي خطأ بسيط سيكلفنا حياتنا وفشلا ذريعا لهدفنا لأنه إن تبعنا أحد للقاعدة التدريبية في الجبال فستذهب كل تخطيطاتنا أدراج الرياح.

ينبغي أن نكون أكثر حذرا من الآن فصاعدا.




28 جانفي 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الثالثة عشر



أوقن في قرارة نفسي أنني لم أعد أكتب لكِ إلا قليلا ولكن تفهميني فالمهمة التي أوكلت إلي أثقل على كاهلي من الجبال.

هذا الشهر انطلقا في رحلتنا نحو تونس أنا ومجموعة من الثوار البسلاء من أجل شراء الأسلحة والعتاد.

كان الخيار بيدي أن أرفض ولكن لم أستطع فرغبتي بتحرير بلادي جعلتني أقدم على ذلك، أضيفي أنني تقريبا بلا فائدة ترجى في هذه المهمة فأنا لا أجيد استخدام السلاح بعد ولا أملك واحدا حتى ولا قدرة لدي على التخطيط لأساعد بها بقية الثوار.

سلكنا رحلة محفوفة بالمخاطر وأوشكنا على الغرق في حفرة الموت والفشل؛ لأننا إن تم القبض علينا من قبل الجنود الفرنسيين فسننتهي دون شك، لكن وبفضل الله مرت رحلتنا على ألف خير واشترينا ما نحتاجه من عتاد وأسلحة ثم عدنا للقاعدة التدريبية في جبال الأوراس.




28 فيفري 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الرابعة عشر



أمضيت الأيام والليالي أتدرب مع بقية رفاقي من الثوار على استخدام السلاح، وبفضل الله وتوفيقه تقدمت تقدما باهرا بحيث أثنى علي قائد فريقي وبشرني أنني سريع التعلم ودقيق في تصويب الأهداف لذا سيكون لي مكانة رفيعة في هذه الثورة وتحرير الجزائر.

أصبح عندي سلاح خاص اشتريته بمالي الخاص وها أنا ذا أغدو من شخص بسيط عديم الفائدة إلى ثائر مكافح متمرس في استخدام السلاح.

مازالت تنقصني الكثير من التدريبات طبعا لكن تقدمي الملحوظ رفع معنوياتي لأبذل جهدا أكبر.

متأكد أن النصر قريب وسأعود إليكِ محملا بأبشر الأخبار ثم نحتفل بزواجنا.




28 مارس 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الخامسة عشر



نزلنا للقرية من أجل إحضار مؤونة الطعام ولكن صدمنا حين وجدناها مُبادة عن بكرة أبيها والسكان قد هاجروا لمناطق أخرى.

أيقنّا أن الاستعمار مارس عليها سياسة الأرض المحروقة من أجل تجويع الشعب وكبح الثورة والقبض على المجاهدين والثوار خاصة مع علمهم بأنهم متخفون بين سكان القرى ويقتاتون من عندهم.

أحزنني ما أصاب القرية فلو أن الأمر تكرر بقريتي لشعرت بالأسى والضياع.

أتساءل كيف حالك وحال أمي وأخي.

أتمنى أنكم بخير ولم يصبكم ما أصاب هذه القرية المسكينة، أتمنى ان أعود وأجد كل شيء على حاله.




28 أفريل 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة السادسة عشر



خلال الشهر المنصرم أصابتنا مصيبة كبرى، كنت متجها للحراسة الليلية فلمحت أحد الثوار يدعى (صالح) متجها لأقاصي الغابة في الظلام والليل الحالك دون أن توجه إليه أي أوامر أو يطلب إذنا بالمغادرة.

تتبعته في السر لأرى إلى أين سينتهي بنا المسار ولكن بالخطأ أصدرت صوتا فأحس بي وهرب بعيدا.

طاردته عبر الغابة في الليل الحالك ولسوء الحظ لم أتمكن من إمساكه، أيقنت فورا أنه عميل خائن لدى الفرنسيين لذا عدت أدراجي وحذرت رفاقي واضطررنا لترك المنطقة والانتقال لمنطقة أكثر أمانا.

وجزاء لفعلي هذا أكرمني قائد الجيش بهدية عبارة عن سلاح وطلقات رصاصية ومدحني بين أقراني وبهذا حققت حلما من أهم أحلامي وهو أن أفيد بلدي قبل أن توافيني المنية.






28 ماي 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة السابعة عشر



وجدنا منطقة آمنة أخرى في الجبال ومكثنا فيها ريثما نتدرب تدريبا عسكريا شاملا ومرهقا من أجل مهمتنا.

أثناء هذا الشهر حصلت حوادث كثيرة كنت سأرويها لكِ لولا انشغالي.

قبل أسابيع ذهب مجموعة من رجالنا للحدود التونسية لإحضار المزيد من العتاد والأسلحة ولكن فاجأنا العدو الفرنسي بخطة خبيثة وهي إغلاق الحدود نهائيا بواسطة الأسلاك الكهربائية الشائكة والقنابل الملغمة.

ورغم ذلك لم تندثر عزيمتنا بل توصل قائدنا لخطة أخرى وهي طلب السلاح بحرا عن طريق البواخر واستقباله في الميناء.

تمكنا أحيانا من استقبال السلعة بنجاح وحصلنا على كفايتنا من الذخيرة، لكن في الأحيان الأخرى تسبقنا إليها القوات العسكرية الفرنسية وتستحود عليها وتبوء تخطيطاتنا بالفشل.




28 جوان 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الثامنة عشر



باشرنا مهمتنا في الهجوم على القواعد العسكرية الصغرى وإحداث أكبر خسائر ممكنة بالجيش الفرنسي.

استغلينا انشغالهم بعطلة نهاية الأسبوع حيث تكون أعدادهم أقل ثم هاجمناهم وأطحنا بعدد منهم، وحتى هم أطاحوا بعدد منا لولا أننا هربنا بعد أن زرعنا ألغام على بعد خطوات من مقرهم ووقعوا في الفخ بعد محاولتهم لمطاردتنا.

كررنا هذه العمليات أكثر من مرة وبفضل الله وتوفيقه تمكنا من إحداث شرخ قوي وضعف في دفاعهم.

كانت هذه حقا أصعب الأيام التي واجهتها في حياتي ولكن الحمد لله أنه أعطاني الفرصة لأبقى على قيد الحياة وأروي لكِ ما مررت به.




28 جويلية 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة التاسعة عشر



بعد هروبنا للغابة تمت محاصرتنا رفقة مجموعة من المجاهدين الأبرار ونحن الآن مختبؤون في كهف صغير في الجبل، رغم الخوف الذي طغى على الوضع لكن أرواحنا فداء للوطن.

الآن نحن محاصرون من كل مكان والفرنسيون يمشطون المنطقة بحثا عنا، نحتاج خطة محكمة لنفر من هنا وإلا سيتم القبض علينا وقتلنا في أسوأ الحالات.

قرر قائدنا أن نبقى مختبئين ريثما يبتعدون عنا وعند مغادرتهم نهرب عائدين لمنطقتنا التدريبية.

الحقيقة أنني خائف؛ لأن إمكانية نجاتنا من هنا هي 5 بالمائة، الجنود الفرنسيون مسلحون بأفضل أنواع الأسلحة وأكثرها تطورا، أما نحن فلدينا أسلحة تقليدية وضعيفة التصويب، وعددنا أقل من عددهم بثمان مرات تقريبا.




29 جويلية 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : الصفحة الأخيرة



مر يومان ونحن على نفس الحال، الجنود الفرنسيون أبوا أن يتركوا المنطقة قبل العثور علينا فهم موقنون أننا مازلنا بالجوار.

لا مؤونة لدينا ولا ماء لذا نحن في حال يرثى لها، حتى معنوياتنا تحت الصفر.

قرر قائدنا أن يضع خطة لهروبنا وهي أن نقتحم المنية ونحاول الهروب، وإن واجهناهم في طريقنا سنتشابك معهم وعاش من عاش ومات من مات.

وفي حالات أخرى قد تكون المنطقة ملغمة وستنفجر بنا من أي دوسة خاطئة، لكن لا خيار آخر، علينا هذه المرة الاختيار بين الموت جوعا أو الموت على يديهم.

كتبت هذا وأنا غارق في دموعي وأحزاني لأنه سيكون لو شاء الله آخر ما سأكتبه وللأسف لن تستطيعي قراءته لأنه سيدفن هنا مع جثتي، أما إن كتب لي عمر طويل ونجوت مما أنا فيه فستقرئينه وتقولين «الحمد لله على سلامتك وخروجك منها حيا معافا»

الآن سننطلق في مهمتنا، تمني لنا التوفيق.




31 جويلية 1960.

مذكرات مجاهد جزائري : ومرت السُّنون



في قرية من قرى مدينة (قجال) الهادئة بزغت شمس الشروق مسفرة عن صباح مبهج، ومن إحدى البيوت الطينية البسيطة خرجت (فريدة) في الصباح الباكر متجهة للبئر لتأتي بالماء منه وتوزعه على حيوانات المزرعة.

استغرقت ساعات في العمل حتى خرجت أختها المدعوة (زينب) من البيت بعد أن قامت من النوم في وقت متأخر وقالت:

-«يعجبني نشاطك في الصباح الباكر»

أجابتها فريدة بسخرية:

-«مدي لي يد العون إذًا»

-«وددت ذلك ولكن علي إعداد الغداء»

عبر الأفق لاحظت فريدة مجموعة من الأشخاص قادمين نحو القرية فانتفض قلبها وتصنمت مكانها تراقبهم حتى تتعرف على ملامح وجههم عن قرب.

بعد فترة بلغوا القرية فإذ هم مجموعة من الثوار والبعض منهم إصابتهم بليغة بحيث لم يستطيعوا مواصلة الجهاد لأنهم يشكلون عائقا لذا أخذوا إجازة.

أحنت رأسها بإحباط فلم تستطع تحمل خيبة أخرى من خيباتها لذا دخلت الإسطبل وهمت بحلب الأبقار متناسية ما رأته للتو بينما أصوات بكاء النساء في الخارج وزغاريدهن تملأ المكان احتفالا بعودة الثوار لآهاليهم بسلام، ودت لو عاد لها من تنتظره ليسر قلبها وتعود الحياة لجسدها الذي دب فيه الجليد منذ ثلاث سنوات تقريبا.

بقيت زينب في الخارج تتابع الاحتفالات على قدم وساق ثم دخلت لأختها بعد أن أدركت أنها في وضع لا يرثى له وقالت:

-«أختاه! هل مازلتِ تنتظرين ابن عمنا علي؟»

ردت عليها فريدة بخالص الحزن والأسى دون أن ترفع رأسها من الدلو:

-«حتى لو وددت تناسي الأمر فقلبي لن يتناساه»

-«لا ضير أن يعشق قلبك، لكن هل ستظلين عزباء لأجل شخص قد لا يعود؟»

ردت فريدة بحزن قاتل:

-«وماذا لو عاد ووجدني قد خنت العهد الذي بيننا؟»

-«كوني واثقة أنه سيتقبل الأمر، خطبتكما كانت شفهية ولم تقيما الزفاف بعد لذا لا ضير أن تمضي في حياتك وتنسي شخصا ليس بينكما أي علاقة رسمية»

-«لا حاجة لتزيدي الطين بلة فما فيا يكفيني»

-«حسنا أختاه، بما أن قلبك مكسور فسأكمل بعض الأعمال عنكِ، كوني قوية»

لم ترضى فريدة أن تتوقف عن العمل فهذه عادتها أن تشغل نفسها أثناء انتظار عودة خطيبها الذي تحرقت شوقا لرؤيته.

انهمكت بكنس باحة المنزل وجمع أوراق الأشجار إلى أن لمحت عن كثب أحد جيرانها المدعو (مصطفى) وقد عاد من الجهاد بعد أن أصيب بكسر في ذراعه فنادت عليه من بعيد وقالت:

-«صباح الخير، كيف حالك؟ الحمد لله على سلامتك»

رد عليها مصطفى بوجه متبسم بشوش:

-«سلمتِ أختي فريدة، الحمد لله»

-«وددت لو تبشرني بخبر عن علي ابن عمي أحمد»

-«وددت ذلك أيضا لكن للأسف لم أقابله طوال هاته السُّنون وما من أخبار تذكر عنه، أتمنى لو يعود لبيته سالما منعما»

ردت فريدة بحزن:

-«إن شاء الله»

في نفس المساء من ذلك اليوم جلست فريدة أمام المذياع تستمع للأغاني الشعبية بينما تقطع الخضار من أجل إعداد العشاء.

فجأة!

دب صوت صراخ عالٍ من المذياع ملأ كل المنزل هاتفا: «يا الله، الحمد لله، استقلت الجزائر، الجنرال الفرنسي ديغول أمر قواته بالانسحاب وأذعن لقرار الشعب بالتحرير بعد مائة واثنتين وثلاثين سنة من الاحتلال»

وأضاف قائلا: «الخامس من شهر جويلية من العام ألف وتسعمائة واثنتان وستين يوم تاريخي فسجلوه في أذهانكم»

أسقطت فريدة السكين من يدها لينغرس على بعد عدة سنتمترات من رجلها الحافية، فجأة تملكتها فرحة عارمة مما جعلها تطوف بالمكان ذهابا وإيابا لا تدري أين تتجه ومن تخبر أولا بالخبر السار.

خرجت من البيت فتفاجأت بالناس يهللون ويصرخون وأصوات الزعاريد ملأت القرية والأطفال يركضون بسعادة، كان مشهدا ساحرا أريقت لأجله الدماء وماتت في سبيله النفوس وتطلعت له القلوب بشوق، يبدو أنها آخر من يعلم بهذا الخبر السار.

أكملت إعداد العشاء وذهبت لغرفة أبيها واضعة صينية الطعام أمامه.

كان الأب شخصا جادا وذا هيبة واسعة في القرية حتى مع بناته فتحدث بكل رسمية قائلا:

-«واحد من أبناء رفاقي تقدم لطلب يدك وقررت أن أوافق لذا جهزي نفسك بعد يومين ليأتوا لرؤيتك»

تصنمت فريدة مكانها وانسدل عليها صمت مطبق هز كيانها؛ فهي بالعادة تحترم أباها لأنه طاعن في السن وبحياتها لم ترد له طلبا أو أمرا أو تناقشه في أي شيء.

استدارت عائدة نحو المطبخ فرقت عيناها لهول ما سمعت، قرار كهذا معناه أنه يعرف ما حل بعلي وعلى الأغلب أنه سمع خبر استشهاده، لكنها لم تصدق البتة ما يجري بل خرجت نحو باحة المنزل تشاهد مشهد الغروب وتَلون السماء باللون البرتقالي المبهر وهي تحدث نفسها قائلة:

-«علي، عد بسرعة، لقد استقلت الجزائر وتحققت مُناك، عد لتنفذ وعدك لي ونحتفل بزواجنا»

قالتها بحشرجة وعيناها قد اغرورقتا بالدموع ولم تدرك أن من تنتظره قد بات من الثرى منذ سنوات، وبأن الكتاب الذي كتبه لها قد أصبح أنقاضا وتحلل في أعماق الأرض ولن تقرأه أبدا





النهاية

مذكرات مجاهد جزائري : فقرة الأسئلة



هلووووووو

دعونا نسالكم بعض الأسئلة البسيطة لنعرق أراءكم بهذا العمل

• رأيكم بالقصة؟

• كم تعطونها من 10؟

• ما رأيكم في السرد؟

• ما رأيكم في اللغة؟

• ما رأيكم في الفكرة؟

• كم تعطونني نقطة على الإبداع؟

• ما رأيكم في تسلسل الأحداث؟

• هل حصلتم على رصيد ثقافي منها؟

• هل تعتقدون أنني التزمت بالمطلوب مني في مسابقة "في جوف الألوان" ؟

• سؤال سخيف...هل تأثرتم؟ (لا أعتقد ذلك فأنا بحد ذاتي لم أتأثر)





والآن هل لديكم أي أسئلة للشخصيات؟

• علي

• فريدة

• محمود

• والد فريدة

• زينب

• بثينة علي (حتى أنا اسألوني عن الرواية)





هذا كل شيء...أستودعكم الله

مذكرات مجاهد جزائري : الخاتمة



مرحبا رفاااااق

آمل أنكم استمتعتم بالقصة أو على الأقل أخذتم معلومة صغيرة عن الجزائر وتاريخها العظيم

لقد اضطررت للقراءة عن التاريخ من الصفر رغم أنني أكرهه للغاااااية  (T＿T)  لن أحكي لكم كمية العذاب التي شعرت بها، إنها ببساطة تعادل عذاب طفل أجبرته أمه على تناول السبانخ والجزر بينما تتناول هي وبقية العائلة قالب حلوى بالشكلاطة أمامه 

هذا بالضبط الوصف المناسب

حسنا يا رفاق...لا تنسوا التصويت لكل الفصول ودعم القصة بوضعها في مكتباتكم (في حال أردتم طبعا)

وتمنوا لي التوفيق في المسابقة

وسلام

• تاريخ البدء : 23 ديسمبر 2021

• تاريخ الانتهاء : 29 ديسمبر 2021





بثينة علي