❤ منتدى بثينة علي ❤
أهلا و سهلا بكل من زار منتدانا ????????

بثينة علي ترحب بكم و تتمنى لكم قراءة ممتع مع أجمل الروايات الكورية ????
❤ منتدى بثينة علي ❤
أهلا و سهلا بكل من زار منتدانا ????????

بثينة علي ترحب بكم و تتمنى لكم قراءة ممتع مع أجمل الروايات الكورية ????
❤ منتدى بثينة علي ❤
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

❤ أهلا بكم في عالم رواياتي عالم بثينة علي ❤
 
الرئيسيةالرئيسية  اليوميةاليومية  أحدث الصورأحدث الصور  س .و .جس .و .ج  بحـثبحـث  الأعضاءالأعضاء  المجموعاتالمجموعات  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الأحد مارس 26, 2023 5:31 am

رواية لهيب المودة : المقدمة



سلاااام عليكم أحبتي في الله آمل أن تكونوا جميعا بخير

ها هي ذي مشاركتي الثالثة في مسابقة النوفيلا الحرة هههههه

أعلم أنني نشيطة جدا (◉‿◉) أعلم

إذًا وكالعادة هذا حساب المسابقة في حال أردتم الاطلاع على مزيد من التفاصيل بشأنها OpenNovellaContestAR


والفكرة ستكون من فئة الروحانية والمرقمة بـ 65


ملاحظة : الرواية رواية صداقة وهي خالية من أي معانٍ للقذارة أي أنها مستقيمة مئة بالمئة




ولنبدأ على بركة الله




بثينة علي


عدل سابقا من قبل بثينة علي في الثلاثاء أبريل 11, 2023 2:12 pm عدل 2 مرات

بثينة علي يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الثلاثاء مارس 28, 2023 9:47 am

رواية لهيب المودة : الفصل الأول



قد لا تنتهي الأمور دوما بالطريقة التي نرغب بها، من منا لا يريد العيش بسعادة وسط هذا العالم المليء بالابتلاءات والمصائب؟ نحن نتجرع الألم والحزن يوميا بسبب أفعال الناس من حولنا، وحتى بسبب القدر الغريب الذي يحركنا كيفما يشاء، ليتنا نستطيع الوقوف على قدمينا ذات يوم قبل أن نتحطم ونفقد آخر جرعة من الأمل.

تبدأ أحداث روايتنا في مكتب المدير ويبدو أن هذا الأخير يخوض نقاشا جديا مع أحد أولياء الأمور وبجانبه ابنته التي تجلس وتستمع فحسب بملامح وجه باردة.

قال المدير بعد أن أوشك النقاش أن ينتهي:

-«أتمنى أن تكون ابنتك أهلا للثقة التي أوكلناها لها، لا نريد مشاكل في ثانويتنا»

رد الأب بعد أن شعر بالامتنان:

-«طبعا، روزي لن تخذلك، لقد وعدت أنها لن تسبب أي مشاكل جديدة هنا وستهتم فقط بدراستها»

-«ممتن لسماع ذلك»

فتح ملف روزي يقلب الصفحات وقاده الفضول لمعرفة ما حصل بالضبط فقال:

-«ابنتك حصلت على عدة إنذارات بالتنمر على طالب وطالبة آخرين، لكن ما الذي أوصلها لهذه المرحلة؟ هل تتعرض للعنف الأسري لتكون بهذه الشخصية؟»

نظر الأب لروزي كما لو أنه متوتر ويحاول الكذب وقال:

-«أبدا سيدي، ابنتنا تتعرض لأحسن معاملة ولا يؤذيها أحد سواء جسديا أو لفظيا، أنا ووالدتها نحاول قدر الإمكان مراعاة أنها في سن حساس وأنها كبرت ولم تعد تستحق أن تتم معاملتها بعنف او تحقير»

-«حسنا تبدو صادقا من كلامك، لكن لنسأل عن جانبها من القصة»

نظرا نحو روزي فوجداها لم تحرك ساكنا ولم تغير تعابير وجهها الباردة وكان والدها قلقا من أن تقول أي شيء عن مشاكلها العائلية، لكنها قالت بينما هي مبقية على نفس الحال:

-«أبدا لم أتعرص لأي عنف لفظي أو جسدي من والداي، إنهما نعم الوالدين ومتفهمان للغاية، لكن الموضوع مختلف»

قال المدير بهدوء محاولا جعلها تتكلم:

-«وما هو هذا الموضوع؟ سيسرني أن أسمع منك القصة بأكملها وأعدك أن أساعدك»

كانت منذ البداية لا تريد التحدث عن قصة تنمرها على الطالبين لذا حاولت إغلاق الموضوع وقالت:

-«هكذا فقط، رأيت أنهما يستحقان ولست نادمة على أي شيء فعلته بحقهما»

تنهد المدير والأب واستسلما، ثم قال المدير:

-«حسنا، فرصة سعيدة، أتمنى أن يتحسن سلوكك ولا تتنمري على أي طالب هنا فأنتِ تعلمين أن أي مشكلة صغيرة ستكلفك الطرد وخسارة مستقبلك»

-«سأضع هذا في الحسبان حضرتك»



خرجت روزي مع والدها من مكتب المدير وهي تحمل حقيبتها على ظهرها لأنها على وشك التوجه لصفها الجديد، توقف والدها في منتصف الطريق وقال لها بينما يقطب حاجبيه ويخشن صوته:

-«لطالما تمنيت رؤيتك طبيبة أو محامية أو أستاذة في المستقبل فلا تخربي كل ذلك على نفسك»

-«سأبذل جهدي لعدم الوقوع في أي متاعب جديدة»

-«أعتمد عليك»

ودعته وتوجهت إلى صفها المدون في الجدول الزمني، كانت باردة جدا وذات خطى شاردة وكان واضحا عليها أنها غير سعيدة بمجيئها لهذه الثانوية.

شخصيتها غامضة ويبدو أنها كانت تعاني الاكتئاب مؤخرا، لكنها مجبرة على مواصلة دراستها والتحلي بالهدوء فقط من أجل والديها اللذين لا يستحقان أن تخفض رأسهما أمام الناس.

وصلت للصف أخيرا فطرقت الباب ودخلت، وبالفعل حين رآها بقية الطلاب صاروا يتهامسون فهم على علم بأن متنمرة مطرودة من ثانويتها ستأتي اليوم لصفهم، أوقفت الأستاذة شرح الدرس والتفتت نحوها وقالت:

-«بارك روزي، أهلا بك، حللتِ أهلا في صفنا الجميل المتواضع»

نظرت لها ببرود ثم نظرت لبقية الطلاب الذين يرمقونها بنظرات غير مريحة ويتهامسون، لذا حاولت الذهاب للبحث عن كرسي لكن الأستاذة أوقفتها وهي تنادي عليها من الخلف قائلة:

-«بارك روزي، قبل أن تجلسي لِمَ لا تأتين وتعرفيننا بنفسك؟ لا بد أن بعض الطلاب يشعرون بالفضول ناحيتك»

ترددت الأخرى كثيرا فهي لا تحب التحدث أمام حشد كبير من الناس لذا حاولت الهروب من الوضع قائلة:

-«لا أعتقد أن لدي الكثير لأقوله عن نفسي»

-«ههه يبدو أنكِ خجولة، لا بأس اجلسي»

نطق أحد الطلاب بصوت مسموع:

-«متنمرة خجولة هههههه لا تجعليني أضحك»

غضبت الأستاذة بشدة وصرخت بصوت عالٍ:

-«من قليل الأدب هذا؟»

لم يجرؤ أحد على الكلام فأردفت:

-«أتمنى أن تحترموا زميلتكم وتحترموني أيضا، الحصة ليست مكانا لرمي التعليقات العشوائية»

توجهت روزي للبحث عن مكان فارغ فعثرت على كرسي وطاولة في نهاية الصف وبجانبها فتاة تضع رأسها على الطاولة غائصة في نوم عميق، كان شعرها يغطي وجهها لذا لم تتمكن من رؤية ملامحها، بعد لحظات صرخت الأستاذة:

-«كيم جيسو! يبدو أنكِ تأخذين قيلولة في المكان الخطأ»

انتفضت الفتاة فزعة من نومها وصارت تنظر من حولها إلى أن أدركت أنها في الصف، هذا أثار سخرية الجميع حتى عمت الفوضى بالمكان، ثم قالت الأستاذة:

-«علي التحدث مع والديك في القريب العاجل، وحتى ذلك الوقت لماذا لا تساعدين زميلتك الجديدة بأخذها في جولة في الثانوية وتعليمها بعض الأشياء المهمة، تبدو خجولة ووحيدة وتحتاج لأحدهم»

نظرت جيسو لروزي فأدركت أنها تتحدث عنها فهزت رأسها مومئة بالإيجاب وحاولت البقاء متيقظة طوال الحصة.

انتهى الدوام ورن الجرس معلنا عن استراحة الغداء فجمع الطلاب أغراضهم وخرجوا متحمسين للفسحة، أما روزي فكانت ضمن أولئك الأشخاص الذين لا يملكون طاقة لأي شيء فجمعت أغراضها وهمت بالخروج لكن جيسو لحقت بها وأوقفتها قائلة:

-«طاب يومك أيتها الجديدة، كيف حالك؟»

-«بخير»

-«تحاولين الهرب مني ها؟ هههه أبدا أبدا لن تنجحي، سألازمك اليوم بأكمله»

-«وما الحاجة؟»

-«هل نسيتِ ما قالته الأستاذة؟ علي أن أعرفك على الثانوية»

-«حقا لا حاجة، لست مهتمة بمعرفة المكان، كل ما أريده هو قضاء الوقت بمفردي وسأكون بخير»

-«أوووه هيا! لا تكوني خجولة، أعلم أنكِ في داخلك تتوقين لفعل الكثير من الأشياء»

كانت جيسو عكس روزي تماما، فتاة مبتهجة ومليئة بالأمل والتفاؤل وابتسامتها لا تفارق ثغرها، كانت جميلة أيضا ولا بد أنها محبوبة.

أردفت تلك الصديقة الجديدة بعد أن لم تنل ردة الفعل التي أرادتها:

-«أدعى كيم جيسو، عمري 18 وأحب مستحضرات التجميل وكل ما يخص الموضة والجمال، ماذا عنك؟ ما هواياتك واهتماماتك»

لم ترتح روزي للأسئلة الغريبة فردت:

-«لا أحب التعريف عن نفسي للغرباء، كما أنني لا أعتقد أن هناك أحدا مهتما ليعرف أنني أحب الكتابة»

-«الكتابة! جميل! ماذا تكتبين؟ قصائد؟ أم روايات؟ أم تؤلفين كتبا ثقافية؟»

انزعجت الأخرى من إلحاحها وتصرفها الغريب فصارت تتراجع للخلف وقالت:

-«غريبة أطوار حقا، نحن نعرف بعضنا للتو لكنك تقولين أنكِ تريدين مني مشاركتك أدق تفاصيل حياتي»

-«أووه هيا! لم أطلب منكِ إخباري حول مقر الكنز أو رقم خزنتك السري، أحاول فقط خلق موضوع للحديث فيبدو أنكِ خجولة ولن تبادري للكلام»

فهمت روزي الأمر فتنهدت وقالت:

-«اسمعي، لست خجولة، كل ما في الأمر أنني أحب البقاء في حيزي الخاص، كما أن تصرفاتك هذه وأسئلتك المستمرة تجعلني أشعر بعدم الراحة لذا رجاءً لا تسألي كثيرا»

-«أوووه فهمت، لنبدأ جولتنا إذًا»

سحبتها من ذراعها بطريقة مفاجأة وأخذتها لأول وجهة لهما وهي الحمام وقالت بحماس:

-«انظري، هذا المكان هو المفضل للفتيات، هنا يتناقلن الشائعات ويتحدثن ويضعن مساحيق التجميل، أحاديث الفتيات حقا لا يُمل منها، هل جربتِ الوقوف في الزاوية والاستماع لهن؟»

-«لا لم أفعل، لكن لا يهمني»

سحبتها مجددا وأخذتها لقاعة الرياضة وكان هناك مجموعة من الشباب يلعبون كرة السلة وعلى المدرجات مجموعة من الفتيات يشاهدن، وقالت:

-«وهذه قاعة الرياضة، فتيان فريق كرة السلة في قمة الوسامة لذا فأغلبية الفتيات هنا أتين من أجلهم، في الحقيقة هذه القاعة تشمل جميع أنواع الرياضات والسباحة إحداها ولكن أكثر رياضة رائجة هي كرة السلة»

ثم اقتربت من أذنها وهمست بابتسامة خجولة:

-«رقم 14 الوسيم جذاب للغاية، انظري له انظري، ليتني أواعده»

ثم اختطفتها من المكان وأخذتها لغرفة موجودة في قاعة الرياضة وشغلت الأنوار فظهر مسبح كبير وقالت:

-«أحب السباحة هنا في المساء فلا يوجد طلاب كثيرون، عليك أن تجربي الأمر أيضا فهو مريح جدا»

-«لا أجيد السباحة ولا أحبها أيضا»

كانت روزي تبدو كما لو أنها مفسدة للمرح ولا تعطي أي فرصة للناس للتقرب منها، ورغم ذلك شدتها جيسو من ذراعها وأخذتها للمكتبة وقالت:

-«ها نحن ذا، لا بد أنه سيكون مكانك المفضل بما أنك من عشاق الكتابة، بالنسبة لي أكره المطالعة لكن أعتقد أنني سأغتتم الفرصة وأبقى هنا من أجل الحصول على المزيد من الوقت للتقرب منك أكثر»

رفعت الأخرى أحد حاجبيها باستغراب وقالت:

-«ولماذا تصرين على التقرب مني؟ هل هناك سبب؟»

-«أجل، كلانا جميلتان وسنشكل ثنائيا مذهلا يطارده جميع الشباب»

ثم انفجرت ضاحكة لجعل الجو أكثر مرحا لكن روزي لم تكترث لها البتة، كانت تكتفي بإخفاض رأسها والبقاء سجينة لشرودها وبرودها، ومرة أخرى فاجأتها جيسو بسحب يدها وأخذتها لقاعة الإطعام وهناك حصلتا على طبقين من الأكل، وحين أرادت جيسو أن تجلس معها رأتها تذهب لطاولة بعيدة منعزلة عن الجميع فلحقت بها وقالت:

-«أيعجبك هذا المكان؟ حسنا لنجلس هنا»

-«نحن؟!»

-«أجل نحن، هل لديكِ اعتراض؟ لا أعتقد»

انزعجت روزي للغاية وكانت ستطلب منها تركها وشأنها فهي مزعجة حتى النخاع، لكنها تنهدت بعمق وصمتت وهمت بتناول طعامها متمنية أن لا تحصل على إزعاج أكثر من ذلك.

حل المساء وعادت روزي للمنزل سيرا على الأقدام وهي تضع سماعات أذنيها وتغوص في شرودها العميق، كانت تفكر بكتابة رواية جديدة تحكي معاناتها وألمها وشعورها بالضياع في هذه الحياة، وشيئا فشيئا بدأت ترتب أفكارها.

عادت للمنزل وكالعادة سمعت صوت الصراخ والشجار قبل أن تدخل حتى، ألقت التحية على والديها لكن لم يسمعاها بسبب غرقهما في الشجار ورفع أصواتهما على بعضهما، أصبح الوضع معتادا بالنسبة إليها على ما يبدو.

جلست في المطبخ تتناول وجبة خفيفة وهما ما يزالان يتشاجران، وجلست تشاهد التلفاز وهما يتشاجران أيضا، وأخيرا تناولت الطعام بمفرها وهما يتشاجران، وحين ظنت أنهما هدآ وانضما لها للجلوس على مائدة الطعام فإذا بالوالدة تذكر الأمر فغضب الأب وقام بقلب طاولة الطعام ليسيل كله على الأرض ثم غادر المنزل غاضبا، أما والدتها فدخلت غرفتها وضربت الباب بقوة وبقيت هناك.

هذا هو حال روزي دائما، لا طعم لحياتها على الإطلاق وسط تلك الشجارات العائلية المستمرة، لقد فكرت مليا بالانتحار لجعل والديها يفهمان أنهما يؤذيانها بتصرفاتهما أكثر مما يؤذيان بعضهما، لكنها لم تملك الجرأة قط لفعلها.

في صباح اليوم التالي توجهت لثانويتها الجديدة باكرا لكي ترتاح من شجار والديها قليلا، وبما أنها تحب الكتابة فقد قررت الجلوس تحت ظل إحدى الأشجار لكتابة جزء من روايتها الجديدة التي تلخص معاناتها، وحرصت على أن لا يقرأ ذلك أي أحد أبدا، وبينما تكتب فإذا بجيسو تظهر من الخلف وتخيفها بلمس كتفيها بسرعة فانتفضت من الفزع واستدارت لها قاطبة حاجبيها وقالت:

-«أووووه أنتِ! أخفتني»

-«اسمي جيسو وليس أنتِ، وأجل هذا هو المطلوب»

-«تبا! لن أنسى لك ذلك أبدا»

-«ماذا تكتبين؟»

حاولت إلقاء نظرة على دفترها لكن الأخرى شعرت بالذعر وأخفته في حقيبتها وقالت بتوتر:

-«شيء لا يخصك»

ثم حملت حقيبتها وغادرت فلحقت بها جيسو وهي تقول:

-«لا يهم ما لم تريدي أن تريني ذلك، لكن هل تريدين أن نذهب ونلعب كرة السلة أنا وأنتِ فقط؟»

-«لا أحب الرياضة»

-«أوه هيا! يبدو أنكِ لم تجربيها حتى، لنلعب هيا»

-«قلت لا»


وصلتا لقاعة الصف فجلست كل منهما مكانها، وكانت جيسو ما تزال تحاول جعل روزي تشاركها أي نشاط يخطر ببالها، ومهما اقترحت عليها فالأخرى تواجهها بالصد والبرود.

بعد أن جاء الطلاب واحدا تلو الآخر جاء شابين طويلان ووسيمان ووقفا أمام طاولة روزي وقال أحدهما:

-«أهلا بالمتنمرة الجميلة، أنا كيول وهذا تشانغ مين»

تعجبت روزي بينما قطبت جيسو أحد حاجبيها، ثم أردف كيول قائلا:

-«سمعت للتو بقصة تنمرك على طلاب ثانويتك القديمة وهل تعلمين يا فتاة؟ حقا أنتِ مثيرة للإعجاب، أحب التنمر، هل تريدين الانضمام لفريقنا؟ سمعتنا مذهلة ومريعة في نفس الوقت، لكن أعدك بأن الجميع سيقدرونك ويحسدونك على انضمامك لنا لأننا الأشهر هنا»

نظرت جيسو لروزي بقلق فقد أيقنت أنها ستوافق على عرضهم، لكن المفاجأة كانت أنها قالت ببرود:

-«لا أحب المتنمرين المغرورين»

بعد سماع كلامها لم يناقشها بل غادر مع صديقه فورا، وبعد أن ابتعد انفجرت جيسو ضاحكة وقالت:

-«معقول أنكِ حقا متنمرة؟ هل هذا الكلام صحيح؟»

-«يبدو أنكِ الوحيدة التي لا تعرف ذلك هنا، طبيعي فقد كنتِ نائمة قبل أن أصل»

-«أوه هذا ما يبدو، سهرت على ألعاب الفيديو لذا لم أحظى بنوم جيد، ما قصة تنمرك؟ أخبريني»

-«أنتِ تبالغين في أسئلتك، لماذا تحبين معرفة كل شيء؟»

-«معك حق، أعتذر، لكن حقا المظاهر خداعة، مظهرك الهادئ والخجول هذا يعطي الجميع فكرة أنكِ شخصية مسالمة وبعيدة كل البعد عن المشاكل»

رمقتها روزي بنظرة باردة ثم انكبت بوجهها على الطاولة وبقيت على تلك الحالة بينما تتكلم:

-«ما الذي تحاولين فعله؟! منذ الأمس تحاولين التقرب مني والكلام معي رغم أسلوبي الفظ، ألا تشعرين بالانزعاج مني ولو قليلا؟»

-«لا»

-«لقد طلبت منكِ الأستاذة أخذي في جولة في الثانوية ومن بعدها كان يمكنك تركي وشأني، لكن لماذا لا تريدين الابتعاد أبدا؟»

-«أريد أن نصبح أصدقاء»

-«لكن لماذا؟!»

-«ليس هناك سبب محدد، بالعادة أنجذب للطلاب الجدد وأشهر أنه لا يمكنهم التأقلم مع تغيير بيئتهم لذا أحاول مساعدتهم»

-«لكنني لا أحتاج مساعدتك»

صمتت جيسو للحظات ثم قالت بنبرة هادئة:

-«كان هذا قاسيا»

-«أعلم أنه قاسٍ لكنها الحقيقة، أنا لست مثيرة للشفقة، أنا بخير، أنا من النوع الانطوائي من الناس أي أنه لو وضعتني في وسط مليون شخص فسأُفضل البقاء في حيزي، لا أحتاج أي أصدقاء، أنا بخير كما أنا لذا رجاءً لا تفكري بي بعد الآن واكتفي بالاهتمام بنفسك وواصلي التسكع مع بقية أصدقائك الذين كنتِ تتسكعين معهم سابقا»

لم تملك جيسو ردا لذا اكتفت بالصمت إلى أن رأت الأستاذ يدخل القاعة فالتزم الجميع أماكنهم، كان ذلك قاسيا للغاية لكنها فضلت الصمت والتجاهل.


عدل سابقا من قبل بثينة علي في الثلاثاء أبريل 11, 2023 2:09 pm عدل 1 مرات

بثينة علي يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الثلاثاء مارس 28, 2023 9:47 am

رواية لهيب المودة : الفصل الثاني



رن جرس الساعة الثانية عشرة ظهرا واستعد الجميع لمغادرة صفوفهم وأولهم روزي التي كانت تجمع أغراضها بسرعة ثم وضعت سماعات أذنها وسارت عدة خطوات نحو باب الخروج، وقبل أن تضغط على زر تشغيل الموسيقى توقفت فجأة والتفتت للخلف لترى أن جيسو تجلس مكانها بهدوء وتحاول الخربشة على دفترها كما لو أنها تحاول تجاهل العالم حولها بشغل نفسها بأي شيء.

ضربت جبهتها بهدوء وشعرت بالحزن القاتل في داخلها، لم ترد أن تصل الأمور بينهما لهذا الحد أبدا.

توجهت نحوها ووقفت بجانب طاولتها وحين انتبهت الأخرى لوجودها لم تبتسم كالعادة حتى ولم تبدي أي رد فعل، حينها قالت روزي بصوت منخفص ومهزوز:

-«لا تكوني هكذا، لا تجعليني أندم على ما قلته، من المفروض أنه ما من صداقة حقيقية بيننا لذا لا تستائي مني، أنا بالنسبة لك مجرد فتاة غبية غريبة مهما قالت لك فلا يجب أن تتأثري»

لم ترد جيسو فأردفت مواصلة كلامها:

-«أوووه هيا! لا بد أنكِ تفعلين هذا متعمدة لجعلي أشعر بالندم، حسنا لقد نجحتِ بذلك»

ومجددا اكتفت جيسو بالصمت فأردفت الأخرى ببرود:

-«لم أقصد ما قلته، لساني دائما يسبب لي المتاعب، مع السلامة»

استدارت لتغادر رغم أنها تعلم أنه ما من فائدة للاعتذار بعد أن جرحت جيسو، لكن انصدمت بأن الأخرى ركضت خلفها وعانقتها من الخلف وهي تضحك وقالت:

-«ههههه روزي الجميلة اعتذرت مني للتو، كان علي تسجيل ذلك»

ولأن روزي لا تحب أن يلمسها أحد فقد اقشعر جسدها بشدة وابتعدت عنها وقالت بتوتر:

-«لم أعتذر، فقط قلت كلاما يعبر عن الندم لكنه ليس اعتذارا»

-«أوه هيا! توقفي عن التصرف بكبرياء، لقد أمسكتك، أنتِ لستِ قاسية لتلك الدرجة بل لديك جانب لطيف ومسالم في داخلك»

-«فقط...فعلت ما يجب فعله، لا أريد أن يكرهني أحد في بداية مشواري هنا»

قالت جيسو بحماس بينما تقفز في مكانها:

-«لنتناول الغداء معا»

كانت روزي تتمنى بشدة البقاء بمفردها لتستمع للموسيقى الهادئة ولكن كان عليها الموافقة لكي لا تشعر بالذنب لذا أومأت برأسها أنْ نعم وسارت متوجهة نحو قاعة الإطعام وجيسو تلحقها وهي تقول بسعادة:

-«رائع! رائع! رائع! سنحظى بغداء لطيف»

جلستا في قاعة الإطعام متقابلتين وبينما تأكلان همست جيسو في أذن روزي:

-«انظري، إنه رقم 14»


نظرت الأخرى لطاولة بعيدة فرأته جالسا مع رفاقه يتناولون طعامهم وردت:

-«جيد»

-«هل تعتقدين لو أرسلت له رسالة وأخبرته أنني أحبه واريد مواعدته فهل سيوافق؟»

-«لا علاقة لي بالموضوع»

-«أعلم لكن هل أفعلها؟ أردت أخذ المشورة منك»

-«وأيضا لا علاقة لي بالموضوع، لن أشجعك ولن أحبطك لذا تصرفي كما تريدين وتحملي نتائج أفعالك»

فكرت جيسو لبعض الوقت ثم قالت:

-«ربما علي التمهل قليلا فالعلاقات في الثانوية مجرد علاقات مؤقتة والمشاعر تتغير باستمرار، رغم ذلك شكرا جزيلا عزيزتي روزي»


أكملت روزي تناول طعامها إلى أن فرغت منه، وعند خروجها تمسكت جيسو بذراعها وقالت:

-«لنذهب في جولة في الثانوية مجددا فمازالت هناك العديد من الأماكن التي لم أريكِ إياها»

-«حقا لا...»

لم تتركها تنهي كلامها وسحبتها نحو العيادة وقالت:

-«هذه هي العيادة، يمكنك المجيء متى أردتِ، ويمكنك أيضا حين تشعرين بالملل من حصة الرياضيات أن تتظاهري بالمرض وتأتي هنا لكي ترتاحي من ذاك القرف»

-«هل فعلتِها من قبل؟»

-«امممم ليس تماما، أقصد بلى هههههه عدة مرات»

-«هذا غريب!»

ثم سحبتها بسرعة وأخذتها للمدرج الضخم الذي تقام فيه المناسبات والفعاليات وقالت:

-«هذا جزئي المفضل من الثانوية، في نهاية السنة تُقام حفلات مذهلة، سعيدة أنني سأحضرها معك هذه السنة»

-«أليس هناك غيري؟»

-«فهمت، تريدين أن أدعك وشأنك لتحضريه بمفردك»

قطبت روزي حاجبيها وهي تحدق بالأخرى فانفجرت ضاحكة وقالت:

-«أمازحك، لدي أصدقاء، لكنني أفضل البقاء معك لأنك جديدة ووحيدة»

-«لست وحيدة، لدي قائمة الأغاني في هاتفي»

-«الأغاني لن تكون صديقك كالبشر، دعك منها وصادقيني أنا»

-«لا خيار لي من الأساس»

كلامها جعل جيسو تضحك، فرغم أنه قد يبدو قاسيا لكن جيسو تتقبله بكل صدر رحب.

من هناك مباشرة توجهتا لقاعة الإعلام الآلي حيث الطلبة يجلسون أمام الحواسيب ليدرسوا أو يتسلوا فهمست جيسو:

-«لنتكلم بهدوء، هذه قاعة الإعلام الآلي كما ترين، هنا أتابع أفلامي المفضلة وهناك اشتراكات نتفلكس مجانية»

-«لا أحب نتفلكس، يروجون لأجندات قذرة، لا أصدق أنكِ تتابعينهم»

-«ليس كل شيء لديهم يروج لها، هناك بعض الأفلام النظيفة»

-«هل يعرف أهلك أنكِ تتابعينها؟»

-«ههههه لا، أهلي لا يسمحون لي حتى باللهو في أوقات فراغي لذا أتركهم حتى يناموا وأشغل ألعاب الفيديو على الشاشة الكبيرة»

-«هذا يفسر لماذا بدأت تظهر هالات سوداء على عينيك»

انصدمت جيسو وأخرجت مرآتها تحدق بانعكاسها لدقائق وقالت:

-«فعلا! علي بذل جهد أكبر لإخفائها»

ثم أخرجت كريم الأساس وصارت تدهنه بهدوء تحت عينيها وقالت بابتسامة:

-«هذا سيفي بالغرض»



حل المساء وجمع الطلبة أغراضهم بعد أن انتهت الصفوف الدراسية وبينما روزي تتجهز للخروج سمعت صديقات جيسو ينادين عليها من آخر الصف:

-«جيسو، نحن ذاهبات الليلة لمدينة الملاهي فهل تنضمين لنا؟»

-«أهلي لن يسمحو لي لكن من يهتم؟ سآتي دون شك»

ثم نظرت لروزي وقالت:

-«أتنضمين لنا أيضا؟»

-«لا، لا أريد إزعاجك أنتِ ورفيقاتك»

-«ما من إزعاج أبدا»

-«حقا لا أريد، لدي ما هو أهم من الخروج والتسكع»

-«حسنا كما تريدين لكن لقد فاتتكِ الفرصة فأنا أفضل من قد تخرجين معه ههههه»

ثم غادرت مع رفيقاتها ليستمتعن بينما بقيت روزي واقفة في الصف لفترة وهي تشعر بضيق في صدرها لأنها لا تستطيع فعل ما يفعله الناس الطبيعيون من اختلاط وخروج واستمتاع بكل اللحظات الجميلة، بالنسبة لنا المتعة لا معنى لها، لا تستطيع الشعور بأي شيء سوى الراحة والهدوء التي تعطيها لها هواية الكتابة والأغاني الهادئة والعزلة.

عادت للبيت رغم أنها لا تريد ذلك ودخلت وألقت التحية على جدران المنزل كالعادة فعي تعلم أن لا أحد سيهتم لها أو يرد عليها، وحين دخلت وجدت والدتها تقشر البطاطس في المطبخ فقالت:

-«طاب يومك أمي»

-«روزي، تعالي»

تقدمت منها ببرود فتأكدت أن وجهها مقلوب ويبدو أن هناك خبرا سيئا قي الطريق، ثم أردفت الأم:

-«صغيرتي، لعلك تعلمين أنني أنا ووالدك وصلنا لطريق مسدودة بشأن علاقتنا، ولعلك تعلمين أننا نؤذي بعضنا ونؤذيك أيضا بذلك»

اكتفت روزي بالاستماع في صمت إلى أن واصلت الأم كلامها:

-«ستقولين أنه قرار متسرع ولكن لا تنظري للموضوع من زاويتك أنتِ فقط بل انظري له من زاويتنا نحن أيضا، لم يعد بإمكاننا التحمل أكثر من ذلك، لقد نفذت طاقتنا»

ثم صمتت لبرهة وواصلت:

-«الأمر يؤلمنا لأنكِ ضحية فيه، لكن ستكون الأمور على ما يرام، الانفصال ليس نهاية العالم بل هو بداية جديدة وسعيدة للطرفين، وأنتِ أيضا كوني سعيدة حبيبتي، وكوني متأكدة أننا نحبك وسندعمك حتى تصيري أفضل كاتبة في العالم»

بعد صمت وبرود شديد من روزي نبست بكلمة واحدة:

-«حسنا»

ثم صعدت غرفتها لتغير زيها المدرسي، وبينما هي هناك في الغرفة وقفت تحدق بانعكاسها في المرآة وتشعر بالشفقة على نفسها، لقد وصلت لمرحلة لم تعد تستطيع فيها قول شيء لأهلها لتمنعهم من الطلاق، لم تستطع أن تبكي، تتوسل، تلطم، تعارض. كانت فقط تكتفي بالصمت.

رغم أنها تبدو غير متأثرة بما يجري لكن فجأة شعرت باختناق وبأنها لا تستطيع الشهيق والزفير بشكل طبيعي، كما لو أن تلك المشاعر التي تكتمها تحاول التكتل في حلقها لتمنعها من التنفس، كان قلبها أيضا يؤلمها بشدة وشعرت وكأن الأرض تدور بها.

متأثرة بأحزانها المكتومة توجهت نحو المروحة المعلقة بالسقف وربطت عليها وشاحا عبر الوقوف على كرسي، وشكلتها من الأسفل على شكل عقدة تسع رأسها.

نظرت مرة أخيرة من حولها لترى غرفتها التي تعتبرها المأوى والملجأ الوحيد لها والذي حين تكون فيه تختفي الضغوطات والمشاكل.

تنهدت بعمق واستعدت لوضع الربطة في عنقها والقفز من على الكرسي لكن فُتح الباب ودخلت والدتها وانصدمت حين رأتها في ذلك الوضع المرعب المزري.

حدقت بها للحظات ثم ركضت عندها وأنزلتها من على الكرسي وضربتها لظهرها عدة مرات وهي تصرخ وعلى وشك البكاء:

-«ما الذي تفعلينه؟! أهكذا تهربين من المشاكل؟ أمجنونة أنتِ؟»

ثم عانقتها وبدأت بالبكاء بصوت عالٍ بينما الأخرى تحاول التماسك والبقاء واعية ولكنها في النهاية ارتخت وأغمي عليها.

في يوم الغد وفي حصة اللغة الإنجليزية جلست جيسو مكانها ولكنها تفاجأت حين رأت مقعد روزي فارغا رغم أن الحصة بدأت بالفعل منذ خمس دقائق، وبينما الأستاذة تستعد لبدء الدرس قالت للطلبة:

-«انتباه لو سمحتم، أتمنى أن تدعوا بالشفاء العاجل لزميلتكم بارك روزي فقد أصيبت بانتكاسة صحية وستتغيب لأسبوع»

صار بعض الطلبة يسخرون منها فقط لأنهم سمعوا بقصة تنمرها، والبعض تعاطفوا معها، أما جيسو فقد استغربت من الموضوع بأكمله وهمست بقلق:

-«أسبوع كامل؟!»

بعد انتهاء الحصة ذهبت للأستاذة عند المكتب لتطمئن على روزي وقالت:

-«أستاذة كوون، هل لي بسؤال لو سمحتِ؟»

-«تفضلي جيسو»

-«هل الطالبة الجديدة بارك روزي بخير؟»

-«ليس هناك الكثير من المعلومات عما يحصل معها لذا أتمنى أن تكون بخير»

-«من أين تعرفين بشأن انتكاستها؟»

-«والدها اتصل، لم يبرر الموضوع كثيرا لكن حين تعود سنسألها عن صحتها»

-«أسبوع كامل! لا يمكنني التحمل، ماذا لو أن بها مرضا خطيرا أو شيئا من هذا القبيل؟»

-«سآخذ رقم والدها وأطمئن عليها لاحقا لذا لا تقلقي»

شعرت جيسو بالقلق وسارت خطوتين مبتعدة وصارت تفكر بأي طريقة للاطمئنان على روزي، حتى أنه من المؤسف أنها لا تملك رقمها نظرا لعلاقتهما الغريبة، ولا حتى تعرف عنوان بيتها.

فجأة استدارت وعادت أدراجها نحو الأستاذة وقالت:

-«أستاذة كوون، أنتِ من قسم الإدارة أليس كذلك؟ أيمكنكِ الحصول على عنوان منزل روزي من خلال ملفاتها؟ حقا أريد الاطمئنان عليها فنحن صديقتان مقربتان»

-«لا تبدوان كذلك»

-«ههه أعلم، لكننا في الطريق لنكون صديقتين مقربتين، لا يهم فنحن زملاء دراسة وهذا واجبي»

-«حسنا حسنا فهمتك عزيزتي»

بحلول المساء لم تتأخر جيسو دقيقة واحدة وتوجهت نحو الشارع الذي تسكن فيه روزي وهي تحمل في يدها اليمين علبة كعك وفي يدها اليسار ورقة بها عنوان البيت وتطوف في كل مكان ذهابا وإيابا.

أخيرا وجدت رقم المنزل الذي تبحث عنه فابتسمت بسعادة وتوجهت هناك ترن الجرس بهدوء.

بعد فترة فتحت عليه والدة روزي فقالت:

-«هنا منزل السيد بارك والد روزي؟»

-«بلى»

-«أنا جيسو، زميلتها من الثانوية، جئت لأطمئن عليها بعد أن عرفت أنها ستتغيب لأسبوع»

فرحت والدتها كثيرا وأدخلتها المنزل وجلستا في غرفة المعيشة وقالت بسعادة:

-«سعيدة أن روزي حصلت على أصدقاء جدد في مدرستها يقلقون عليها، لطالما قلقت بهذا الشأن»

-«لا تقلقي، سأعتني بها ففي النهاية هي فتاة لطيفة ومحبوبة»

-«ههههه لا أصدق أن أحدهم يقول ذلك عنها»

ابتسمت جيسو بتكلف من تلك الجملة ثم قالت بهدوء:

-«إذًا...أين هي؟ هل يمكنني مقابلتها؟»

-«بخصوص ذلك، لا أعتقد أنها تريد مقابلة أحد، منذ الأمس تحتجز نفسها في الغرفة ولا تأكل أو تشرب، نفسيتها متعبة للغاية»

-«نفسيتها! ظننت أنها مريضة»

أدركت والدة روزي أنها تحدثت بما لا تحمد عقباه لذا وضعت يدها على شفتيها بتوتر وحاولت تصحيح الوضع قائلة:

-«أجل أجل، قصدت صحتها، تعرفين أن المرض يؤثر على النفسية أيضا، أنا فقط...أخطأت في التعبير بشكل صحيح»

هزت جيسو رأسها بهدوء لكنها توقن أن هناك خطبا ما، لذا قالت:

-«ماذا لو تكلمت معها؟ أعتقد أنني سأخفف عنها كثيرا، الأصدقاء دواء في بعض الأحيان»

-«لا أعلم...حقا من الصعب إقناعها أن تسمح لك بالدخول، وأخاف أن تعاملك بطريقة سيئة فهي عادة حادة اللسان حين يزعجها أحد»

-«أعدك أنني لن أكثر الكلام معها، سأحاول محادثتها بهدوء وفي حال بدأت تغضب سأغادر»

-«حسنا، كوني حذرة»

صعدت جيسو للطابق العلوي حاملة الكعكة ثم طرقت الباب مرة، مرتين، ثلاث مرات لكن لم يأذن لها أحد بالدخول، لذا قالت:

-«سواء كنتِ مستعدة أم لا فأنا قادمة»

فتحت الباب ودخلت بهدوء فوجدت الظلام حالكا في الغرفة فشغلت الإنارة، وعندما نظرت ناحية السرير رأت روزي مستلقية وملفوفة بالغطاء من رأسها لقدميها، اقتربت منها بهدوء وأبعدته عن وجهها فوجدتها مستيقظة لكنها متصنمة مكاننا ومن يراها يحسبها تمثالا لولا أنها ترمش من حين لآخر.

قالت جيسو بحماس محاولة جذب انتباهها:

-«ها أنتِ ذا! ظننت أنكِ ميتة، مرحبا كيف الحال؟ لدي بعض الكعك أليس هذا رائعا؟ انهضي لنتناوله قبل أن تنتهي صلاحية الكريما»

انتظرتها لترد فلم تنل أي إجابة ثم أردفت:

-«إنها كعكة بالشكلاطة، الجميع يحبون الشكلاطة»

لم تجبها الأخرى أيضا واكتفت بالصمت فأردفت جيسو أيضا:

-«لا تحبين الكعك؟ حسنا، غرفة جميلة، أحببتها، تنسيقك للألوان لطيف، رغم أن كل شيء تقريبا أسود لكنكِ أحسنتِ الاختيار»

ومرة أخرى تجاهلتها، ورغم أعصاب جيسو التي بدأت تغلي لكنها فضلت البقاء هادئة وتوجهت نحو النافذة تزيل ستائرها لترى المنظر وأردفت:

-«يال روعة المنظر من هنا! أنتِ محظوظة، غرفتي في الطابق السفلي لذا فالمنظر ممل للغاية»

فجأة استيقظت روزي من مرقدها وجلست بهدوء على السرير وقالت بنبرة باردة:

-«لماذا أتيتِ؟»

-«لأطمئن عليك، والدك أبلغ المدرسة أنكِ ستتغيبين لأسبوع لذا قلقت وبحثت عن عنوان منزلك»

-«ولماذا تهتمين من الأساس؟»

-«لأننا صديقتان»

-«أنا لست صديقة أحد ولا أؤمن بالصداقة»

رمشت جيسو بعينيها عدة مرات بعد ما سمعته ثم استدارت وسارت نحو المخرج وهي تقول:

-«حسنا، أشكرك»

فجأة رفعت روزي ناظريها نحوها بعد أن شعرت بالذنب مما قالته فصرخت عليها:

-«لا، توقفي، لم أقصد ما قلته»

استدارت جيسو وهي مستغربة ونظرت نحوها فأردفت الأخرى:

-«أنتِ حساسة حقا، كيف يمكنكِ الغضب هذا بسرعة؟ لا أريد أن أشعر بالذنب كالمرة الماضية»

-«لكنني لم أغضب، كنت ذاهبة لأطلب من والدتك صحونا وأشواك لنتناول الكعك»

فجأة شعرت روزي بإحراج كبير ورمت نفسها على سريرها ودفنت وجهها في الوسادة، فقالت جيسو:

-«سأعود ونتحدث»
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الخميس مايو 04, 2023 11:41 pm

لهيب المودة : الفصل الثالث



في منزل روزي كانت جيسو تنزل عبر السلالم وأثناء سيرها رأت على الحائط صور روزي مع عائلتها وهم يبدون في قمة السعادة في مختلف مراحل حياتهم.

كانت هناك صور لهم وروزي صغيرة وما لفت انتباهها صورة للأخيرة وهي تبدو قريبة لسنها الحالي ويبدو أنها تبتسم بسعادة في الصورة وتبدو في قمة الأمل والتفاؤل مما جعل جيسو تتساءل قائلة:

-«ابتسامة جميلة، لا بد أن روزي كانت فتاة طبيعية ذات يوم، ترى ما الذي أوصلها لهذه الحالة حتى أصبحت لا تقوى على الابتسام؟! بل وصارت تبدو كتمثال ثلج باردة ومنطوية»

قلبت الصورة فرأت تاريخ الالتقاط وكان في سنة 2022 فقالت:

-«قبل سنة! غريب حقا كيف كانت قبل سنة وكيف أصبحت»

نزلت للأسفل فرأت والدة روزي تعد الطعام في المطبخ فقالت لها:

-«سيدة بارك، أعتذر على إزعاجك، هل لي بطبقين وشوكتين؟»

-«طبعا، افتحي الدولاب هناك وستعثرين على ضالتك»

فعلت كما طلبت منها وأخرجت الأواني وقبل أن تعود لغرفة روزي نظرت لوالدتها وكانت تبدو حزينة وهي تطبخ، وبينما تراقبها خطرت على بالها أن تعرف الأمر منها لأن روزي لن تتكلم دون أدنى شك.

تقدمت منها ووقفت أمامها فاستدارت الأخرى بسرعة وحاولت التظاهر بالابتسام وقالت:

-«هل تحتاجين شيئا آخر يا...»

-«جيسو»

-«هههه جيسو، أعتذر فذاكرتي ضعيفة»

-«لا بأس عمتي، أردت فقط معرفة ما إذا كانت أمورك أنتِ وروزي على ما يرام»

-«ههه بالطبع، نحن على ما يرام، نحن فقط نختلف من حين لآخر لكن أمورنا جيدة»

-«روزي تبدو كما لو أنها ليست بخير، تبدو حزينة للغاية، هل يمكنني معرفة السبب؟»

-«أنتما صديقتان، ألم تكلمك عن أي شيء؟»

-«بالكاد أستطيع التواصل معها فكيف تسمح لي بالتدخل في خصوصياتها؟ أبذل جهدي بقوة ولكنها تتجنبني، أمر طبيعي فنحن لم نتعارف سوى منذ يومين»

-«لكن أظنك لطيفة وستكون هناك صداقة قوية بينكما»

-«شكرا لإيمانك بي سيدة بارك، سأبذل جهدي لأجعل روزي سعيدة، أعدك بذلك»

-«شكرا لك، روزي تحتاج لصديق متفهم مثلك أكثر مما تظنين، ابذلي جهدك»

ثم واصلت إعداد العشاء في صمت، وبهذا استنتجت جيسو أن لا أحد يريد الكلام عن ما يحصل مع روزي ولا حتى والدتها، لذا أخذت الأطباق وصعدت للطابق العلوي لغرفة روزي.

في الغرفة وجدت روزي على حالها تجلس على السرير وتضم ساقيها بيديها فأخذت قطعتين من الكعك ووضعتهما في الصحون وأعطت أول واحد لروزي لتأكله لكنها لم تأخذه منها، انتظرتها للحظات وحين لم تبدي أي رد فعل وضعته لها بجانبها وهمت في أكل خاصتها.

انتهت جيسو من الطبق بسعادة وقالت بحماس:

-«امممم لذيذ! كما توقعت، حلويات هذا المتجر لا تخيب ظني، لديهم وصفة سحرية تجعلني أرغب بالشراء من عندهم فحسب»

ثم نظرت لروزي وأردفت:

-«هيا، تناولي خاصتك وستشعرين بسعادة بالغة»

نظرت لها روزي بطرف عينيها ثم أخذت لقمة من الكعك لكن لم تبدي أي ردة فعل، بل وتوقفت عن الأكل فورا وتنهدت وقالت:

-«لم يعد للأكل أي ذوق، ولا حتى الحلو منه»

-«كيف ذلك؟! الطعم الحلو يحسن المزاج، والشكلاطة السوداء هي غذاء الروح ومضاد الاكتئاب»

-«لست مكتئبة»

-«متأكدة؟»

-«والداي أيضا يقولان أنني مكتئبة، لكن لست كذلك، يلمحان لأنني مريضة نفسيا، فلتتوقفوا جميعا عن رمي الكلام بقلة حكمة فأنا بخير»

قالتها ببرود شديد فجعلت جيسو تشعر بالحزن أكثر، ثم أردفت مواصلة كلامها:

-«أعتقد أنكِ أتيتِ لزيارتي صحيح؟ شكرا لك لاهتمامك والآن أريد النوم، أتمانعين؟»

-«كلا»

فهمت جيسو أن روزي تريد مساحة خاصة فأعطتها إياها وتوجهت نحو الأسفل مجددا بينما الوالدة تطبخ، لم ترد المغادرة باكرا بل أرادت أن تحاول مرارا وتكرارا لعلها تجد طريقة لمساعدة صديقتها أو على الأقل لمعرفة القليل عن حياتها الغامضة.

في المطبخ وجدت والدة روزي حزينة بينما تطبخ وحين رأتها ابتسمت لها وقالت:

-«أهلا جيسو، أتحتاجين شيئا آخر؟»

-«أبدا، روزي على وشك الخلود للنوم ولا أريد العودة للمنزل باكرا فوالداي سيجبرانني على الدراسة بكل جهدي وهذا متعب ههههه لا تهتمي لوجودي، أقصد أشعر بالملل فحسب»

-«فهمت، لا تملكين شخصا تتحدثين إليه ويبدو أن روزي كانت فظة معك بحيث نامت وتركتك»

-«ههههه تقريبا، لكنها لم تكن فظة، هي فقط تبدو متعبة كما أنني أتفهمها، حين أشعر بالنعاس أنام حتى في الشارع»

-«أتعلمين؟ أشعر بالفخر لأن روزي تملك صديقة عطوفة ومتفهمة مثلك، لو كانت واحدة غيرك لترَكَتها»

-«هههه كلامك يخجلني سيدتي»

-«أنا جادة صدقيني، من معرفتي بروزي فأظن أن من الصعب تحملها ولكنكِ فعلتها بكل أريحية»

ابتسمت جيسو لها ثم قالت بحماس:

-«هل تحتاجين مساعدة في الطبخ؟»

-«أوه هذا مثير! روزي لم تساعدني ولو لمرة، لطالما تمنيت أن يقول لي أحد هذا الكلام هههه سنتسلى كثيرا ونحن نطبخ ونتحدث»

-«أنا طباخة ماهرة فأمي تطلب مني مساعدتها دوما»

-«هههه يال حظ أمك بك، ربما كان الأحرى بي أنا أيضا أن أطلب مساعدة روزي بدل أن أنتظرها لتأتي وتساعدني»

-«بالضبط، ابدئي أنتِ المبادرة»

مع الوقت بدأت أصوات ضحكاتهما تملأ المكان تبعا للأحاديث الطريفة والنكت التي تلقيانها على بعضهما ويبدو أن شخصية جيسو مشابهة لشخصية الوالدة تماما لدرجة أنها طلبت رقمها لتبقيا على تواصل دائما ومن جهة لأنها تأكدت من أنها شخص رائع ويمكنها الاعتناء بروزي في الثانوية.

كانت روزي مستلقية في سريرها تستمع لضحكاتهما فانقبض قلبها بطريقة مرعبة، أحست بالشفقة على نفسها لأنها لا تستطيع الضحك والاستمتاع كالناس الطبيعيين، حياتها تحولت لجحيم في ليلة وضحاها وفقدت طعم الحياة.

حان وقت العشاء فنزلت روزي للأسفل وعثرت على جيسو تجهز المائدة فقالت هذه الأخيرة:

-«أوه أهلا! هل نمتِ جيدا؟»

-«أجل، لم تغادري بعد؟»

نطقت الأم وهي تأتي بأطباق الطعام من المطبخ:

-«توقفي عن كونك فظة مع الضيوف، أنا من طلبت منها البقاء على العشاء كما أنها على عكسك مسلية ولطيفة وساعدتني كثيرا في الطبخ»

قطبت روزي حاجبيها وقالت:

-«آسفة لأنني لست مسلية ولطيفة ولا أساعدك في الطبخ»

بدا الاستياء في كلامها ثم جلست بسرعة وباشرت الأكل وهي صامتة وسط نظرات والدتها وجيسو، ولكي تغير جيسو الجو المشحون أسرعت بالجلوس أمام صديقتها وقالت بحماس:

-«كلي الكثير اليوم، هذا طبخ يدي ودون أدنى شك سيكون مذهلا ولذيذا»

قلبت روزي عينيها بتململ ثم نظرت لوالدتها وقالت:

-«والدي لم يعد بعد؟»

تنحنحت الوالدة من الإحراج ثم قالت:

-«بعدما حصل آخر مرة قرر تناول الطعام خارجا من الآن فصاعدا»

شعرت جيسو بالفضول فقالت:

-«وما الذي حصل مؤخرا؟!»

لم تجبها الاثنتان لبعض الوقت ثم قالت الوالدة محاولة تصحيح الوضع:

-«تم توبيخه في العمل لذا قرر توفير الوقت والأكل في المطعم، عليه بذل جهد أكبر فالشركة التي يعمل فيها تواجه أزمة مالية»

رغم أن جيسو لم تصدق أي حرف مما سمعته ولكنها تظاهرت بالتصديق وابتسمت ثم همت بالأكل.

انتهى العشاء في سلام ثم وقفت روزي ووالدتها عند الباب تودعان جيسو، ورغم أن روزي غير مكترثة لكن والدتها لطيفة وقد عانقت جيسو قبل مغادرتها وقالت:

-«عودي لزيارتنا دوما فقد اسمتعت بهذا اليوم حقا»

-«طبعا سأفعل، إن لم تحضر روزي هذا الأسبوع كاملا فسأضطر لزيارتها»

تنهدت روزي بقلة حيلة ثم دخلت المنزل، أما جيسو فابتسمت وغادرت ركضا لأن والديها سيوبخانها طويلا بسبب قضائها الوقت خارجا بدل الاهتمام بدراستها لأنها في السنة النهائية وعليها التخرج بعلامات ممتازة لنيل التخصص المطلوب.

في يوم الغد توجه والدا روزي بالسيارة نحو مكان ما ولم يخبرها حتى أين الوجهة وعندما وصلوا ونظرت روزي لللافتة قرأت "عيادة الطب النفسي المركزية" ومباشرة تغيرت تعابير وجهها نحو الانزعاج فقالت:

-«ألم نتحدث عن الموضوع بالأمس؟»

-«حاولتِ الانتحار ومازلتِ تعتقدين أنكِ على ما يرام؟»

-«لكنكما من قدتماني لهذه الحالة»

-«لأننا فقدنا التوافق وقررنا الانفصال والمضي في حياتنا بشكل أفضل؟»

-«قرار الطلاق ليس لكما وحدكما، أنا أيضا لدي رأي في الموضوع»

تحدث الأب قائلا:

-«نعلم أنكِ تحبيننا معا وتريدين كلينا إلى جانبك لكن عليك تفهم أننا نتأذى كل يوم بسبب زواجنا الخاطئ»

-«الآن بعد 19 عاما قررتما أنه زواج خاطئ؟»

-«أوووه هيا روزي! الموضوع معقد للشرح، فقط اذهبي للطبيبة وحدثيها وسنتكلم عن موضوع الطلاق لاحقا»

ثم قالت الأم:

-«سأدخل معك»

-«لا لا لا رجاءً لا، أريد الذهاب وحدي لأنكما تربكانني، فقط اتركاني بمفردي خاصة في هذا الموقف»

-«حسنا عزيزتي، بالتوفيق»

-«لست ذاهبة للحرب»

قالتها ببرود ثم دخلت ولحسن حظها لم يكن هناك الكثير من الزبائن لذا لم تنتظر كثيرا، وبعد دخولها جلست مقابلة للطبيبة وحدقت كل منهما في عيني الأخرى لبرهة ثم قالت الطبيبة:

-«الاسم والعمر رجاءً»

-«بارك روزي، 18 عاما»

-«أوه هذه أنتِ! والدك قد أتى بالأمس وأخبرني ببعض التفاصيل لكن أريد سماع القصة من طرفك»

-«أي قصة؟»

-«ما الذي يزعجك؟ ما الذي يجعلك حزينة؟ لماذا تظنين أن الانتحار حل؟»

-«لا شيء يزعجني، لا شيء يجعلني حزينة، لا شيء يجعلني أفكر أن الانتحار حل»

-«أعلم أن البعض يحبون الاحتفاظ بأمورهم لأنفسهم لكن أنا هنا لمساعدتك، أخبريني بكل شيء وأعدك ان يبقى سرا»

-«أولا لا أثق بأحد ولا حتى والداي فكيف أأتمنك على أسراري؟ وثانيا ليس لدي ما أخبرك به»

-«أتظنين أن الانتحار أمر بسيط؟ وأنه يمكن لأي أحد أن ينتحر دون أي سبب؟»

-«أجل، أنا مثلا قررت الانتحار دون سبب»

-«آنسة روزي رجاءً توقفي عن اللف والدوران فأنا هنا لأخلصك من حزنك»

-«لست حزينة»

-«عيناك تقولان شيئا آخر»

-«هل تجيدين قراءة العيون؟ هل أنتِ عرافة أم قارئة أفكار؟»

-«لست كلاهما لكن ليس من الصعب التمييز بأنكِ تحتاجين مساعدة»

-«والداي من يقولان ذلك لكنني بخير»

بدأت الطبيبة تسأم من اللف والدوران فقررت إنهاء الجلسة وقالت:

-«حسنا، يبدو أنكِ لستِ مستعدة للكلام عن ما يزعجك، لا تنسي أنني في الخدمة دوما ومتى أردتِ الكلام والفضفضة فسأكون هنا»

-«لا داعي لذلك فأنا أعلم أنه ما من فائدة من الكلام مع الناس عن أحزاني، لن يحس بي أحد ولن يفهمني أحد لذا سأحتفظ بما لدي لنفسي»

ابتسمت لها الطبيبة بتكلف ولم تبادلها روزي حتى ثم خرجت من هناك وركبت سيارة والدها من الخلف ولم تنطق بأي شيء بل شغلت الموسيقى على صوت عالٍ ووضعت رأسها على زجاج النافذة وأغمضت عينيها، حينها قالت والدتها بهدوء:

-«هل جرت الأمور...»

قاطعها الأب قائلا:

-«صه! دعيها، سنسأل الطبيبة على الهاتف لاحقا»

لم تذهب روزي للمدرسة أسبوعا كاملا وطوال الوقت كان والداها يحثانها على زيارة الطبيبة النفسية ولكنها تقابلهما بالرفض والبرود، حتى في المرات القليلة التي زارتها فيها فلم تنبس بكلمة ولم تعبر عما يختلجها من حزن وأسى ظانة أنه لا فائدة من مشاركة الناس مشاكلنا ومشاعرنا فهم لن يحسوا بها أصلا ولن يغير الأمر من شيء.

أما بخصوص جيسو فقد حبسها والداها في المنزل طوال الأسبوع فلم تستطع زيارة روزي كون منزلها بعيدا جدا، ولكنها من حين لآخر تتصل بوالدة روزي وتسأل عن أخبارها التي لا تتغير أبدا.

بعد انقضاء ذلك الأسبوع عادت روزي للثانوية ببرود وتململ وبمجرد أن دخلت البوابة وجدت جيسو تنتظرها ومعها قطعة كاب كيك وعليها شمعة ثم صرخت بحماس قائلة:

-«بارك روزي! لقد عدتِ!»

نظرت لها روزي ببرود ونظرت للشمعة فوجدتها مطفأة وقالت باستغراب:

-«شمعة مطفأة؟!»

-«ممنوع إشعال النار داخل الثانوية، لكن سأعوضك بكعكة أكبر وشموع كثيرة مشتعلة المرات القادمة، أهلا بعودتك»

-«لم يكن هناك داعٍ»

نظرت للداخل فوجدت أن الثانوية شبه فارغة والوقت مبكر جدا فقالت:

-«أتيتِ باكرا اليوم»

-«من أجلك هههه»

-«لماذا من أجلي؟»

-«لأنني أريدك أن تشعري بأن هناك من يهتم لأمرك ويريد رؤيتك هنا في الثانوية حتى لا تشعري أنكِ وحيدة»

كانت روزي سترد بأنها لا تهتم لمن يهتم لها أصلا لكنها تذكرت كل تلك المرات التي قالت فيها كلاما جارحا لجيسو وندمت عليه لذا صمتت وتوجهت نحو الصف فصرخت عليها جيسو من الخلف:

-«ألن تأكلي الكاب كيك الذي اشتريته لك؟»

-«لست جائعة، كليه أنتِ»

-«أوه لا أمانع هههههه»

وصلت روزي للصف وخلفها جيسو التي تلحقها، ومع تقدم الوقت جاء الطلاب واحدا تلو الآخر وصاروا ينظرون لروزي ويتهامسون والبعض منهم يسألونها عن صحتها وكيف أصبحت وعن سبب تغيبها أيضا، وبطبيعة الحال كانت تخبرهم أنها بخير وكانت مجرد وعكة صحية ولا تزيد عن ذلك كونها تكره تدخل الناس في خصوصياتها.

بعد مدة جاء المتنمران المشهوران في الصف المدعوان كيول وتشانغ مين ووقفا عند طاولتها وقال كيول بنبرة واثقة:

-«عزيزتي الفاتنة روزي، حمدا لله على السلامة، شعرت بالقلق عليك، آمل أنكِ بخير الآن»

نظرت له بطرف عينها ثم أبعدت ناظريها بسرعة وقالت:

-«بخير كما ترى»

-«كان عليكِ إعطائي رقمك لكي لا أقلق عليك وأفكر فيك طوال اليوم، هيا سجلي رقمي عندك»

انتظرها قليلا لتعطيه أي ردة فعل لكنها لم تفعل ثم قالت ببرود:

-«قلت أنني أكره المتنمرين المغرورين فما الذي تحاولان فعله؟»

قال تشانغ مين:

-«من الواضح أن صديقي معجب بك ويريد التقرب منك لذا لا تفوتي الفرصة»

-«مرة أخرى، أكره المتنمرين المغرورين»

ثم قال كيول:

-«سجلك حافل بالتنمر أيضا لذا لا داعي أن تتظاهري بالبراءة عزيزتي، هههههه هيا سجلي رقمي»

-«نعم أنا متنمرة ونعم أنا فخورة بنفسي لكن لا أريد أي علاقة معك ولا حتى أريد رقم هاتفك لذا ابتعد من هنا»

خافا أن يسمع بقية الطلاب الكلام الذي يدور بينهم فغادرا بسرعة، حينها انفجرت جيسو من الضحك وقالت:

-«لا أحد يقدر على هذين المزعجين غيرك ههههه، أحسنتِ روزي،حتى أنهما لا يتجرآن على الرد عليك من شدة إعجابهما بك»

-«أتظنين حقا أنهما معجبان بي؟»

-«قطعا نعم، لم يعاملا أحدا هكذا من قبل، بالنسبة لهما من الصعب تجاهل المشاكل لكن حين يتعلق الأمر بك فهما كالحملين الوديعين حقا»

-«جيد، على الأقل لن تكون هناك مشاكل تنمر جديدة»

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الجمعة يونيو 23, 2023 4:58 pm

رواية لهيب المودة : الفصل الرابع



جلست روزي في ساحة الثانوية تستمع للأغاني الهادئة بواسطة السماعات بينما تكتب روايتها في الدفتر وتسجل الكلمات بهدوء، فجأة ظهرت جيسو من خلفها وقالت:

-«ها قد أتيت، ما الذي تفعلينه؟»

شعرت روزي بالانزعاج وجمعت دفترها وأزالت السماعات من أذنيها ثم سارت لتتوجه لخزانتها وفي طريقها تبعتها جيسو وهي تقول:

-«لماذا تخفين عني ذلك الدفتر دائما؟ دعيني على الأقل أقرأ ما يوجد فيه وأعدك أن لا أخبر أحدا»

-«لا»

-«لا بد أنكِ تكتبين عن شاب ما ههههه كشفتك، تشعرين بالخجل ولا تريدين الاعتراف»

-«الحب سخيف وهو من آخر اهتماماتي، والعواطف تافهة»

-«تعلمين بمن تذكرينني؟»

-«بمن؟»

-«بشخصية بطلة الفيلم الشهير وينزداي»

استدارت روزي نحوها مباشرة ورفعت أحد حاجبيها استنكارا مما سمعته، أما جيسو فشكلت أصابعها على شكل مربع ووجهتها ناحيتها وقالت:

-«بالضبط، أظن أنكِ ستتقنين دورها أكثر منها حتى»

-«وهل تعرفين بمن تذكرينني أنتِ؟»

-«من؟»

-«شخصية باغز باني التي تثرثر كثيرا»

-«ههههه وجهة نظر»

سارتا عبر الأروقة وبينما تتوجهان للحمام رأيتا من خلال رواق فارغ المتنمرين كيول وتشانغ مين يحاصران شابا أضعف منهما ويقوم أحدهما بإمساكه من ياقة قميصه بقوة بينما الثاني يحمل زجاجة ماء يتجهز ليسكبها عليه، قال تشانغ مين:

-«ههههه أين واجبي؟»

رد عليه الفتى وهو خائف ويرتجف:

-«أنجزته لك بالفعل صدقني لكن يبدو أنني نسيته في المنزل»

-«ههههه كاذب، المرة السابقة أيضا نسيته في المنزل ولم أقل شيئا وها أنت ذا تكررها، حسنا سآخذ واجبك بدلا منه»

سحب منه المحفظة غصبا وأخذ الواجب ثم فتح غطاء زجاجة الماء وتجهز ليسكبها عليه لكن روزي تقدمت وقالت:

-«أنتما، ما الذي تفعلانه؟»

أخفى تشانغ مين الزحاجة خلفه وقال بصوت متوتر:

-«عزيزتي روزي، أهلا»

توجهت نحوه وأخذت الواجب منه وأعادته للطالب وقالت:

-«هل تتنمران عليه؟»

قال كيول بتوتر:

-«أبدا»

ثم قال تشانغ مين:

-«هذا المزعج نسي واجبنا في المنزل لذا أخذنا واجبه بدل ذلك، هو المذنب فيما حصل»

قالت روزي بعد أن سمعت كلامهما الغبي:

-«لا تظنا انني بتلك السخافة، سمعتكما تتحدثان عن سرقة واجبه لذا لا تنكرا»

-«حسنا فعلنا، ولكن لماذا تدافعين عنه؟ أنتِ أيضا متنمرة»

-«متنمرة سابقة، وحان الوقت لتصبحا متنمرين سابقين»

نظرا لبعضهما ثم انفجرا ضاحكين وأخيرا أعادا المحفظة لصاحبها ثم ذهبا وهما يضحكان، كانت جيسو متفاجأة مما حصل ورغم ذلك لم تنطق بأي شيء.

في استراحة الغداء جلست روزي مع جيسو تتناولان الطعام في قاعة الإطعام فنظرت جيسو لها وابتسمت وقالت:

-«مستحيل أن تكوني متنمرة»

استغربت الأخرى من كلامها وردت بينما تمضغ طعامها:

-«أنا؟ وكيف تعرفين ذلك؟»

-«ما أعرفه أن المتنمرين أشخاص عديموا الرحمة يتلذذون بجرح غيرهم، لكن ما رأيته منك أنكِ فتاة طيبة وتشعرين بالذنب حين تؤذين أحدا، صحيح أنكِ باردة المشاعر وترمين الكلام دون تفكير لكنك تندمين لاحقا»

-«أوووه كل هذا لأنني أظهرت ندمي لكِ سابقا؟ ليتني لم أفعل»

-«أنا أؤمن بأن هناك خطئًا ما، أخبريني هيا، لستِ متنمرة صحيح؟ لم تؤذي أحدا عن قصد ولا علاقة لكِ بهذه الأمور»

بقيت مبتسمة بينما تنتظر منها الرد لكن الأخرى كانت باردة كالعادة وقالت بهدوء:

-«مخطئة، لقد تنمرت»

-«مستحيل، أظن أنه تم اتهامك زورا»

-«أبدا، لقد تنمرت على طالبين وبإرادتي الكاملة ولم أندم أبدا، لقد قمت بإمساك الطالبة في الحمام وأبرحتها ضربا حتى تسببت باقتلاع جزء من شعرها، وقد دمرت خزانة الشاب وأحرقت دفاتره وكتبت على طاولته أنه غبي لعين، بل ورميت كليهما بالبيض من الأعلى حتى صارا يتوسلان الرحمة»

بينما تتحدث كانت جيسو مصدومة مفتوحة الفاه وفي النهاية ابتلعت ريقها وقالت:

-«لكن...لماذا؟»

-«هكذا فحسب، كل شيء مكتوب في سجلي المدرسي، هل أريك؟»

-«لا لا لا لقد اكتفيت»

-«هل ما تزالين تريدين أن تصادقيني بعد سماع ذلك؟»

-«أجل»

-«حقا؟!»

-«هذا من الماضي ولا بد أنكِ تغيرتِ الآن»

-«حصل هذا قبل شهر فقط»

-«هههههه لن تتخلصي مني»

واصلت روزي تناول طعامها وكانت تشعر بشعور غريب كما لو أنها سعيدة بثقة جيسو الغريبة بها، حتى الأخرى بقيت تنظر لها مبتسمة ولم تصدق أبدا أنها تنمرت أو آذت أي أحد.

بعد انتهائهما ذهبت الفتاتان لتدريب فريق كرة السلة وجلستا تنظران للشباب وكانت جيسو مفتونة بالرقم 11 وتنظر له بإعجاب شديد متمنية أن تطير الكرة نحوها لتلتقطها وتعيدها إليه، وبينما روزي تراقبها متجهمة الوجه قالت:

-«الناس ينظرون، توقفي عن إظهار وجهك المفتون فسيظنونك مهووسة»

-«أنا مهووسة، أولست كذلك؟»

-«أوووه جيسو، توقفي عن هذه التصرفات، حقا سنجعل الناس يضحكون علينا»

بعد انتهاء التدريب أخرجت جيسو من حقيبتها علبة عصير وقالت بحماس:

-«سآخذها له، تمني لي التوفيق عزيزتي»

-«يمكنه شراء واحدة بنفسه»

-«أعلم لكن قد أجدها فرصة للتقرب منه، سأذهب الآن»

أخذت العلبة وذهبت نحوه وهي مبتسمة وما إن كادت تصل حتى رأت فتاة أخرى تقترب منه وتعطيه علبة عصير، اختفت الابتسامة عن وجهها خاصة حين رأته يبتسم للفتاة الأخرى بطريقة مريبة وكأنه معجب بها لذا وقفت مكانها وحسب وشاهدته يحدثها بسعادة وقلبها محطم.

لاحظت روزي ما يحدث فتقدمت منها ونظرت لملامح وجهها المنكسرة وقالت:

-«يبدو أنه لا أمل لديك، لا يهم، هناك شباب كثيرون في الثانوية غيره»

سالت دمعة لطيفة من عيون جيسو لكنها مسحتها بسرعة وقالت بحشرجة:

-«لكنني أحلم بمواعدته منذ أشهر، ولا أرى شابا سواه، لا يمكنني العيش من دونه»

-«هذا سخيف، توقفي»

بقيت تحدق بها وفجأة صارت تذرف الدموع حتى لاحظها لاعب كرة السلة وصديقته وتقدم منها وقال:

-«خيرا؟ لماذا تبكين؟»

استدارت جيسو للجهة المقابلة لتفادي الإحراج ثم قالت صديقته:

-«هذه الفتاة، رأيتها أكثر من مرة تحوم بالمكان ويبدو أنها معجبة بك»

انفجر لاعب كرة السلة ضاحكا وقال:

-«معجبة أخرى؟ جميل، شعبيتي حقا قوية»

-«ولكن ما رأيك؟ هل أنت مهتم لها؟»

-«لا البتة»

تحطم قلب جيسو أكثر وهي تسمع كلامه ولم يكتفي بذلك بل قال:

-«هذا سخيف، تبكي لأجلي»

-«ههههه سخيف جدا، ما باليد حيلة»

-«أكره الفتيات ذوات الشخصيات المرهفة ههههه كلما جرحتها تبكي ولو انفصلت عنها ربما تنتحر ههههه شكرا لكن لا أريد فتاة بكاءة سخيفة»

اكتفت روزي من الاستماع لهما فقالت بنبرة حادة مرعبة:

-«اخرسا»

نظرا لها وقالت الفتاة:

-«ها قد وصلت محامية الدفاع»

-«لست محامية دفاع ولكن جيسو لم تكن تبكي لأجل هذا المغفل بل لأن كلامه قاسٍ جدا»

قال لاعب كرة السلة:

-«مغفل؟»

-«أجل مغفل هل لديك اعتراض؟ صحيح أن جيسو كانت معجبة بك لكن كان يمكنك أن ترفضها بلطف أو تتجاهلها فحسب، هل تتباهى بأن لديك شعبية كبيرة؟ جيسو أيضا لديها شعبية كبيرة ومعجبون كثر لذا يمكنها الحصول على حبيب رائع بدقيقة»

-«هههههه بالنسبة لشكلها القبيح فلا أظن»

شعرت روزي بغضب شديد وكانت ستدخل في عراك معه لكن سمعت صوت جيسو تقول بهدوء:

-«لا بأس روزي، لنذهب»

ثم سحبتها من يدها وأخذتها بعيدا حتى اختفيتا في مكان لا يوجد به أحد، حينها نظرت جيسو لروزي وابتسمت بتكلف وقالت:

-«لا داعي للدخول معه في نقاش محتدم فلا طاقة لي لسماع المزيد»

-«ما كان عليكِ إيقافي، لو تركته لي فسأتولى أمره»

-«حقا لا حاجة لذلك، أنا بخير»

-«حقا بخير؟»

-«أجل بالطبع»

حدقت بها ولاحظت أنها لا تقوى على الابتسام حتى لكنها تجاهلت الأمر وأغلقت على الموضوع.

مر ذلك اليوم كئيبا على جيسو وتغيرت كثيرا بحيث لم تكلم روزي ولم تضحك أو تثرثر أو تبتسم كالعادة، حتى في داخل الصف فتركيزها كان ضعيفا ونظرها منحصر على دفترها الذي تخربش عليه دون اكتراث لما يجري حولها.

حل المساء واستعد الطلبة للمغادرة وكانت جيسو آخر المغادرين للصف ولم تودع أحدا ولم تكلم أحدا ولا حتى روزي، كانت كئيبة بما يكفي مما جعل روزي تتبعها نحو خزانتها وقالت لها:

-«أمتأكدة أنكِ بخير؟»

ردت ببرود:

-«أجل، لا تشغلي بالك»

وقفت ترتب كتبها في خزانتها وروزي تراقبها إلى أن مر لاعب كرة السلة رقم 11 عليهما فتوترت جيسو وأخفت وجهها بباب الخزانة، أما روزي فرأته وهو يضع أغراضه في خزانته ثم ذهب لملعب كرة السلة ليكمل تدريباته مع البقية.

بقيت جيسو هناك حزينة تتخفى بالخزانة وروزي تراقبها، كان الطلبة يختفون واحدا تلو الآخر ليعودوا لمنازلهم ولم تبقى سواهما في الرواق، كانت روزي واقفة فحسب حتى رأت جيسو تذرف دمعة من عينها، وكانت هذه الحادثة هي ما فجر غضبها.

توجهت نحو خزانته وأخرجت أغراضه منها وضربتها بالأرض فأسرعت جيسو نحوها وأمسكتها وقالت بصدمة:

-«ماذا تفعلين؟»

-«أري ذلك السافل أنه أزعج الفتاة الخطأ»

-«لكن ما تفعلينه قد يؤدي بكِ للمشاكل»

-«ومن يهتم؟ أكره المغرورين أمثاله»

أخذت الملصقات التي يعلقها ومزقتها ورمتها ثم أخذت دفاتره وشقتها نصفين، ورغم أن هذا ما يستحقه لكن جيسو حاولت منعها وأمسكتها بصعوبة وقالت:

-«أقدر لكِ ما تفعلينه ولكن لا يجب أن ننتقم من أحد بهذه الطريقة، دعينا ننسى الأمر فحسب»

-«إن كان يمكنكِ نسيانه فأنا لن أنسى أبدا طريقته المقززة في الكلام»

ثم حررت نفسها وأخرجت زيه المدرسي من الخزانة ورمته على الأرض ومسحت فيه حذاءها وسكبت عليه علبة حليب كانت بحوزتها، وأخيرا أخذت قلم حبر لا يمحى وكتبت على خزانته "تبا لك يا ابن العاهرة" وكلاما آخر مثل "أيها القرد اللئيم" و "أتمنى أن تصبح أصلعا أو يمتلأ وجهك بالحبوب" و "أيها القذر أنت كالشامبانزي فلا تغتر بوجهك المجعد"

ومرة أخرى حاولت جيسو منعها وأخذ القلم منها ولكنها أخفته خلفها وقالت:

-«أنصحك أن تغادري فلن يكون جيدا أن يراكِ أحد برفقتي»

-«لكنني لا أستطيع المغادرة، أريد مساعدتك وإلا ستقعين في مأزق»

-«من يهتم؟ سيسعدني أن أقع في مأزق بينما ألقن أحدهم درسا»

أخذت القلم لتكمل الكتابة لكن جيسو نغزتها بسرعة ونظرتا للرواق فرأيتا الرقم 11 يقف أمامهما مصدوما بعد الذي رآه.




في مكتب المدير اجتمع الثلاثة وكانت روزي في مأزق كبير، حينها قال المدير:

-«آنسة بارك روزي، لا أصدق ما فعلتِه»

-«بل صدق»

-«يبدو أنكِ لا تبدين أي ندم لفعلتك»

ثم قال رقم 11:

-«لا أفهم ما الداعي لما فعلته هذه الفتاة فلا أعتقد أن هناك أي عداوة شخصية بيننا»

-«حسنا لقد سمعت جانبك من القصة والآن لنرى ما الذي ستقوله روزي»

قالت روزي بهدوء:

-«أجل فعلت كل ذلك ولست نادمة ولن أعتذر منه»

-«كما تعلمين فقد وقعتِ على وثيقة تنص أنكِ ستحترمين القوانين ولن تتنمري أو تزعجي أي طالب وإلا ستطردين»

شهقت جيسو بعد صدمتها من هذا الخبر أما الرقم 11 فقد ابتسم بخبث، حينها قال المدير:

-«سأتصل بوالديك، وأيضا يؤسفني القول أنه سيتم فصلك نهائيا من الثانوية، سنتحدث عن الأمر بينما ننتظر والديك ليأتيا، أما أنتما الاثنان فيمكنكما الانصراف»

فجأة وقفت جيسو من مقعدها وقالت بصراخ:

-«حضرة المدير، أريد الاعتراف بشيء، أنا من خربت خزانته وأغراضه وليس روزي»

تفاجأ الثلاثة من كلامها خاصة روزي، ثم أردفت قائلة:

-«أنا من فعل كل ذلك، لدي دافع، لقد رفضني اليوم ويمكنك سؤال هذين الاثنين»

نغزتها روزي من رجلها وقالت بهمس:

-«ما الذي تفعلينه؟»

ردت الأخرى بهمس أيضا:

-«دعي الأمر لي، فقط اصمتي»

فكر المدير لبعض الوقت ثم قال:

-«هل هو كلام صحيح؟»

قال لاعب كرة السلة:

-«صحيح أنني رفضتها ولكن من خربت خزانتي كانت الفتاة الأخرى، لقد وصلت ووجدتها تكتب بالقلم عليها»

قالت جيسو:

-«غير صحيح، لم تكن تنوي أن تكتب بل كانت ستحذف الكلام السيء الذي كتبتُه وأنت وصلت ورأيتها في ذلك الوضع، هي لا ذنب لها فيما حصل، أما تخريب أغراضك فأنت لم ترى الفاعل بعينك، وها أنا ذا أخبرك أنني الفاعلة وأنني مستعدة لتلقي العقاب الذي أستحقه»

قالت روزي بحدة:

-«هذا غباء، لا يمكنكِ تحمل اللوم هكذا»

-«سيدي المدير، فكر بها منطقيا، أنا من تم رفضي ولدي الدافع لتخريب أغراضه، أما روزي فلا علاقة لها، فقط افعل ما يجب فعله وقف مع الحق ولا تسمع كلامها فهي تكذب لتتحمل اللوم عني»

فكر المدير لبرهة ثم هز رأسه بالإيجاب وقال:

-«حسنا، يبدو أنني سأعاقبك بدلا عنها، سأتصل بوالديك فورا لذا تجهزي لتحمل العواقب، أما أنتما الاثنان فيمكنكما الانصراف»

حدقت روزي بجيسو بصدمة ولم تستطع قول أي شيء حتى لا تجعلها كاذبة أمام المدير، أما جيسو فابتسمت ابتسامة عذبة رغم أن عيونها امتلأت بالدموع، هذا المنظر جعل روزي تشعر بشعور لا يوصف، شعور أن هناك شخصا يساندها ويقف في ظهرها ولن تقلق أبدا ما دام بجانبها، هذا الشعور لم يساورها منذ زمن لذا هي محتارة وضائعة.

عادت روزي للمنزل بمفردها وطوال الطريق كانت تفكر في جيسو وتتساءل ما العقاب الذي تلقته، وفكرت أيضا في تضحيتها الفريدة اليوم والتي أنقذتها من خسارة دراستها.

وسط تفكيرها الشديد دخلت والدتها الغرفة ومعها طبق طعام وقالت:

-«كلي شيئا، لم تأكلي جيدا منذ زمن»

-«لست جائعة»

-«كما توقعت، ماذا لو أتيتِ للأسفل لنتحدث؟»

-«لا أريد»

-«مملة، ليت جيسو أتت بدلا عنك، إنها مسلية، ربما أتصل بها وأطلب منها المجيء»

-«ما يزال رقمها معك؟»

-«أجل»

خطرت على بال روزي فكرة مذهلة ولكن لكي تنفذها فعليها التخلص من برودها وعنادها والاتصال بجيسو بنفسها، فكرت طويلا وطويلا بعد مغادرة والدتها للغرفة وأخيرا حسمت قرارها وركضت للأسفل حيث والدتها تتابع التلفاز في غرفة المعيشة وقالت:

-«أمي، هل يمكنني الحصول على رقم جيسو؟»

-«أنتما صديقتان منذ مدة ومازلتِ لا تملكين رقمها؟»

-«قصة طويلة، أريد الرقم رجاءً»

-«حسنا افتحي هاتفي وستجدينه»


عدل سابقا من قبل بثينة علي في السبت يونيو 24, 2023 1:47 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1السبت يونيو 24, 2023 1:43 pm

رواية لهيب المودة : الفصل الخامس



حملت روزي هاتفها الذي كتب على شاشته رقم جيسو وترددت للحظات لكنها في النهاية ضغطت على زر الاتصال وأجرت المكالمة، ولم تلبث سوى لحظات حتى فتحت جيسو الخط وقالت:

-«ألو! من المتصل؟»

صمتت روزي للحظات ثم استجمعت شتات نفسها وقالت:

-«إنها أنا، هذا رقمي»

-«روزي! لا أصدق أنكِ تتصلين بي بنفسك!»

-«بعد الذي حصل اليوم علي الاتصال بك»

عند سماع ذلك تغيرت نبرة صوت جيسو وصارت مائلة للحشرجة وكأنها على وشك البكاء:

-«روزي، لقد تلقيت الكثير من التوبيخ من والداي وقالا أنهما سيرسلانني للمخيم إن لم أحسن التصرف»

-«وما المشكلة في المخيم؟»

-«لا يمكنني العيش من دون تكنولوجيا لأشهر، كما أنه ممل ومليء بالأطفال»

-«أرى أنه أفضل من الدراسة»

-«ليس كذلك، وأيضا لقد أقسما أنهما إن أخطأت مرة أخرى فسيمنعان عني الهاتف والإنترنت»

صمتت روزي وبقيت تستمع فحسب فلم يكن بيدها قول أي شيء فهي فاشلة في المواساة، وبعد دقائق من الاستماع قالت:

-«لكن لماذا تحملتِ اللوم عني؟ ما كان عليكِ ذلك، انظري للمتاعب التي تعرضتِ لها»

-«لأنني لا أستطيع العيش من دونك، قولي أنني غبية، أو سخيفة، أو درامية جدا، لكنني حقا من النوع الذي يتعلق بالأصدقاء أكثر من أي شيء آخر في الحياة، وعندما سمعت أنه سيتم طردك ولن أراكِ مجددا شعرت بالقهر والوحدة، ربما صداقتنا قصيرة ولكنني أشعر أنني أعرفك منذ سنوات، حقا لا أستطيع تركك تذهبين بعيدا فالدراسة مملة بدونك، خاصة بعدما فعلتِه اليوم لأجلي، أشعر حقا أنني محظوظة بشخص يساندني وينتقم لي»

انتفض قلب روزي من هذا الكلام الجميل ورغم ذلك لم تستطع قول أي شيء لذا اكتفت بالصمت فحسب وبقيت تسمع صوت أنفاس جيسو التي كادت تدخل في حالة هستيرية من البكاء، بعد مدة قالت:

-«علي إغلاق الخط الآن»

-«تصبحين على خير روزي، وشكرا لاتصالك، حقا يعني لي ذلك الكثير»

-«وأنتِ من أهله»

نزلت روزي للطابق السفلي فوجدت والدتها جالسة على الأريكة فقالت الأم:

-«روزي، تعالي»

جلست بجانبها فأخذت من الدرج تذكرتين لفيلم سينيمائي سيعرص في عطلة نهاية الأسبوع وقالت:

-«هل تريدين مرافقتي لمشاهدة فيلم كوميدي؟»

-«الكوميديا مقرفة، لا أريد»

-«أوه تبا! ماذا سأفعل بهذه التذاكر إذًا فأنا لا أحب الأفلام الكوميدية»

-«ولماذا اشتريتها إذًا؟»

-«تم إعطاؤها لي في العمل مجانا لكي أذهب مع زوجي، لكن تعلمين أن علاقتي بوالدك سيئة جدا، الآن لا أدري ماذا أفعل بها»

-«قومي برميها»

-«مهلا، يمكنكِ إعطاؤها لأحد رفاقك في الثانوية»

-«لا أعرف أحدا هناك»

-«لا يهم، أعطها لشخص عشوائي من صفك وانتهى»

-«حسنا، إذا كنتِ مصرة»

أخذت التذاكر وعادت لغرفتها ثم استلقت على سريرها تفكر بجيسو وهي تتمتم:

-«جيسو ليست بخير، ربما يمكنني أخذها معي للسينيما، لكنه برنامج كوميدي وأنا أكره الكوميديا فماذا أفعل؟»


في يوم الغد ذهبت للثانوية وجلست تحت الشجرة التي تجلس تحتها دوما لتكتب روايتها، لكن هذه المرة جيسو لم تأتِ باكرا كالمعتاد، صعدت للبحث عنها في الصف فوجدتها نائمة على طاولتها وعندما اقتربت منها وحركت الكرسي لتجلس عليه استيقظت جيسو وفركت عينيها بكسل وقالت بابتسامة متصنعة:

-«صباح الخير، كيف حالك؟»

-«بخير»

-«واجهت مشاكل في النوم بالأمس لذا أنا الآن نائمة»

-«لا يهم، لا حاجة للتبرير»

كانت ستطلب منها الذهاب معها للسينيما لكنها شعرت بالتوتر والخجل وتراجعت فورا.

بعد بدء الدرس نظرت روزي لجيسو فلاحظت أنها تغط في النوم من حين لآخر فهي في غاية التعب وهذا أقلقها للغاية، لحسن الحظ أن الأستاذ منهمك بشرح الدرس ولم ينتبه لها وإلا كانت تعرضت للتوبيخ والمشاكل مع المدير مجددا.

بعد انتهاء اليوم جمعت روزي أغراضها ونظرت مجددا لجيسو فوجدتها تغط في نوم عميق، نظرت لمحفظتها فرأت التذاكر وكان عليها فعل شيء قبل أن يضيع اليوم ولا تستطيع دعوتها للسينيما، تقدمت منها ومدت يدها لتوقظها لكنها تراجعت ووضعت محفظتها على ظهرها وتوجهت نحو الباب.

فجأة عادت للخلف نحوها ثم وضعت التذكرة على طاولتها وغادرت بسرعة بينما هي نائمة، لم يكن هناك حل آخر فمن المحرج طلب الخروج وجها لوجه كون روزي انطوائية جدا.

بعد عودتها للمنزل شعرت بالقلق من أن ترفص جيسو الدعوة ولا تأتي أو أن لا تنتبه على التذكرة أصلا أو تظن أن أحدهم ضيعها وتتركها مكانها، لكنها تفاجأت حين رأت رقمها على شاشة هاتفها وهذا يعني أنها عرفت بالأمر.

فتحت روزي الخط وبقيت صامتة بينما صرخت جيسو بكل حماس:

-«احزري ماذا؟ لقد تمت دعوتي لموعد غرامي، أنا سعيدة ههههه هناك معجب سري ترك لي تذكرة فيلم على طاولتي، ما رأيك؟ من يكون يا ترى وهل هو من صفنا؟»

صمتت روزي وشعرت بالخيبة ولم تستطع إخبارها الحقيقة فيبدو أنها متحمسة للغاية، وأردفت جيسو قائلة:

-«أظن أنه شخص رومنسي جدا ليبهرني بهذه الطريقة ههههه، ما رأيك؟»

-«وأنا ما أدراني؟»

-«أيعقل أنه لاعب كرة السلة وقد عاد معتذرا؟ ههههه أشعر بالحماس هههه»

صرخت روزي بحدة:

-«كفى أحلام يقظة، مستحيل أن يكون هو»

تفاجأت جيسو ورغم ذلك لم تسمح أن يتنكس مزاجها فقالت:

-«ربما هو شخص أفضل منه، بالتأكيد هو كذلك، لاعب كرة السلة ذاك شخص سافل ولن أنتظر دعوته أبدا، لو كلمني مجددا سأشتمه»

-«خير ما تفعلينه»

-«أتساءل هل هو شخص وسيم؟ أم قبيح؟ طويل أم قصير؟ أسمر أم أبيض؟ يحب الموضة أم ملابسه بسيطة ورياضية؟»

-«لا أعلم»

-«علي أن أذهب وأبحث في خزانتي عن شيء مناسب لذاك الموعد ههههه، سأخبرك بالتفاصيل بعد عودتي، وداعا، أحبك»

أرسلت لها قبلة ثم أغلقت الخط فتنهدت روزي بقلة حيلة وقالت:

-«على الأقل لم تعرف أنها أنا، وجيد أنها خرجت من الكآبة»

في يوم الموعد وقفت جيسو عند السينيما وهي ترتدي فستانا جميلا وتبتسم بحماس منتظرة معجبها السري المجهول، وقفت طويلا وكان الجو شبه بارد فصار لون أنفها أحمر.

بعد أن بدأ العرض حضرت روزي تسير ببرود متجهة نحوها وعندما رأتها جيسو تفاجأت ثم ابتسمت:

-«روزي! ماذا تفعلين هنا؟»

-«أتيت لمشاهدة الفيلم، والدتي تعمل في هذه السينيما وتحصل على تذاكر مجانية فأعطتني واحدة»

-«يااه يالها من صدقة أن نلتقي في نفس المكان! من الرائع أن تأتي لكي تري معجبي السري»

-«أين هو؟»

تغيرت ملامح جيسو للحزن وقالت:

-«يبدو أنه لن يأتِ»

ثم ابتسمت وقالت:

-«من يهتم، بما أنكِ هنا فتعالي لنشاهد الفيلم مع بعضنا، ولن أترككِ تتهربين مني كالعادة ههههه، سنشاهده معا يعني سنشاهده»

سحبتها بسرعة وذهبتا لقاعة العرض بعد أن اشترت جيسو علبة كبيرة من الفوشار، وبمرور الوقت بدأ العرض وكانت هذه الأخيرة سعيدة ومستمتعة وتضحك من أعماق قلبها على المواقف السخيفة التي تحصل في الفيلم، ومن حين لآخر تنغز روزي وتضربها على كتفها والأخرى لا تستجيب ولا تهتم فهي هناك غصبا عن إرادتها، ومع مرور الوقت ومع مشاهدة جيسو تتحسن ابتسمت روزي للحظات ولأول مرة منذ عدة أشهر.

خرجتا من دار السينيما وجيسو سعيدة وبينما تسيران قالت:

-«ياله من فيلم رائع! شكرا جزيلا للشخص الذي أهداني التذكرة، سأدعو له من أعماق قلبي بأن يعيش السعادة الأبدية مثلما أسعدني، حتى ولو لم يكن معجبا سريا فأيًا من كان أنا ممتنة له»

توقفت روزي عن السير وحدقت بالأرض بشرود وقالت:

-«السعادة الأبدية؟ ماذا تكون يا ترى؟ هل هي نوع من النباتات؟»

انفجرت جيسو من الضحك حتى صارت عيناها تدمعان، وما كادت تلتقط أنفاسها حتى قالت:

-«روزي! لم أعلم أنكِ فكاهية هكذا ههههههه، فعلا نظرتك تشاؤمية للحياة، لكن لماذا تظنين أنه لا وجود لسعادة أبدية؟»

-«ما دمنا وسط بشر حقراء فلا شك أنه لا وجود لها»

-«بلى هناك، السعادة لا تكتمل لو لم نكن وسط الذين نحبهم، أصدقاؤنا، أهلنا، أقاربنا، كل هؤلاء جزء من سعادتنا»

-«لكن أرى أن سعادتي تكمن في نفسي فقط، هؤلاء البشر والعلاقات التي تربطنا بهم مجرد سخافة»

-«ترى ما الذي أوصلكِ لقول هذا الكلام؟ وما الشيء الذي قادكِ للغياب أسبوعا كاملا والكذب على إدارة الثانوية؟»

انصدمت روزي مما سمعته وانزعجت لأن جيسو تحاول التدخل في خصوصياتها وربما بحثت وعرفت أنها حاولت الانتحار، هذا أصابها بالارتباك فاستدارت وغادرت مسرعة دون قول أي شيء.

بعد انقضاء عطلة نهاية الأسبوع ذهبت روزي للثانوية وجلست مكانها فرأت بجانبها جيسو تلوح لها وتبتسم فأولت رأسها للأمام متجاهلة إياها فقالت جيسو:

-«آسفة لأنني تدخلت في خصوصياتك، لن أسألكِ عن مواضيع حساسة بعد الآن»

-«خير ما تفعلينه»

-«مازلت منزعجة نوعا ما لأن معحبي السري الذي ترك لي التذكرة على الطاولة لم يحضر الفيلم، كنت متشوقة لرؤيته»

-«لا تتشوقي كثيرا فيبدو أنه شخص لا يحترم مواعيده»

-«وماذا لو كان خجولا فحسب؟»

-«الخجل طبع الفتيات»

-«معكِ حق، لا تفسير لعدم مجيئه»

في استراحة الغداء جمعت الفتاتان أغراضهما لتغادرا فتقدم منهما تشانغ مين ووقف بثقة وقال:

-«آنسة جيسو، أود قول شيء»

-«هههه ستغازل روزي مجددا دون أدنى شك، لكن تفضل لن أمنعك»

-«غير صحيح، اليوم أتيت لأجلك أنتِ»

-«هههه أنا؟ ما الذي جعلك تغير من روزي نحوي فجأة؟!»

-«آسف لتأخري بالأمس عن مشاهدة الفيلم معك، واجهني ظرف طارئ وحين وصلت وجدتكِ قد غادرتِ ولم أستطع الاعتراف لكِ بالأمر»

انصدمت جيسو من سماع ذلك لكن روزي انصدمت أكثر، ثم قالت جيسو:

-«أنت من تركت لي التذكرة؟»

-«بلى، ومستعد لقول كل شيء لك، هل تريدين أن نتناول الغداء معا؟»

نظرت لروزي المصدومة منتظرة منها أن تقول شيئا لكن يبدو أنها فقدت القدرة على النطق بسبب الصدمة، كانت تريد إخبارها أنها كذبة ولكن في هذه الحالة ستكشف نفسها، ثم قالت جيسو:

-«روزي، تريدين أن نتناول الطعام معا أليس كذلك؟»

لم تجبها روزي فاعتبرت أنها رفض منها، ورغم ذلك لم تقبل دعوته وقالت:

-«آسفة تشانغ مين، صديقتي وحيدة نوعا ما ولا يمكنني تركها، ربما ستكون لنا فرصة أخرى للكلام»

-«كما تريدين عزيزتي جيسو، سأكون في انتظارك»

بقيت روزي صامتة من الصدمة حتى حين كانتا تتناولان الطعام في قاعة الإطعام، حينها نغزتها جيسو وقالت:

-«شرودك هذا لا يعجبني»

-«جيسو، هل سترتبطين بذلك المتنمر المغفل؟»

-«لم أقل شيئا بعد، لكن طريقته في طلبي للموعد كانت رومنسية»

-«لقد كان يغازلني»

-«لا أعلم، ربما غير رأيه وأعجب بي حقا»

-«لا تكوني سخيفة، ذاك النوع من الشباب نيته سيئة، وأيضا ليس هو من أرسل التذكرة»

-«وما أدراك؟ هل تعرفين من أرسلها؟»

توترت روزي وصمتت ثم حاولت تصحيح الوضع قائلة:

-«ربما ليس هو، أعني هل يبدو ذاك الشخص كما لو أنه مهتم للمواعيد الرومنسية؟ كل ما يهمه الغرور والتنمر والتباهي في الأرجاء، لا أظنه مهتما بأي شيء»

-«هذه وجهة نظر، أقدر خوفكِ علي ولكنه وسيم»

-«وهل الوسامة مهمة؟»

-«إضافة لشخصيته الرائعة بلى كل شيء فيه مهم، لقد سئمت الوحدة يا روزي، ربما حان الوقت لأحظى بعلاقة حب رومنسية حقيقية، أنا فتاة كما تعلمين ولدي مشاعر، أشكر اهتمامك لكن أظن أنني سأوافق عليه»

-«جيسو أنا أحذرك، الرجال مخادعون»

-«في حال اكتشفت أنه مخادع سأتركه، أعدكِ بذلك»

حملت طبق طعامها الذي لم تنهه بعد وغادرت بينما روزي غاضبة وقلقة، كانت تتخبط من الألم من الداخل لأنها لا تستطيع كشف الحقيقة بأكملها، والآن ربما تخسر صديقتها الوحيدة بسبب موقفها الرافض.

تجولت في أنحاء الثانوية وحيدة تحدق بالناس وهي شاردة، كانت تائهة تماما ومعلقة بين قرارين حاسمين، إما أن تتخلى عن كبريائها أو تتخلى عن صديقتها الوحيدة للأبد، وصلت لأحد الأماكن بقرب ماكينة القهوة فجاءت المرشدة التربوية ووقفت بجانبها تشرب من قهوتها الساخنة، نظرتا لبعضهما ثم نظرت روزي للبطاقة المعلقة على سترتها فعرفت أنها من طاقم الإرشاد وقالت:

-«حضرة المرشدة، مرحبا أدعى بارك روزي»

-«أهلا روزي»

-«هل تعملين الآن؟»

-«إنه موعد الغداء لذا لا»

-«أوه! آسفة لإزعاجك إذًا»

-«لا بأس، أشعر بالملل لذا يمكننا الكلام، هل تحتاجين مساعدة؟»

-«أظن أنني محتارة، هناك أمر يشغل بالي، هناك حقيقة أعرفها وإن أخبرت شخصا ما بها قد أكشف له الكثير من الأمور التي لا يعرفها»

-«سر خطير؟»

-«ليس تماما، هو خطير فقط بالنسبة لي، أما بالنسبة له فسيكون سعيدا بسماعه، أو ربما مصدوما، لا أعرف»

-«وماذا سيحصل لو تكلمتِ؟»

-«سأخسر كبريائي، ربما سيسخر مني ذلك الشخص، حينها لن أستطيع رفع رأسي أمامه»

-«وهل الكبرياء مهم حين يتعلق الأمر بأشخاص نحبهم؟»

-«مهلا! أنا لا أحبها»

-«لا تحبينها ها؟ هههههه حسنا سأتظاهر أنني صدقت الأمر، أنتِ لا تحبينها ورغم ذلك قلقة عليها للغاية ومحتارة بين الإطاحة بكبريائك أمامها وبين تركها مخدوعة»

توترت روزي وصارت تفرك مؤخرة رأسها ثم تلعثمت وهي تقول:

-«نحن فقط...تربطنا...علاقة مصلحة»

-«هههههه أجل أرى ذلك، لهذا أنتِ قلقة عليها للغاية»

لم تستطع روزي مواصلة النقاش فاعتذرت من المرشدة وغادرت وبقيت طوال سيرها في الطريق تفكر بما قالته لها المرشدة، توقفت فجأة عن السير وتمتمت بينما تحدث نفسها:

-«أحبها؟ هل يعقل أنني أحبها؟ مستحيل، لم يمر سوى أربع أشهر على آخر مرة أحببت فيها صديقة عن حق وحقيقة ورغم ذلك آذتني، فلماذا قد يستطيع قلبي أن يحب جيسو حقا كما لو أن لا شيء حصل؟»

بعد أن تذكرت ابتسامة جيسو ومعاناتها اللطيفة معها رغم صدها لها أحست بالدفء في داخلها، وحين تذكرت أيضا أن جيسو تأذت من كلام لاعب كرة السلة ذاك شعرت بالحزن وتخيلت أنها ستشعر بذلك مجددا.

نظرت جانبا فرأت تشانغ مين عند أحد الصفوف واقفا بينما جيسو متكئة على الحائط وهما يتحدثان، بعدها حاصرها للحائط واقترب من وجهها وفي تلك اللحظة وقفت روزي عاجزة تحدق بهما وهي تعلم أن صديقتها ستُخدع وتبكي مرة ثانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1السبت يونيو 24, 2023 1:45 pm

رواية لهيب المودة : الفصل السادس



وقف تشانغ مين بمحاذات جيسو ونظر كل منهما في عيني الأخر فابتسمت له، وقال لها:

-«أظن أنني وجدت فتاة أحلامي أخيرا، إنها أنتِ»

-«أنا؟ أليس الوقت مبكرا للكلام عن ذلك؟»

-«أبدا، أنا صريح للغاية وأحب قول ما بخاطري مباشرة، وأنا أقول أنني لن أندم على تقربي منك»

-«شكرا لكلامك اللطيف ولكن في العادة نحن الفتيات نكره هذا النوع من الغزل في بداية العلاقة، نشعر وكأنه إشارة بأن الطرف الآخر يتلاعب بنا»

-«أوه عزيزتي جيسو! كيف تقولين ذلك عني؟ ألا تثقين بي؟»

-«وأيضا الكلام المبكر عن الثقة يسبب لنا الشك لذا لا تتكلم عنها الآن، لنعطِ بعضنا بعض الوقت وحينها سنتحدث عن الثقة وما شابه ذلك»

-«حسنا فهمت قصدك عزيزتي جيسو، لن أناقش في الأمر كثيرا ولن أتكلم عن الثقة الآن، المهم أن ترضى أميرتي الجميلة و...»

مد يديه نحوها وأمسك يدها وفجأة ظهرت روزي من العدم وأبعدت يده عنها وصرخت بحدة:

-«أبعد يديك عنها، ما الذي تظن نفسك فاعلا؟»

-«أنتِ مجددا؟ يالك من مزعجة، ماذا تريدين الآن؟»

-«أريد الاعتراف بشيء، لكن قبل ذلك أخبرني هل حقا أنت من دعى جيسو للسينيما؟»

-«طبعا، هل لديكِ أدنى شك في ذلك؟»

-«بل لدي كل الشك، بل ومتأكدة أنه ليس أنت»

-«هههه كيف تتهمينني بأمر هكذا دون دليل؟»

-«لدي دليل»

-«حسنا أتحفينا»

-«لو كنت أنت حقا من قام بدعوة جيسو فما هو اسم الفيلم الذي دعوتها عليه وما نوعه؟»

توتر تشانغ مين وتلعثم في الكلام ولم يدري ما يفعل فصار يحاول التهرب بأي طريقة:

-«وأنتِ ما همك بهذا الأمر الغبي؟ وما علاقتك بالموضوع؟»

-«لأنني أنا من أعطيتها التذكرة وكنت أعرف بكذبك منذ البداية ولا يمكنني إخفاء الموضوع أكثر، هيا قل ما نوع الفيلم»

كان متوترا للغاية فنظر لجيسو التي تبدو هادئة فقالت له:

-«هيا تكلم، أعطني دليلا واحدا على صحة كلامك»

-«نوعه...هو...رومانسي؟»

-«خطأ»

نظر لهما وكانتا ستأكلانه بنظراتهما فاستسلم وابتعد عنهما وهو يقول بسخرية:

-«نعم صحيح لست من أرسل التذكرة ولا أعرف شيئا عن هذا الموضوع لكن بالصدفة سمعتكما اليوم في الصف تتحدثان عنه فقررت التلاعب بكما لأنني متنمر حقير، ماذا توقعتما؟ أنني حقا قد أقع في حب أي فتاة؟ هههه أنتما سخيفتان»

توارى عن الأنظار فنظرت روزي لجيسو ولاحظت أن عيناها غرقتا بالدموع فقالت:

-«أوه هيا! لا تكوني سخيفة، علاقتكما لم تدم سوى عدة ساعات فلماذا ستبكين لأجله؟»

-«أنا لا أبكي لأجله، بل أبكي لحقيقة أنكِ أنتِ من أرسلتِ التذكرة»

شعرت روزي بالخجل فاستدارت للجهة الأخرى بينما أردفت جيسو:

-«رغم شخصيتك الانطوائية لقد أرسلتِ لي التذكرة عندما عرفتِ أنني لست بخير، لقد رفهتِ عني وجعلتني أشعر بتحسن دون أن تعترفي بأنكِ ترغبين بذلك، ورغم أن الاعتراف بالحقيقة محرج لك لكنكِ فعلتِ ذلك لحمايتي، لا أعلم كيف أشكرك»

عانقتها بحرارة فانتفظت روزي بقوة وتجمدت مكانها فورا، كان صعبا عليها أن تكون مقربة من أي شخص لذا شعرت بعدم الارتياح، ورغم ذلك لم تبعد جيسو عنها بل تركتها تبكي وتريح قلبها.

بينما تسيران نحو الصف قالت جيسو:

-«ذلك الفتى، لم أواعده لانني معجبة به بل لأنني أردت الانتقام من لاعب كرة السلة، فكرت أننا إن تواعدنا هنا فسيرانا ويشعر بالندم ويركض خلفي وسأرفضه في المقابل، لكن يبدو أن الأمور سارت في منحى مختلف»

-«آسفة إذًا لأنني أفسدت الأمر»

-«لا بالعكس، سعدت جدا لأنكِ أفسدتِ الأمر فلولا ذلك لكنت مخدوعة بأكاذيب تشانغ مين، وأيضا قد أدركت أنني مهمة بالنسبة إليك»

صمتت روزي وحدقت بصديقتها لبعض الوقت وكانت تبتسم بلطف شديد، بعدها أردفت جيسو:

-«بما أنكِ رفهتِ عني وجعلتني أشعر بتحسن فأسفعل لكِ المثل لأنكِ انطوائية، سأخرج في عطلة نهاية الأسبوع مع صديقاتي لذا فلتذهبي معنا»

-«لا أريد»

-«أوه هيا! سنستمتع كثيرا، بالعادة هذه المواعيد التي نخرج إليها تكون مريحة للغاية وتغير المزاج»

-«وأين سنذهب؟»

-«أماكن مختلفة»

-«لا شكرا، لا أريد»

-«هل لديكِ ما تفعلينه في عطلة نهاية الأسبوع؟»

-«لا، سأجلس في غرفتي وأستمع للأغاني عبر السماعة وأنام فحسب»

-«هههه لا لا لا لن أسمح لك، ستذهبين غصبا»

-«لن يتغير رأيي مهما حصل»

في آخر يوم من الأسبوع رن جرس الساعة الرابعة مساءً فتجهزت جيسو بكل حماس ونظرت للباب فرأت صديقتيها قد أتيتا واسمهما هو "زوي" و "وونيونغ"

قالت وونيونغ بحماس:

-«أمستعدة للجولة الرائعة جيسو؟»

-«أكيد ههههه»

نظرت للخلف فرأت روزي تغادر وقبل أن تبلغ باب القاعة أمسكتها من محفظتها وقالت:

-«لن تهربي مني، إما أن تأتي معي أو سأمسك بكِ طوال اليوم هكذا»

تنهدت روزي بقلة حيلة ثم رافقتهم مرغمة على ذلك، وجهتهم الأولى كانت المجمع التجاري وقد بدأن من قسم الملابس الفخمة فصارت جيسو وصديقتها تغيرن ملابسهما وتلتقطن الصور بها لوضعها في صفحة الإنستغرام ثم تعدنها لمكانها دون شرائها، هكذا يظن الجميع أن لديهن ملابس فاخرة كثيرة.

لم تكن روزي مهتمة بالأمر أساسا فبقيت تحدق ببرود فحسب وترى الناس يستمتعون.

ثانيا ذهبن لقسم ملابس التخفيضات وأخذن بعض الملابس لهن إلا روزي، وبينما تراقبهن وهن يستمتعن ويضحكن شعرت بالانزعاج لأن جيسو لا تحدثها كثيرا ولا تعطيها الاهتمام المعتاد، هذا نوع من الغيرة لأنها أصبحت ترى جيسو كصديقة وحيدة لها.

ثالثا ذهبن نحو قاعة البولينغ وهذه المرة تم تقسيمهن لقسمين فريق فيه جيسو ووونيونغ والفريق الآخر فيه روزي وزوي.

انزعجت روزي من حقيقة أن صديقتها اختارت وونيونغ في فريقها لذا زادت غيرتها أكثر وشعرت بعدم الراحة.

رمت جيسو أول كرة فأصابت الأوتاد جميعها وأسقطتها فصارت تقفز من الفرح وعانقت صديقتها وونيونغ، أما روزي فحين نظرت لذلك المنظر غضبت وضغطت على قبضتها بقوة وكانت ستغادر لكن هذا سيجعلها تقع في موقف محرج، بعد لحظات قالت جيسو:

-«روزي، دورك»

مع غضب روزي الشديد حملت الكرة وركضت بسرعة ورمتها بقوة فضربت جميع الأوتاد وأسقطتها بعنف، فقالت زوي بحماس:

-«أحسنتِ روزي، محترفة حقا، لن أندم لأنني معك في نفس الفريق»

استدارت روزي مغادرة بينما تقول:

-«ها قد استمتعنا ولعبنا، سأغادر»

صرخت عليها جيسو من الخلف:

-«لكن الوقت ما يزال مبكرا»

-«من يهتم»

-«حسنا توخي الحذر عند العودة»

عندما سمعت ذلك استدارت بعد أن شعرت بعدم اكتراث جيسو لها، رأتها وهي تعود للعب بشكل طبيعي كما لو أن لا شيء حصل فأدركت أنها كانت غبية حين ظنت جيسو صديقة حقيقية لا تتخلى عنها أبدا، لكن ها هي ذا تتعامل معها بكل برود.

عند انقضاء عطلة نهاية الأسبوع ذهبت روزي للثانوية وجلست تحت الشجرة التي اعتادت الجلوس تحتها بينما تضم ساقيها نحوها وتطأطئ رأسها واضعة إياه في حضنها، لم تستغرق جيسو وقتا طويلا للبحث عنها حتى وجدتها هناك فذهبت إليها بحماس وقالت:

-«صباح الخير، كالعادة أنتِ هنا، ماذا تفعلين؟»

لم ترد الأخرى عليها ولم ترفع رأسها فأردفت:

-«ما الأمر؟ هل أنتِ غاضبة مني؟»

صمتت روزي لفترة ثم قالت بهدوء وصوت مهزوز:

-«أريد أن أعرف الحقيقة، ماذا أكون بالنسبة لك؟»

تفاجأت جيسو ورمشت بعينيها ثم قالت:

-«ما هذا السؤال؟»

-«فقط أجيبي دون لف أو دوران، لنضع النقاط على الحروف ونحسم الأمر هنا، لا أريد أن أكون محتارة بعد اليوم»

-«روزي!»

انحنت لتجلس بجانبها ورفعت رأسها فرأت وجهها مغطى بالدموع فقالت:

-«روزي! أنتِ تبكين! لم أراكِ أبدا تظهرين أي مشاعر غير البرود طوال هذه الفترة، لكن لماذا تبكين؟»

حاولت روزي الكلام رغم صوتها المهتز وحشرجتها:

-«طوال هذه الثلاث أيام كنت أفكر كثيرا في أنني أقع في نفس الخطأ مجددا، لذا أخبريني ماذا أكون بالنسبة لك»

-«أي خطأ؟»

-«أجيبي، رجاءً»

-«أنتِ صديقة مقربة للغاية»

-«لكن لماذا تركتني أعود للمنزل ذاك اليوم دون أي جدال؟ هذه ليست من عاداتك»

-«بدوتِ كئيبة للغاية لذا ظننت أنني سببت لكِ الإزعاج فتركتكِ تذهبين»

-«إزعاج؟ لكنكِ بدوتِ غير مهتمة لأمري، بدا لي أن صديقاتك أهم مني»

-«لا حقا ليسوا أهم منك، أحبكم بنفس القدر جميعا»

-«هذا هو الفرق بيني وبينك، تريدين أن تحبيني بنفس القدر مع البقية أما أنا فلا أريد أن أحب شخصا كما أحبك»

تأثرت جيسو وتفاجأت في نفس الوقت فليس من عادات روزي التكلم بهذا الكم من العاطفية، ورغم ذلك واصلت روزي الكلام والإفصاح عن ما بداخلها لأنها تعبت من الصمت:

-«في تلك المرات التي حاولت صدك فيها كنت أتوسل في داخلي أن لا تتركيني، كنت وحيدة، ورغم أنني اتظاهر بالعكس لكنني أردت دوما شخصا يفضلني عن البقية ويتمسك بي مهما أبعدته، أردت أن أتأكد أنه يحبني لدرجة التمسك بي»

-«حقا؟! لم أعلم ذلك، هذا يعني أنكِ كنتِ تختبرين صبري!»

-«لكن حين فعلتِ بي ما فعلته ذلك اليوم لأجل صديقاتك شعرت بالضياع، أتمنى أن تعطيني تفسيرا منطقيا يريحني لكي لا أظن بكِ السوء بعد الآن،لست من النوع الذي يثق بسهولة لكن حين أثق أعطي كل ما لدي»

-«أوه روزي! تبين حقا أنكِ مليئة بالمشاعر»

عانقتها بحرارة وربتت على ظهرها فصارت الأخرى تشهق، ثم قالت جيسو بصوت هادئ ولطيف:

-«لطالما أردت شخصا يعتبرني فوق الجميع لكن ظننت أنكِ لا تهتمين لأمري، أنا حقا فخورة بنفسي لأنني أستطيع جعل شخص ما يحبني لهذه الدرجة، لو أردتِ أن أكون صديقتكِ المقربة الوحيدة فسأفعل، لكن بالمقابل عليكِ أن تعامليني جيدا»

-«أنتِ لئيمة»

-«ههههه أعرف، وآسفة لو جعلتكِ تشعرين أن صديقاتي مهمات لي أكثر منك»

-«ما كان عليكِ إجباري على الخروج مع صديقاتك»

-«ممممم حسنا، سأعوضك»

ابتعدت عنها ونظرتا لبعضهما وابتسمتا، ثم قالت جيسو:

-«لنهرب من الثانوية»

-«أمجنونة أنتِ؟»

-«نعم مجنونة ألا تعرفين؟ هناك مكان أحب الذهاب إليه لكنه بعيد نوعا ما ولن يكفينا الوقت إلا إذا هربنا من الثانوية»

-«هذا جنون»

-«الجنون اختصاصي، لنذهب»

شدتها من ذراعها لكن روزي توقفت فجأة ونظرت لها وقالت:

-«لا داعي لسحبي، سأذهب معكِ لأي مكان تريدينه»

ثم ابتسمت وأمسكت يدها بنفسها فقالت جيسو بسعادة:

-«رائع! لنذهب»

هربتا من الثانوية ولأنه ليس معهما مال لركوب سيارة أجرة أخذتها جيسو لمحطة قطارات خاصة بنقل البضائع التجارية فقالت روزي:

-«هذا مكان مخيف، ماذا سنفعل هنا؟»

-«نعثر على وسيلة نقل مجانية»

-«مجنونة!»

-«ههههه قلت لكِ أجل أنا كذلك»

أمسكت يدها وأخذتها نحو أحد القطارات وتخفيتا بينما العمال مشغولون ثم ركبتا إحدى المقطورات واختبأتا خلف صناديق البضاعة حتى انطلق القطار.

بعد أن أحستا بحركة القطار فتحت جيسو باب المقطورة ونظرت للخارج وابتسمت بينما الهواء يلعب بشعرها وقالت:

-«المنظر جميل حقا»

فعلت روزي نفس الشيء وشعرت بنسيم الهواء البارد المتدفق فابتسمت تلقائيا، جلستا معا على حافة المقطورة ورجلاهما تتدليان في الهواء ثم قالت جيسو:

-«قلتِ أنكِ تريدين أن تكوني صديقتي المفضلة والوحيدة أليس كذلك؟»

-«بلى»

-«أتعرفين ما يفعله الأصدقاء المقربون؟ يفتحون قلوبهم لبعض»

تفاجأت روزي ولم ترتح للفكرة لكن جيسو معها حق، حان الوقت لتصبح صداقتهما حقيقية أكثر، قالت روزي:

-«ما الذي تريدينه؟»

-«لنعترف لبعضنا بكل الأسرار العميقة التي نخفيها»

-«هذا صعب»

-«صعب لكن غير مستحيل، لنفعلها عزيزتي»

تنهدت روزي بعمق وقالت بعد تفكير عميق:

-«بما أنني أكثر الشخصيات غموضا هنا فسأبدأ أولا السبب في أنني لا أؤمن بالصداقة ولا بالحب هو أنني تعرضت للخيانة من أعز صديقاتي وحبيبي السابق»

-«ماذا؟! الاثنان معا؟»

-«أجل، والحالة التي أنا فيها الآن من اكتئاب وبرود كانت بسببهما»

-«حقا؟! أخبريني أكثر»

-«أمسكتهما معا فقررت الانتقام منهما لذا تنمرت عليهما، جرحي كان كبيرا لدرجة أنني لم أبالي بطردي من الثانوية، واصلت التنمر عليهما وإيذاءهما لأيام طويلة رغم تحذير المدير المستمر لي، وفي النهاية تم طردي وها أنا ذا هنا»

-«عرفت ذلك، شخص بلطفك مستحيل أن يؤذي أحدا دون سبب، وماذا فعلا بعد تنمرك عليهما؟ هل اعتذرا منك؟»

-«أبدا، واصلا علاقتهما كأن لا شيء حصل، حتى مع تنمري الشديد عليهما فهما لم يقولا شيئا لأنهما يعرفان خطأهما بحقي، لقد تركا الأمر للمدير فهما يوقنان أنه سيتم طردي يوما ما ويرتاحان مني»

-«خبيثان حقا، آسفة لأجلك لأنكِ تقابلين هذه الأشكال في حياتك، أتمنى لو أنكِ لم تقابليهما أبدا»

-«بالتفكير في الأمر أعتقد أنني سعيدة بمقابلتهما»

-«كيف ذلك؟»

-«لو لم يقوما بخيانتي لبقيت طوال حياتي روزي الغبية التي تثق بأي كان، ولولا خيانتهما أيضا لما خضت هذه التجارب وتعرفت على إنسانة مثلك»

نظرتا لبعضهما وابتسمت جيسو لها وقالت:

-«ولولاهما لما سمعت كلاما لطيفا كهذا طوال حياتي، أظن أنني مدينة لهما أيضا»

-«دورك»

-«حسنا، سأعترف بشيء، أتعلمين لماذا حاولت مصادقتك منذ أول يوم لكِ في الصف؟ ولماذا تمسكت بكِ بقوة؟»

-«أخبريني»

-«حين كنت في الصف الثالث إعدادي انتقلت عائلتي لهذه المدينة، كنت انطوائية ومملة لذا لم يهتم أحد أبدا بمصادقتي، كنت يوميا أعاني الوحدة وأتمنى أن يأتي شخص ويكلمني ولو لخمس دقائق، لكن هدوئي يخيفهم فيبقون بعيدين»

ثم وضعت يدها على صدرها وقالت بحزن:

-«لا أحد يفهم مشاعر الشخص الذي ينتقل لبيئة جديدة أبدا غير الذي عاش نفس التجربة، منذ ذلك الحين عانيت لأصبح شخصا اجتماعيا وتخليت عن خوفي وصرت أرمي نفسي على الناس دون تفكير أو خجل،حاولت أن أكون ممتعة قدر الإمكان ورغم أنه كان صعبا ويستنزف طاقتي لكنني أتقنته»

-«هذا يفسر كيف تستطيعين اختلاق الأحاديث بطريقة ذكية، يبدو أنها خبرة السنين»

-«فكرت أنكِ تعانين نفس الشيء فرفضت تركك وحيدة، أو لنقل أردت البقاء معكِ مؤقتا حتى تزول عنك الانطوائية وتجدي صديقا أو اثنين»

-«لكن بعد كل ما حصل مازلتِ تريدين أن تكوني صديقتي صحيح؟»

-«طبعا، الآن قررت البقاء معكِ قدر الإمكان، أعدك أن أبذل كل جهدي للبقاء بجانبك وأجعلكِ صديقتي الوحيدة والمفضلة ولن أتخلى عنكِ مهما حصل»
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الأربعاء يوليو 05, 2023 7:47 pm

رواية لهيب المودة : الفصل السابع

انطلق القطار عبر الغابات والمساحات الخضراءوهذا دليل على أنه خرج من المدينة، وبينما روزي وجيسو تراقبان المنظر شعرت روزي بالقلق وقالت:

اما يزال الطريق بعيدا؟ يبدو أننا سنستغرق وقتا طويلا، كما أن خروجنا من المدينة أمى لا يبشر بالخير

-«ثقي بي، ستكوت رحلة مشوقة»

-«حسنا، لا حل آخر لدي»

-«أخبريني بالمزيد عنك، بالنسبة لي ليس لدي ما أخفيه فأنا ووضحو جدا، لكن ماذا عن شخصيتك الغامضة؟»

-«حسنا، سأخبرك بسر خطير»

-«كلي آذان صاغية»

-«تذكرين ذاك الأسبوع حين تغيبت عن الدراسى؟ السبب أنني عانيت من مشاكل نفسية وكنت سأنتحر»

-«معقول؟!»

-«بلى، بعد خسارتي لصديقتي المقربة وحبيبي حصلت مشاكل بين والدلس وقررا الطلاق، حينها شعرت بالضياع لأنني سأخسر والداي وهما كل ما تبقى لي، وبدون تفكير ربطت وشاحا غي المروحة وكنت سأنهي حياتي لكن والدتي أنقذتني»

-«هذا صادم حقا! لم أتوقع أن تصل بك الأمور إلى هنا!»

-«كان حالي مزريا واحتجت للكثير لكي أقف على قدماي مجددا، حتى أن والداي أخذاني لطبيب نفسي»

-«هل أنتِ بخير الآن؟»

-«مممم لا أعلم في الحقيقة، أشعر أنني بعد كل ما حصل بيني وبينك صارت أموىي أفضل، لكن لا أعتقد أنني سأعود روزي السعيدة القديمة»

-«إن كانت روزي القديمة سخيفة جدا فلا داعس لأن تعود، أحب روزي كما هي وبشخصيتها الباردة الواثقة»

-«شكرا لدعمكِ عزيزتي»

-«وماذا عن والديك؟»

-«مازالا غير متفاهمين لكن يخافان انتحاري مرة ثانية لذا يحاولان تجنب الطلاق أو الحديث عن خلافاتهما أمامي»

-«وهل يريحك الأمر؟»

-«ليس تماما، أريدهما بجانبي ولكن بقاؤهما معا لأجلي فقط هو شيء مزعج بالنسبة لي»

-«أتفق معك، لكن ربما قد تهدأ الأمور بينهما ذات يوم ويشكرانك على ما فعلته»

-«أود ذلك حثا»

-«والآن عديني أنكِ لن تنتحري مجددا»

-«لا أضمن لكِ ذلك»

-«بل عليكِ معاهدتي، لأنكِ إن انتحرتِ فسأبكي كثيرا عليك وأشعر بالوحدة لسنوات، افعلي ذلك لأجلي وعديني هيا»

أعطتها إصبع خنصرها لكن الأخرى وقفت تحدث به وقالت:

-«وعد بالأصابع؟»

-«أجل، هذا ما يفعله الأصدقاء المقربون، إن خالفتِ وعد الأصابع فهذاةيعني أن اللعنة ستحل عليك وتموتين بسأوأ موتة»

-«هههه أمجنونة أنتِ؟ كيف تحل علي لعنة تقتلني وأنا ميتة من الأساس»

-«فقط عديني»

-«حينا أيتها المزعجة»

شابكت إصبع خنصرها بإصبع جيسو ثم قالت:

-«ها قد وعدتك»

-«ممتاز، أشعر بالسعاظة الآن»

-«حدثيني عن والديك، كيف حياتك معهما؟»

ابتسمت جيسو بسعادة وأخرجت من حقيبتها صورة تجمعها بوالدها ووالدتها ويبدون في قمة السعادة وبالت:

-«رغم أن والداي متشددان فيما يخص دراستي لكنهما أروع والدين في العالم، ليس هناك الكثير من الخلافات بينهما لأن والدي متفهم ولطيف ويعامل والدتي أحسن معاملة، إنه يحبها ويلبي رغباتها حتى لو كانت صعبة، أحيانا أغار من حبعما الشديد لبعضهما وأتمنى حبيبا يجعلني أعيش حياة كحياتهما، لكن كما تعلمين حبي الأول عاملني أسوأ معاملة لذا أشعر بالخوف من الاعتراف لأي شخص آخر مجددا»

-«تقصدين لاعب كرة السلة؟»

-«بلى»

-«أحمق غبي، دعكِ من الشباب والعلاقات فمازلنا صغارا على ذلك، أخبريني حول عائلتك أكثر»

-«أظن أنهما سيستمران نعا للأبد، أتمنى أن يستمر والداكِ معكِ للأبد أيضا»

-«أرجو ذلك»

وصل القطار أخيرا لأحد الأماكن وتوقف مؤقتا، وعندما نزلت الفتاتان رأيتا العمال يرمون البضائع الغير مستعملة او المعطلة في مكب القمامة، تسللتا بسرعة واختبأتا خلف كومة الخردة حتى غادر القكار.

نظرت روزي من حولها وقطبت حاجبيها وقالت:

-«لماذا نزلنا هنا بالضبط؟»

-«لأنني أعشق هذا المكان»

-«مكب الخردة؟»

-«أجل»

صارت جيسو تتجول بالمكان وتنظر للاغراض الصدىة القديمة أما روزي فنظرت لها بتجهم ولحقت بها، تجولتا في المكان حتى رأت جيسو مضرب بيسبول فحملته وصارت تحاول التدرب على استعماله وقالت:

-«جيد، ما يزال قوريا ومتينا»

رأت أمامها قرارات زجاجية فضرباها بقوة حتى انكسرت وقالت بحماس:

-«أجل، كم هو مريح»

-«تكسير الزجاجات مريح؟»

-«طبعا، أتعرفين أن الإنسان يحتتفظ بالكثير من الغضب والطاقة السلبية في داخله؟ لو حاول تفريغها على شيء ما فلا بد انه سيرتاح حتما»

-«لا أظن»

-«فلتجربي»

جمعت عدة قرارات زجاجية أخرى ووضعتها أمامها ثم أعطتها المضرب، وما كادت روزي تضربها حتى صرخا جيسة:

-«مهلا! توقفي»

ثم ركضت نحو كومة خردة وأخؤجت منها خوذة لحماية الرأس ونفضتها من الحشرات ثم وضعتها على رأس روزؤ وقالت:

-«قد يتطاير الزجاج ويؤذي وجهك لذا ايقي نلسك آمنة»

ابتسمت لها روزي ثم استعدت وضربت الزجاجات بقوة وحطمتها فصفقت لها جيسو بحرارة وقالت:

-«ممتازة جدا»

-«أتشعرين باي تحسن؟»

-«في الحقيقة لا، لا شيء تغير، منذ هذا اليوم أشعر بأنني بخير حقا ولا يتملكني أي غضب أو خيبة»

-«ههههه أوه عزيزتي روزي! كم أنتِ لطيفة!»

صارتا تتجولان في المكان وتبحثان في الخردة حتى وجدتا سيارة قديمة فجلستا فيها، أخذت جيسو قلم حبر وكتبت على الزجاج عبارة "روزي وجيسو افضل صديقتين في التاريخ" ثم قالت بعد أن ابتسمت بسعادة:

-«هذه ستكون ذكرى أخرى من ذكرياتنا الجميلة، سنأتي لهذا المكان ونرى هذه الكتابة ونبتسم بسعادة»

-«من أين تعرفبن هذا المكان؟ وهل أتيتِ له من قبل؟»

-«أجل، مدينتي القديمة تبعد عن هنا خمس دقائق فقط وحين كنت صغيرة أتيت عدة مرات مع أبناء عمي»

-«أليس المكان خطيرا؟ أعني هو مكان فارغ وتحيط به الغابات، إن حصل لكِ مكروه فلن يعلم أحد»

-«كنا صغارا حينها، لكن الآن لقد كبرنا وإن حاول أحد إزعاجنا فسوف...»

ثم سددت لكمة نحو الزجاج وقالت:

«...نضربه بقوة شديدة وندافع عن أنفسنا فنحن فتيات قويات»

ابتسمت روزي وقالت:

-«قويات، حتما قويات»

سارتا عبر سكة القطار بهدوء شديد وهما تتحدثان حتى وصلتا لحديقة عامة تمتد حتى الجبل، ثم قالت جيسو:

-«أحب هذه الحديقة للغاية، لنمضي بعض الوقت هنا»

ركضت جيسو تصعد السلالم للأعلى بحماس وتبعتها روظي حتى وصلتا لمكان فيه كراسي وطاولات يمكن الجلوس فيه، ثم قالت جيسو:

-«أتشتاقين لأيام الطفولة؟»

-«نوعا ما»

-«لنعد لطفولتنا ونصبح طائشتين»

-«كيف ذلك؟»

-«لنمرح قليلا ههههه انظري هناك»

أشارت نحو زوجين يتناولان الطعام فاستغربت روزي وقالت:

-«لا تقولي أنه الذي في بالي»

-«بلى، حان وقت الغداء وأنا جائعة، لنأمل»

-«لكن هذا تصرف سيء»

-«كيف سنكوت أطفالا طائشين إن لم نفعل افعال طاىشة؟»

تجهم وجه روزي لكنها في النهاية أومأت برأسها ان نعم، توجهت جيسو نحو الزوجين ووقفت على مقربة منهما ثم القت نفسها في الاؤض وهي تمسك بطنها وصرخت بقوة:

-«بطني! أعتقد انني سأموت»

رآها الزوجان فأسرعا لمساعدتها وقال الزوح:

-«هل أنتِ بخير؟»

-«لا، بطني، رجاءً ساعداني»

في ذلك الوقت كانت روزي تتسلل ببطء نحو المائدة التي كانا يجلسان عليها وما إن كادت تضع يديها على طعامهما حتى أصدرت صوتا بسبب دوسها على عشب يابس فنظرا نحوها وصرخ الزوج:

-«ما الذي تفعلينه هناك؟»

أخذت روزي كيس طعامهما وركضت بسرهة حينها نظرا لجيسو فهربت هي أيصل وتركتهما يشتمانها من الخلف.

ابتعدت الفتاتان لأعلى حتى وصلتا لمكان بقرب التيليسكوب وجلستا تتناولان الطعام المسروق والذي هو عبارة عن سندوؤتشات لحم وهما تضحكان بشدة على هذا الموقف.

بعد انتهائهما توجهت جيسو نحو التيليسكوب ونظرت من خلاله فرات الناس في الحديقة كل منهم يقوم بعمل مختلف وقالت:

-«لنلعب لعبة التحديد»

-«كيف نلعبها؟»

-«سننظر عبر المنظار ونرى ما يفعله الناس وأول من تتحدث عما يفعلونه تحصل على نقطة»

-«موافقة»

نظرتا اولا لعائلة يجلسون لتناول الطعام فصرخت روزي:

-«عائلة تتناول المشاوي»

-«صحيح، لنجرب مجددا»

ثم نظرا لشخص آخر فوجداه يتكلم على الهاتف فصرخت جيسو:

-«شاب عصبي يتشاجر مع حبيبته»

-«هههه واو أنتِ سريعة»

ثم نظرا لرجل وامرأة يجلسان تحت الشجرة ويتبادلاز القبل ويبدو أن الرجل خمسيني بينما الشابة تبدو عشرينية ويافعة، حينها صرخت روزي:

-«شوغر دادي يغازل حبيبته، عهههههه رائع، لقد أصبح لي نقطتين، قومي بمجارات ذلك»

فجأة توقفت جيسو عن التظر عبر المنظار وتغيرت تعابير وجهها نحو الشرود، ثم قالت روزي بينما تنظر للخمسيني والعشرينية:

-«يا إلهي! إنه يحاول لمس جسدها أيضا! ياله من قذر! لم تخبريني أن هناك أمورا مقززة تحدث في هذه الحديقة»

لم ترد عليها جيسو بل بقيت على حالها فأردفت روزي:

-«إن واصل الأمر هكذا فسيفعلان أشياء قذرى، أظن أن علينا التبليغ عنهما لإظاؤة الممان، هناك عائلات محترمة تأتي لقضاء النزهة هنا، ألا تتفقين معي جيسو؟ أكره هؤلاء الرجال الوسخين الذين يضعون أعينهم علل فتيات أصغر ننهم بعقود، يجب أن يفعل القانون شيئا بشأنهم فهم ينتشرون بسرهة، أعني كم هو مقزز ذلك، تخيلي أن أسمح لشوغر داظي بلمسي من أجى المال»

فجأة صرخت جيسو بحدة:

-«يكفي، امرسي»

انصدمت روزي وأبندت عينيها عن المنظار ونظرت لصديقتها التي تماد تنفجر من الغضب وقالت:

-«عفوا؟ هل أخطأت بشيء؟»

-«فقط اخرسي، ولا كلمة، ما تقوله مقرف»

-«ما المقرف؟ أفعال ذلك القذر أم كلامي عنن؟»

-«فقط اخرسي»

ثم سارت نحو طريق العودى بمفردها فلحقتها روزي وأمسكتها من ذراعها وقالت:

-«ما بالك؟! لماذا تصرخين في وجهي؟ لا تقولي أنكِ تحبين ذلك النوع من العلاقات؟»

-«سواء أكنت أحبه او لا فهذا شيء لا يخصك»

-«ماذا؟! هل تملكك شيطان؟ أنتِ لستِ جيسو التي أعرفها»

-«ابقي بعيدة عني»

أبعدت يديها عنها وذهبت تسير عبر السكة عائدة للمززل، لحقتنا روزي وهي غاضبة إلى أن وصلتا لمكب الخردة وانتظرت جيسو القكار ليأتي فوقفت روزي بجانبها وهي غاضبى وقالت:

-«هل أنتِ بخير؟ لا أعلم ما الذي أزعجكٓ في كلامي بالضبط لكن أقترح أن نتحدث بهدوء ونتفاهم»

-«لا أريد التفاهم معك، دعيني وشأني»

-«ما الذي تقولينه؟! فقط اشرحي لي بماذا أخطأت وسأدعك وشأنك»

-«حقا لا أريد، قلت دعيني وشأني»

دفعتها للخلف فانصدمت روزي أكثر وقالت:

-«لطالما كنتِ تحاولين أن تكوني صديقتي فلماذا هذه التصرفات الغريبة فجأة!»

-«إذًا فلننهِ صداقتنا، لا أريد أن أكون صديقة فتاة مثلك بعد الإن»

مر القطار بجانبهما في نفس اللخظة التي نطقت بها جيسو بهذع الكلمات الجراحة فتبعثر شعر الاثنتين وهما تحدقان ببعضهما بصمت، ثم قالت جيسو بحدة:

-«يمكنكِ أخذ القطار بمفردك، سأواصل سيرا على قدماي»

بعد رميها لتلك الكلمات مضت في طريقها تتبع السكة بينما وقفت روزي متصنمة مكانها بتلك الصدمة، راقبت القطار وهو يغادر ولم تركبه وسارت تخطو خطواتها ببطء نحو ساحة الخردى حتى وصلت للمكان الذي جلستا فيخ ذاك الصباح، رأت على الأرض قطه الزجاج ومضرب البيسبول فصرخت بقوة وفجرت غضبها الشديد وأخذت المضرب وصارت تضرب به كل ما تراه أمامها من زجاجات وأغراص وعلب، تحولت فجأة لكائن متوحش وصارت تفؤغ غضبها على تحطيم الأشياء وهي تصرخ، ومع تذكرها أن تلك الطريقة علمتها إيلها جيسو شعرت بحزن وضيق أكبر.

بينما تركض وتحطم أؤ شيء عثرت على السيارة التي جلستا فيها ذاك الصباح فرمت المضري وركبتها لترتاح، لكن لاحظت اسميهما مكتوبين على الزجاج فتذكرت خيبتها وألمها وخلعت سترتها لتمسحها لكن توقفت فجأة بعد أن شعرت أنه لا فائدة من مسحها فرغم كل شيء هي تشكل ذكرى سعيدة من ذكرياتها مع جيسو، ولو كانت جيسو فظة لا تحترم الذكريات فإن روزي تحترمها وتقدسها.

اتكأت على المقعد وصارت دموعها تنهمر وهي تحدق باسميهما المكتوبين عللى الزجاج حتى غاصت في نوم عميق ووجهها مبلل بشدة.


حل المساء وكادت الشمس أن تغرب وروزي نائمة في السيارة وحين استيقظت فأول ما رأته هو العصافير وهي تقف على مقدمة السيارة وتصدر أصوات زقزقة قوية وهي دون شك سبب استيقاظها.

فركت عينيعا واستعادت يقظتها ثم تنهدت كل الألم والحزن الذي تكتمه في قلبها، لقد تحطمت نشاعرها مجددا واكتشفت أن الصداقة مجرد كذبة والناس يتغيرون بسرعة دون مراعاة المشاعر.

سارت عبر السكة بهدوء وهي محطمة ولم تكترث حتى إلى أنها تأخرت، حتر أنهت لم تركب القطار بل واصلت سيرا على الأقدام رفم أن المسافة نحو المدينة سيرا قد تصل إلى الساعة والنصف.

سارت مطأطىة الرأس يائسة وهي تلوم نفسها على كل شيء لكن انصدمت حين رأت في وسط الطريق جيسو وهي تقف متكئة على الشجرة معطية لها ظهرها، تجاهلتها وتقدمت وكانت ستتجاوزها لكنها توقفت حين سمعتها تقول:

-«أتيتِ أخيرا»

نظرت لها روزي ببرود وثنت ذراعيها كما لو أنها عادت روزي القديمة الباردة وقالت:

-«نعم ها أنا ذا، هل تنتظرين أحدا؟ لا أعتقد أنكِ تنتظرينني»

عم الصمت لبعض الوقت ثم قالت جيسو دون النظر لها:

-«روزي، أيمكنني إخبارك بسر؟»

ردت عليها روزي ببرود شديد بعد أن محت تماما من رأسها فكرة أن تهتم بجيسو مجددا أو تحاول مصادقتها:

-«لستِ مضطرة»

-«ذاك الأربعيني، والفتاة العشرينية التي معه، أثناء مراقبتنا لهما اكتشفت شيئا، ذاك الرجل هو أبي، والتي معه ليست أمي بطبيعة الحال»

انصدمت روزي من سماع ذلك ووسعت عينيها وقالت:

-«جيسو! هل أنتِ بخير؟»

استدارت جيسو بسرعة نحوها وعانقتها وثالت وهي تبكي:

-«لقد كنت خائفة، غاضبة، خائبة الأمل، مصدومة، محطمة، لذلك لم أعرف ما أفعله، كنتِ أنتِ الشخص الوحيد الذي هناك لأفرغ عليه غضبي، آسفة لأنني فعلت معكِ ما فعلته، آسفة روزي»

-«لا عليك، حقا لا عليك، فهمت الأمر برمتن، حتى أنا عرفت أنها ليست أنتِ، عرفت أن هنام خطبا ما»

-«حقا آسفة، لو اعتذرت منكِ مليون مرة لن أشعر بالرضى عن نفسي، أنا حقا صديقة سيئة»

ربتت روزي على ظهرعا لتواسيها وقالت:

-«لا بأس، حقا لا بأس»

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الأربعاء يوليو 05, 2023 7:49 pm

رواية لهيب المودة : الفصل الثامن



سارت روزي وجيسو عائدتين نحو المنزل وهما تمسكان بيدي بعضهما وكانت جيسو حزينة للغاية فقالت روزي محاولة الترفيه عنها:

-«هل تذكرين سرقتنا للطعام اليوم؟ هههه كان مضحكا للغاية، لم أمرح هكذا حتى في طفولتي»

نظرت نحو جيسو فوجدتها حزينة على نفس الحال وردت عليها:

-«أتعلمين؟ رسمت لوالدي شخصية مثالية في عقلي لكن بعدما حصل اليوم أشعر بالخيبة الشديدة، لا أعرف كيف سأواجهه مجددا، أشعر أنني أكرهه، لقد تحول فجأة من شخص رائع مثالي لحثالة، مسكينة أمي، كيف سأخبرها؟»

-«لا تخبريها»

-«لكن...لماذا؟ لماذا عليها أن تبقى مخدوعة طوال حياتها؟»

-«جيسو، جميعنا غير مثاليين، لا يوجد إنسان مثالي»

-«أتقولين أن ما فعله والدي أمر طبيعي لأننا غير مثاليين؟»

-«لا أبدا، طبعا ما فعله والدك سيء ولكن جميعنا نرتكب الأخطاء، لو تحدثنا عنا فقط نحن الاثنتان فما فعلناه سيء أيضا، لقد هربنا من المدرسة وخالفنا أوامر أهلنا وعرضنا حياتنا للخطر في هذا المكان المجهول، كما وسرقنا وخدعنا الناس وتجسسنا عليهم من المنظار العملاق، الجميع لديهم أخطاء حتى نحن»

-«لكن ما علاقة هذا بذاك؟»

-«هناك علاقة، صدقيني، والدك سيبقى والدك مهما حصل، لقد أنجبك ورباك وأعطاكِ كل الحب والحنان طوال حياتك، مهما فعل ومهما أخطأ فهذا لن يغير حقيقة أنه كان مثاليا بالنسبة لك كأب وليس كبشري»

-«وماذا عن أمي؟»

-«هناك أمور لا يجب أن يعرفها حتى والدانا، حين قام حبيبي وصديقتي بخيانتي كان المفروض أن أخبر أمي لكي تفهم ما أمر به، لكنني لم أفعل، هي حتى الآن لا تعرف لماذا أصبحت باردة ومنطوية هكذا ولماذا حاولت الانتحار حتى، تظن أنها هي وأبي السبب لذا يحاولان البقاء معا لأجلي وصارا لا يتحدثان في المنزل فقط لكي لا يتشاجرا ويجعلاني أؤذي نفسي، أظن أن بقاءهما هكذا لا يعرفان هو أفضل طريقة ليبقى الجميع مرتاحا ولكي أحافظ على عائلتي»

-«رغم أنه لا علاقة للموضوعين ببعضهما لكن أظن أن رسالتك وصلتني، أيجب علي التظاهر أنني لم أرى شيئا؟»

-«طبعا، لأجل أن لا تتفكك عائلتك، ابقي صامتة فقط لأجلهما ولأجل نفسك»

-«فهمت، شكرا على النصيحة روزي»

-«هل تريدين أن أساعدك في التنفيس عن غضبك وبطريقتي؟»

-«وكيف ذلك؟»

-«أنا أيضا لدي طرقي الخاصة، حين تمت خيانتي قمت بحرق كل ذكرياتي مع الشخصين الخائنين، لذا أعرف كيف أساعدك، أعطني صورتك العائلية»

أعطتها جيسو إياها فأخرجت من جيبها ولاعة وأمسكت بكل من الغرضين في كل يد وقالت:

-«احرقيها واحرقي معها كل حزنك وألمك»

أمسكت جيسو الصورة والولاعة وترددت قليلا لكن في النهاية أحرقت الصورة وصارت تنظر لها وهي تتفتت وتتحول لرماد وتسقط أرضا ثم تركتها لتسقط على الحصى ويحترق آخر جزء منها ثم ابتسمت وقالت:

-«معكِ الحق، أشعر بتحسن»

-«هههه جميل»

-«لكن السؤال هو ما الذي تفعله الولاعة معك؟ هل يعقل أنكِ تدخنين؟»

-«ههههه أهذا كل ما خطر على بالك؟ في الحقيقة السبب هو أنني أكتب باستمرار ما أشعر به كنوع من تفريغ الطاقة السلبية وأقوم بحرقه في نفس اللحظة ولهذا أحمل معي الولاعة دائما»

-«أوه فهمت! علي تجربة الأمر أيضا»

بعد وصولهما للمدينة مع حلول الظلام ذهبت روزي لمنزلها فوجدت والديها قلقين عليها وقاما بمعانقتها وسؤالها مرارا وتكرارا عن سبب غيابها كل هذا الوقت وإغلاق هاتفها واتصال الثانوية بهما اليوم لتخبرهما عن غياب ابنتهما، لكنها أخبرتهما أنها ملت من الدراسة والضغوطات وقررت الهرب، ورغم أنهما غاضبان للغاية لكنهما لم ينطقا بشيء لأنهما يعلمان بمشاكلها النفسية وقد تؤذي نفسها لو ضغطا عليها قليلا بعد، لذا قالت والدتها:

-«روزي، رجاءً لا تفعلي بنا ذلك مجددا، تعلمين كم أنتِ مهمة بالنسبة لنا وأفعالك هذه تؤذينا وتقلقنا»

-«أعلم، أردت فقط الحصول على حيزي الخاص»

-«ولماذا لم تتصلي وتطلبي منا الآذن بالغياب؟»

-«لن تسمحا لي»

-«وما أدراك؟»

-«أعرفكما جيدا لذا لا داعي»

صعدت لغرفتها فأوقفها والدها مناديا عليها من الخلف:

-«روزي، عليكِ مواصلة الجلسات العلاجية مع الطبيبة النفسية»

قطبت حاجبيها ثم دخلت غرفتها دون اكتراث لكلامه، أما جيسو فقد عادت للبيت فوجدت والدتها بمفردها فوبختها لساعات طويلة، وبعد فترة عاد والدها للمنزل ونظر لجيسو وبادلته النظرات هي الأخرى وهي تشعر بالخيبة فقالت والدتها:

-«عزيزي، أين كنت؟»

-«في العمل، ما الأمر؟»

قطبت جيسو حاجبيها وهي تنظر له فهي تعرف أنه يكذب وأنه قضى اليوم مع عشيقته الصغيرة في السن، لكنها قررت دفن السر للأبد لذا بقيت تستمع لوالدتها وهي ترد:

-«كانت جيسو غائبة عن الثانوية طوال اليوم وعندما اتصلت لأخبرك وجدت هاتفك مغلقا»

-«يبدو أن شحنه قد نفذ، هل هذا صحيح جيسو؟»

-«صحيح، لقد تغيبت»

-«ما هذه التصرفات فجأة؟ إنها سنتك الأخيرة وعليكِ أن تكوني فتاة جيدة لتحصلي على تخصص جيد ووظيفة جيدة»

رغم كل ذلك الحقد والتأنيب الذي تخفيه لكنها اكتفت بالاستماع وهز رأسها مومئة بالإيجاب وهكذا مر اليوم عليها وهي تتعرض للتوبيخ.

في الليل وقبل أن تنام الفتاتان أرسلت جيسو رسالة لروزي كتبت فيها:

-«أمستيقظة؟ أود التحدث معك»

رأت روزي الرسالة وردت عليها:

-«بلى، أشعر بالحزن على ما حصل اليوم، هل علاقتك بوالديك ما تزال جيدة؟»

-«لا أعلم، أفكر بالهرب من المنزل فرؤيتي لوالدي يغازل أمي دون الشعور بأي ذنب تجعلني أكاد أفقد صوابي»

-«لا تستسلمي جيسو، كل مُر سيمر»

-«أتعلمين؟ أود فعل شيء ما، ما رأيك أن نبيت في منازل بعضنا ذات يوم؟ أعتقد أننا سنحظى بالكثير من المرح»

-«وهل سيسمح لكِ والداكِ بذلك؟»

-«لا، تعالي أنتِ»

-«حسنا سأرى مع والداي لاحقا»

في يوم الغد ذهبت الفتاتان للثانوية وبما أنهما غائبتان من الأمس فقد حضرت والدة كل منهما من أجل تبرير الغياب، وبينما تقفان في القاعة بانتظار دوريهما كانتا تنظران لبعضهما من بعيد ثم حملت جيسو هاتفها وأرسلت رسالة لروزي تقول فيها:

-«انظري لربطة شعر الفتاة التي بجانبك، عليها صور بطة»

كان هذا تعليقا سخيفا فجعل روزي تضحك بصمت وعندما سمعتها جيسو صارت تضحك هي الأخرى لكن والدتها رأتها وسحبت منها الهاتف وقالت موبخة إياها:

-«رغم كل ما حصل ها أنتِ ذا تضحكين بكل برودة أعصاب، يالك من طالبة مهملة وفتاة عاقة، ليتني أنجبت صبيا»

شعرت جيسو بالإحراج بسبب صوت والدتها العالي والذي انتبه له الجميع فصارت تحاول تهدئتها لكن الأخرى واصلت توبيخها:

-«جيسو أنتِ عالة على العائلة حقا، ابنة خالك كانت أذكى وأنضج منك في كل شيء»

-«أوووه هيا! ليس قصة ابنة خالي مجددا»

أغلقت أذنيها لكن والدتها صرخت بصوت أعلى:

-«وتغلقين أذنيك؟ عار عليك حقا، حين لأكلمك استمعي وانظري في عيناي»

نظرت جيسو في عينيها فصرخت مجددا:

-«وتملكين الجرأة للنظر في عيناي؟»

-«لكن أنتِ قلتِ...»

-«لم أقل شيئا، فقط أطبقي شفتيك وأغلقي الموضوع»

-«لست أنا من فتحه حـ...»

-«ولا كلمة وإلا سآخذ هاتفك للأبد»

التزمت جيسو الصمت ونظرت لروزي فوجدتها تكاد تنفجر من الضحك بسبب مواقفها اللطيفة، هذا جعل جيسو تبتسم لها وتشعر بالسعادة.

بعد حصولهما على إذن الدخول خرجت الفتاتين مع والدتيهما ووقفتا في الرواق قليلا فنظرت والدة روزي لجيسو:

-«طاب يومك جيسو، كيف حالك؟»

-«طاب يومك سيدة بارك، أنا بخير وشكرا لسؤالك»

ثم نظرت والدة روزي لوالدة جيسو وقالت:

-«أهلا سيدة كيم، سعيدة بلقائك»

-«وأنا أيضا، لكن من تكون حضرتك؟»

-«ابنتي وابنتك صديقتان مقربتان»

-«أوه لا بد أنها وونيونغ، جيسو تتكلم عنها كثيرا»

انزعجت روزي لأن جيسو تكلم والدتها عن وونيونغ ولا تكلمها عنها فحدقت بها بحدة حتى شعرت بالتوتر، ثم قالت جيسو:

-«أمي، اعرفك على صديقتي الوحيدة والمفضلة، ربما لم أتكلم عنها كثيرا ولكن أظن أنكِ سمعتِ عنها سابقا»

-«ربما، لست متأكدة»

ثم نظرت لروزي فوجدتها ستأكلها بنظراتها، بعد جو مشحون قالت والدة روزي:

-«جميل أن نلتقي، ابنتكِ لطيفة جدا وأظن أننا سنصبح أصدقاء مقربين في المستقبل هههه»

-«سعيدة بسماع ذلك»

-«جيسو، تعالي لزيارتنا ذات يوم»

-«سأفعل»

-«مهلا، أنتِ أيضا تغيبتِ بالأمس؟»

شعرت جيسو بالتوتر وصمتت لكن والدتها تحدثت قائلة:

-«أجل هذه الفتاة المزعجة تغيبت بالأمس دون إخبارنا وعادت بعد غروب الشمس بوقت، كاد قلبي يتوقف من الخوف حين أغلقت هاتفها، سأعلمها درسا قاسيا كي لا تكرر ذلك مجددا»

-«مهلا! حتى ابنتي فعلت نفس الشيء، هل يعقل أنهما...»

-«كانتا معا؟»

-«بالضبط»

نظرت الوالدتان لابنتيهما فتوترتا ثم قالت جيسو بينما تمسك روزي وتجرها مبتعدة:

-«تأخرنا عن الدراسة، نحن تلميذتان مجتهدتان جدا كما تعلمان هههههه، وداعا ماما، وداعا سيدة بارك»

أخدت روزي معها تتمشيان عبر الرواق المؤدي لفصلهما وقالت:

-«ياله من موقف صعب وُضعنا فيه»

-«أعتقد أن والدتك مخيفة»

-«أوافقك»

مرت الأيام بسرعة وكانت صداقة روزي بجيسو تتطور شيئا فشيئا لدرجة أنهما أصبحتا لا تستطيعان قضاء يوم واحد بعيدتين عن بعضهما، حتى في عطلات نهاية الأسبوع كانتا تتحدثان على الهاتف طويلا أو تتراسلان وتصوران لبعضهما كل شيء تفعلانه، وتبعا لذلك تحسنت صحة روزي النفسية واقتربت من أن تعود فتاة طبيعية كالسابق.

ذات يوم عادت روزي من الثانوية فوجدت والدتها مع والدها واقفين عند الرواق وعلى وشك الدخول في شجار مجددا لكن عندما رأياها هدآ وافترقا لكي لا يتسببا في محاولة انتحارها مجددا.

ذهب والدها للخارج بينما بقيت أمها جالسة في غرفة المعيشة فنادت عليها، تقدمت روزي منها ونظرت لها فوجدت ملامح وجهها جادة للغاية وقالت:

-«روزي، اجلسي، الأمر مهم»

جلست روزي بهدوء وقلبها يدق وخافت أن تخبرها أنها تريد الطلاق مرة أخرى، لكنها رغم ذلك تأملت خيرا وبقيت تنصت باهتمام لوالدتها:

-«روزي، علاقتي بوالدك تؤول من سيء لأسوأ، نحن لا نتفاهم منذ أشهر ونعيش هنا كالغريبين لذا...»

-«هل ستفعلينها مجددا؟ لا، لا أريد، إن حاولتما الطلاق فسأقتل نفسي، آسفة لا يمكنني العيش وأحدكما بعيد عني»

-«لا مهلا روزي، اسمعي، الأمر ليس بشأن ذلك، ألم تلاحظي شيئا غريبا مؤخرا؟»

نظرت من حولها فلم تلاحظ أي شيء وقالت:

-«لا، هل هو بخصوص المنزل أم شيء آخر؟»

-«لا، بل بخصوصي أنا»

نهضت من مقعدها فلاحظت روزي شيئا ما:

-«أمي، غيرتِ من أسلوبك في الملابس وأصبحتِ تحبين الملابس الواسعة؟ متى ذلك؟»

-«منذ شهرين، وحضرتكِ لم تلاحظي أي شيء، يبدو أنكِ في عالم آخر حقا»

-«فعلا، يبدو أنني كنت مغيبة جدا عن الواقع، ولكن هل تغييرك لملابسك أمر مهم؟»

-«طبعا، المرأة لا ترتدي الملابس الواسعة فجأة إلا إذا كان هناك سبب ما»

رمشت روزي بعينيها عدة مرات فقامت والدتها بإرجاع ثوبها العريض للخلف حتى يضيق في منطقة البطن فلاحظت روزي أن بطنها يبدو أكبر من المعتاد، حينها انصدمت ووضعت يدها على فمها وهي تشهق بقوة وقالت:

-«لا تقولي أنكِ...»

لم تتمكن من إنهاء كلامها حتى فتوجهت والدتها نحو درج الخزانة وأخرحت فحصا طبيا فيه صورة أشعة لجنين نائم بسلام في رحم أمه، أمسكته روزي ويداها ترتجفان ونظرت له وفجأة ابتسمت بسعادة ودمعت لتسقط دمعتها الساخنة على الورق وتبلله، قالت والدتها باستغراب:

-«لم أتوقع أن تكون هذه ردة فعلك، ظننت أنكِ ستستائين»

-«لا، هناك فرد جديد من العائلة سيأتي إلينا، أنا سعيدة حقا، أهو ذكر أم أنثى؟»

-«أنثى»

-«يال الروعة! ستكون لي أخت صغيرة وستصبح مقربة مني وتخفف عني حين أحزن»

-«في الحقيقة يا روزي، لن تكون»

انصدمت روزي من سماع ذلك ونظرت لها بقلق وقالت:

-«لماذا تخبرينني في حال كنتِ تريدين إسقاط الجنين؟»

-«لا أعلم، أردت إخبار شخص ما، والدك لا يهتم على كل حال، أنتِ الوحيدة التي يمكنني إخبارها بذلك لتدعمني في عملية الإجهاض»

-«لا، مستحيل أن أدعمك، لا تتصرفي بجنون»

-«هذا ما لم أتوقعه»

أعطتها صورة الأشعة وهي غاضبة ونظرت لعينيها بحدة:

-«لا يمكنك أن تحرميني من أختي، حقا أشعر بأنني تعلقت بها منذ الآن»

-«افهمي أنه ما من شخص يتألم على فراق طفله مثل الأم، لكنني مضطرة، هل تظنين أنها ستكون سعيدة حين تعيش في عائلة كعائلتنا؟ المشاكل تحيط بنا من كل مكان»

-«لكنها ستتأقلم»

-«وهل تأقلمتِ أنتِ؟ أم أنكِ سئمتِ لدرجة محاولة الانتحار؟»

استاءت روزي من إجابة هذا السؤال فصمتت وطأطأت رأسها بحزن، دخل الأب فجأة فانتفضت كلاهما وخبأت الوالدة صورة الأشعة خلف ظهرها، حينها قال الأب:

-«لقد نسيت مفاتيح سيارتي، روزي هل رأيتِها؟»

-«لا يا أبي، أتيت للتو»

-«لماذا أنتِ حزينة هكذا؟ هل حصل شيء ما؟»

صمتت روزي للحظات ونظرت لأمها بحزن ثم التفتت مجددا لوالدها وأومأت برأسها أنْ لا لكي يطمئن ويغادر، شاهدته وهو يبحث عن المفاتيح إلى أن عثر عليها وهم مغادرا ناحية الباب، وقبل أن يخرج فكرت بحل سريع فركضت وأخذت صورة الأشعة من والدتها واتجهت بها نحو والدها وقالت بصراخ واضطراب:

-«أبي، لا تذهب، ستصبح أبًا، ستكون لديك ابنة أخرى غيري، أرجوك افعل شيئا قبل أن تقوم أمي بإجهاضها»

عم صمت رهيب في الخلفية فركضت الأم وأخذت من روزي الصورة ووبختها بغضب قائلة:

-«توقفي، من سمح لكِ بإطلاعه على الموضوع؟ اعتبريه طفلي أنا فقط وأنا المسؤولة عنه»

قاطعها الأب وهو يتكلم بهدوء:

-«هل هذا صحيح؟ هل سنرزق بطفل أم أنها كذبة؟»

صمتت ولم ترد عليه فسحب منها صورة الأشعة وصار ينظر إليها وهو متأثر ويلمسها بأطراف أصابعه بسعادة، بعد لحظات نظر لزوجته ثم عانقها بسعادة فانصدمت هي الأخرى وتأثرت وسالت دموعها، حينها قال لها بحشرجة:

-«لا تجهضيه، تعلمين أنه من الصعب عليكِ الحمل لذا فإنجاب طفل بعد هذه السنين الطويلة هو أمر كالمعجزة»

أومأت برأسها أنْ نعم وبادلته العناق بقوة، وبينما تنظر لهما روزي كانت في قمة السعادة ولم تتوقف ولو للحظة عن ذرف الدموع.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الجمعة سبتمبر 08, 2023 8:19 am

رواية لهيب المودة : الفصل التاسع



اتصلت روزي بجيسو وأخبرتها بقصة صلح والديها وهي تطير من السعادة قائلة:

-«كم أنا مسرورة! أشعر أن مشاكلي جميعها حلت مع مجيء هذا الجنين لعائلتنا»

-«أحسدك، ليس لدي إخوة»

-«لا أصدق! وماذا عني؟»

-«أنتِ حتى لا تعتبرينني أختك فقد قلتِ خلال سردكِ للقصة أنكِ سعيدة بأختك الوحيدة»

-«قصدت أختي البيولوجية الوحيدة، أنتِ لستِ أختي بالمشاعر فقط بل أكثر من ذلك بكثير»

-«هههه أشعر بالخجل، والآن أخبريني هل لدى والدتكِ مشكلة في الإنجاب؟»

-«بلى، منذ سنوات طويلة حاولت الإنجاب من بعدي ولم تنجح، حتى أنها أحيانا تفكر بالتلقيح الاصطناعي»

-«من الجيد أنها ستنجب الآن إذًا»

-«بلى»

سمعت صوت والدتها تناديها للعشاء فأغلقت الخط ونزلت، وكمعجزة تحصل لمرة منذ زمن طويل رأت والديها جالسين على طاولة الطعام سعيدين ووالدها يحاول وضع الطعام لوالدتها في صحنها حتى تأكل جيدا وتغذي الجنين، كانا في قمة السعادة وهذا منظر لا تراه كل يوم، نزلت نحوهما وقالت بابتسامة عريضة:

-«ما أسعدني برؤيتكما معا مجددا»

ردت والدتها بتوتر:

-«ههههه من كان يعتقد أننا سنعيش لنرى هذا اليوم»

ثم قال والدها:

-«لا تخجلي أنتِ أيضا، تعالي وكلي معنا وسأضع لكِ الطعام في صحنك»

-«هههه أبي! حقا هذه معجزة، منذ زمن لم تعاملني هكذا»

-«بالمناسبة، هل صحتك النفسية بخير؟»

-«بلى، كثيرا، والفضل الأكبر يعود لصديقة لي من الثانوية تدعى جيسو»

قالت الأم بلطف:

-«أوه جيسو! كم أحب تلك الفتاة، عليكِ أن تُعرفي والدكِ عليها بما أنني أعرفها بالفعل»

-«مهلا! ماذا لو دعوناها للمبيت في المنزل؟»

-«أوه فكرة لطيفة، المرة القادمة قومي بدعوتها، أظن أنها تستحق جائزة تكريمية لأنها تحملتكِ طيلة هذه الأيام ههههه»

انفجر الوالدان من الضحك وتوقعا أن تنزعج روزي لأنها بالعادة مملة ولا تتقبل المزاح ولكنها هذه المرة ابتسمت لهما بسعادة فمزاجها في قمة الروعة.

ذهبت روزي في الغد للثانوية وبينما تنتظر صديقتها جيسو جاءت لها من الخلف وأغمضت عينيها وقالت:

-«احزري من أكون»

-«لا أحد يهتم للحديث معي أو يتحمل تقلبات مزاجي غير جيسو»

-«هههه محقة»

أبعدت يديها عن عيني الأخرى ثم أخرجت من حقيبتها علبة حلويات وأعطتها لها، وعندما فتحتها روزي وجدت بها قطع حلوى لطيفة على شكل أرانب وقالت:

-«جميلة! هل اشتريتها من أجلي؟»

-«بل أعددتها»

«أنتِ قمتِ بإعدادها؟ تبدو وكأنها من السوق، دعيني آخذ قضمة»

تذوقتها فأدركت أنها لذيذة حقا وقالت:

-«مممم مذهلة، لكن ما المناسبة؟»

-«بمناسبة حمل والدتك، أحسدك كثيرا ولكن في نفس الوقت سعيدة من أجلك، قد لا تعبر هذه الحلوى عن ما أريد إيصاله لأنها بسيطة ومملة ولكنني أحببت إهداءها لك»

توقفت روزي عن الأكل وقالت بصوت حزين وسعيد في نفس الوقت:

-«لا تعلمين كم تعني لي قطع الحلوى هذه، كما أنه لم يسبق لأحد أن أهداني شيئا من صنع يديه ووضع فيه كل هذا الحب والوفاء، جيسو أنتِ مميزة، كل ما تفعلينه يجعلني أود البكاء»

بدا عليها التأثر وكانت ستبكي لكن جيسو حاولت الإسراع لجعلها تضحك وقالت:

-«هههه توقفي عن التفلسف، أفعل ذلك لجذب الانتباه لا غير، لو كان لديكِ أخ شاب فأنتِ مجبرة على طلب يدي له، لن تجدي فتاة مثلي تصلح أن تكون زوجة لأخيك»

انفجرت الاثنتان من الضحك ثم عانقت روزي صديقتها وقالت:

-«أحبك للغاية، جيسو اللطيفة»

عادت روزي للمنزل في المساء ثم دخلت المطبخ فوجدت والدتها تطبخ العشاء وقالت لها:

-«روزي، هل تحتاجين شيئا؟»

-«لا، أتيت فقط لأساعدك، أنتِ حامل وعليكِ أن لا تجهدي نفسك»

-«أنتِ ووالدك تبالغان للغاية، كيف يمكن للطبخ أن يسقط جنينا كاملا؟»

-«لكن الحمل صعب بالنسبة لك، سيقتلك والدي إن حصل شيء للطفلة»

-«حسنا لنعتبر أن كلامك صحيح، بماذا ستساعدينني وأنتِ لم تطبخي شيئا طوال حياتك؟»

-«سأحاول»

-«حسنا ولكن لا تدمري المطبخ»

نزعت الأم المريلة ووضعتها لروزي ثم خرجت من المطبخ، حينها نظرت روزي لقطع الخضروات واللحم المقطعة أمامها وحدقت بها للحظات تفكر وقالت:

-«ترى ما الذي يمكنني إعداده بهذا؟»

فكرت أكثر وقالت أخيرا:

-«مرق خضروات، إنه أسهل شيء»

أعدت مرق الخضروات ووضعته على النار ثم جهزت المائدة وانتظرت حتى نضج كل شيء ونادت على والدتها ووالدها الذي عاد من العمل للتو.

وقفت أمامهما وسكبت لهما طبقي طعام وقالت بفخر:

-«أقدم لكما أول طعام طهوته في حياتي، استمتعا»

قال الأب بسعادة:

-«وأخيرا روزي تتدرب لتصبح ربة منزل، لا بد أنها عثرت على زوج مستقبلي ههههه»

نظرت له روزي بتجهم وقالت:

-«هل الرجال محور الكوكب؟ أريد التدرب على الطبخ لأجل مساعدة أمي وليس لأجل أي رجل»

-«حسنا حسنا هههه كنت أمزح، مازلتِ لا تتقبلين المزاح»

ثم ابتسمت وقالت:

-«تذوقا وأعطياني رأيكما»

تذوق الاثنان من طبقيهما وكانت الوالدة هي أول من توقفت عن الأكل ونظرت لزوجها، أما الآخر فتذوق بضع لقمات وقال:

-«الخضروات نصف مطهوة، والملح أعلى من المستوى الطبيعي الذي تتحمله الحامل، أتريدين قتل والدتك وجنينها؟ والصلصة دبقة جدا وكان يفترض أن تكون أقل كثافة من ذلك»

شعرت روزي بالإحباط ولكنها رغم ذلك وقفت بثقة وقالت:

-«لن أستسلم، سأتعلم الطبخ، أمي، علميني رجاءً»

ردت الأم قائلة:

-«حسنا، من دواعي سروري، إن لم أعلمك فسنضطر لتناول طعام لا يستساغ لفترة طويلة»

تحكمت روزي بأعصابها وابتسمت مُرغمة ومن هناك بدأت تتعلم الطبخ، سهرت لوقت متأخر تعد الحلوى مثل التي أعدتها جيسو، كانت حينا تحترق وحينا تتخرب وحينا لا تنضج بالشكل الكافي ولكن في النهاية أنهتها ووضعت عليها لمستها السحرية من الزينة ثم رمت نفسها متعبة على الأريكة.

في يوم الغذ ذهبت روزي للثانوية وهي تمسك علبة الحلوى بيدها متوترة ووقفت في المكان المعتاد، هذه المرة جاءت جيسو نحوها ولم تكن سعيدة كالمعتاد أو متحمسة، بدا وجهها حزينا لذا خبأت روزي علبة الحلوى في حقيبتها، قالت جيسو أولا:

-«صباح الخير»

-«صباح الفل، هل أنتِ بخير؟»

-«ممممم لا أعلم، بالأمس حصل شيء سيء»

-«ما هو؟»

-«لقد رن هاتف والدي على العشاء فتركنا وذهب، أظنه تخلى عنا لأجل قضاء الوقت مع حبيبته، أشعر بالحزن للغاية، لو أخبرت والدتي ستتدمر عائلتنا وإن لم أخبرها فسأبقى أشعر بالذنب لما تبقى من حياتي، ما الحل برأيك روزي؟»

-«حقا لا أعلم، لكنني أتضامن معك، هل هناك شيء يمكنني فعله لجعلكِ تشعرين بالراحة؟»

-«لا أعلم»

-«ما رأيك أن تأتي لزيارتي اليوم؟ أو المبيت عندي؟ أظن أن هذا سيشعرك بتحسن»

-«أود ذلك لكن والداي يمانعان ذلك»

-«بالنسبة لوالداي فهما حقا يريدان منكِ المجيء، ووالدي يريد التعرف عليك»

-«سأرى مع والداي وأخبرك»

نظرت روزي لحقيبتها وكانت على وشك إخراج علبة الحلوى مجددا لكنها رأت وونيونغ صديقة جيسو تنادي عليها وتلوح حتى اقتربت منها وقالت:

-«عزيزتي جيسو! افتقدتكِ كثيرا»

انزعجت روزي فهي مازالت تغار من صداقة وونيونغ وجيسو ومازالت تفكر أنها قد تأخذ صديقتها الوحيدة منها لذا صمتت وبقيت تستمع لكلامهما، قالت وونيونغ:

-«ما بالك لا تتصلين ولا تسألين؟ أم أنكِ تخليتِ عن صديقتكِ التي تعرفكِ منذ زمن طويل؟»

ردت جيسو وهي تفرك مؤخرة رأسها:

-«آسفة، مشغولة جدا، ووالداي يجبرانني على الدراسة طول الوقت لأحصل على علامات جيدة من أجل تخصص جامعي جيد»

-«لكنني أتصل بكِ أحيانا وأجد الخط مشغولا»

-«ههههه لا أبدا، لا بد وأنه خطأ من الشبكة»

توترت جيسو ونظرت نحو روزي وكانت منزعجة لأنها تخفي الحقيقة، ثم قالت وونيونغ:

-«ما رأيك أن تبيتي في منزلي اليوم؟ اتصلت بوالدتكِ هذا الصباح وقالت أنه لا بأس بذلك، سنلعب اللودو طوال السهرة»

كانت نظرات روزي لجيسو مخيفة ومليئة بخيبة الأمل وبعد اكتفائها من الاستماع استدارت لتغادر، لكنها توقفت فجأة حين سمعت جيسو تقول:

-«آسفة، روزي طلبت مني أولا، ربما لاحقا»

ثم لحقت بها ولفت ذراعها على رقبتها وهما تسيران وقالت:

-«مازالت دعوتك قائمة صحيح؟»

ابتسمت روزي وقالت:

-«طبعا هههههه»

في استراحة الغداء جلستا تتناولان الطعام فتشجعت روزي على أن تهدي صديقتها الحلويات التي صنعتها فأخرجتها من حقيبتها وقدمتها لها وقالت:

-«هذه لك»

فرحت جيسو بالهدية وفتحت العلبة وقالت بحماس:

-«جميل! أحببت هذه الأزهار!»

-«ليست أزهارا بل هي قطط»

نظرت لها مجددا فأدركت أن الشكل ليس متقنا أبدا ورغم ذلك حاولت المجاملة وقالت بتوتر:

-«هههه رغم ذلك شكلها جميل»

أرادت التذوق منها وعندما قضمت أول قضمة وجدتها قاسية جدا وقالت:

-«قاسية! ما الذي يوجد فيها بالضبط؟»

-«وضعت فيها البيض والحليب والشكلاطة والسكر والزيت والطحين فقط»

-«هل وضعتها في الثلاجة بعد نضوجها؟»

-«لا، بل تركتها في الفرن طوال الليل بعد أن أطفأته»

-«هذا يفسى لماذا جفت وتصلبت بسرعة، عليكِ وضعها في مكان به رطوبة لتبقى هشة»

-«سيء! يبدو أنني فاشلة في الطبخ حقا»

أحنت رأسها بإحباط لبعض الوقت وحاولت جيسو مواساتها فقالت في الأخير:

-«تبدين متمكنة قي الطبخ، أيمكنكِ تعليمي؟»

-«هههه طبعا سأفعل، هذا يعني أنكِ ستصبحين تلميذتي»

في تلك الليلة اتفقت الفتاتان أن تستأذن جيسو والدتها لتسمح لها بالمبيت في منزل روزي لكنها رفضت رفضا قاطعا كونها ما تزال غاضبة منها لهروبها من المدرسة قبل أيام.

بقيت جيسو في غرفتها حزينة وكالعادة تم إجبارها على الدراسة بجهد ولوقت طويل، وبعد فترة رن جرس الباب ونادت والدة جيسو عليها لتخرج فتفاجأت برؤية روزي أمامها تبتسم بسعادة وترتدي ملابسها المدرسية وتحمل حقيبتها على ظهرها، ثم قالت الأم:

-«روزي جاءت لتساعدك في الدراسة وستبيت معك اليوم، ادرسا جيدا فالجامعة تنتظر»

ابتسمت جيسو بسعادة ثم أخذت روزي لغرفتها وقالت:

-«كيف عرفتِ منزلي؟»

-«والدتك ووالدتي صديقتان الآن وتتحدثان على الهاتف، لا تستغربي، حين هربنا ذلك اليوم من الثانوية وجاءتا لتبرير غيابنا تحدثتا وصارتا صديقتين، كما أنه بعد منع أمك لك من المبيت عندي قررت المجيء بنفسي، واستغللت نقطة أنها تحب جعلك تدرسين لصالحي فأقنعتها أنني سأساندك على الدراسة لوقت متأخر من الليل»

-«ههههه ذكية، إنها لمفاجأة رائعة أن أراكِ اليوم هنا، لندرس معا»

أخرجت الاثنتان دفاترهما من المحفظة حتى عثرت روزي على دفترها الذي تدون فيها روايتها وترددت لبعض الوقت لكن في النهاية أمسكته بيديها ونظرت لجيسو وقالت:

-«جيسو، لطالما كنتِ تريدين رؤية ما أكتبه في دفتري صحيح؟»

-«بلى»

-«أريد أن أريك»

-«من دواعي سروري»

أعطت لها الدفتر ورغم أنها تشعر بالخجل من أن يقرأ أي أحد أعمالها لكنها قررت أن جيسو هي أول من تقرؤه، وبالفعل أمسكت جيسو الدفتر بحماس وقرأت منه عدة أسطر وكان تعبير روزي جيدا بالفعل لكن في النهاية قطبت حاجبيها وقالت:

-«لكن لماذا هناك العديد من الأخطاء الإملائية؟ لا تكاد أي جملة تخلو من الأخطاء»

-«أوبس! لدي مشاكل في الإملاء حقا لكن لم أظن أنه لتلك الدرجة»

-«يمكنني مساعدتك، سأصحح لكِ الأخطاء الإملائية بينما أقرؤها»

-«لكنها طويلة بعض الشيء»

-«لا بتاتا، أحب القراءة جدا وبما أنها رواية صديقتي المفضلة فسأستمتع بكل حرف كتبتِه فيها ولن أشعر بأي ملل»

-«يسرني ذلك، سأتركها لكِ لاحقا ولا تنسي وضع ملاحظة على أخطائي حتى أتعلم منها»

-«ههههه يبدو أنني سأكون معلمة اللغة خاصتك إلى جانب الطبخ»

صارت الاثنتان تضحكان بصوت صاخب وتستمتعان إلى أن فتحت والدة جيسو الباب فجأة وهي قاطبة حاجبيها فخافت الاثنتان منها وحملتا الدفتر بسرعة متظاهرتين أنهما تقرآن حتى أن جيسو حملت الدفتر بالمقلوب من شدة الخوف.

قالت والدة جيسو لهما وهي تحدق بهما بحدة:

-«أتمنى أن لا يتكرر الأمر»

قالت الاثنتان بصوت واحد:

-«حاضر، نحن ندرس»

ثم أغلقت الباب عليهما فنظرتا لبعضهما وابتسمتا وقالت روزي:

-«والدتكِ مخيفة»

-«وأخيرا أدرك أحد ذلك»

بقيت الاثنتان تذاكران لوقت متأخر حتى تعبتا وصارتا تتثاءبان، سمعت روزي صوت سيارة فنظرت من النافذة ورأت والد جيسو وقد عاد للتو ودخل المنزل فقالت:

-«والدك يعمل لهذا الوقت؟»

عبست جيسو وحزنت بشدة وقالت بحشرجة:

-«بل كان مع حبيبته الصغيرة بالعمر»

-«ترى ألا تشك والدتكِ به؟»

-«مطلقا، وتصدقه في كل شيء لأنها تحبه وتثق به ثقة عمياء»

-«هذا مخيف، ويجعلني أقلق من الزواج أكثر مستقبلا»

أمسكت جيسو بيد روزي وحاولت الابتسام رغم حزنها وقالت:

-«سعيدة أنكِ تعيشين حياة طبيعية الآن، اهتمي بوالديك فحسب»

-«سأفعل، لا تقلقي جيسو»

-«حسنا، لنخلد للنوم فأنتِ تبدين متعبة»

أخرجت من الخزانة فراشا ووسادة ووضعتها لروزي في الأرض وابتسمت قائلة:

-«لو أردتِ النوم على السرير فسأترك لكِ مكاني»

-«لا، لا تهتمي، أحب النوم على الأرض»

استلقت الفتاتين في فراشهما وغطت جيسو في نوم عميق أما روزي فحدقت بالسقف وهي تفكر وتبتسم، كانت سعيدة للغاية ومن حماسها لم تستطع النوم، لأول مرة تشعر بهذه السعادة الغامرة وبأن الصداقة شيء ثمين.

انقلبت للجهة الأخرى وأغمضت عينيها لكنها سمعت صوتا غريبا في الغرفة، تمعنت معه جيدا فتكرر عدة مرات، إنه أشبه بصوت شخص يبكي بصمت ويحاول جاهدا كتم شهقاته التي تفجر صدره.

نهضت من مكانها بسرعة ووضعت يدها على رأس جيسو التي تعطيها ظهرها ثم حركت خصلاتها قليلا محاولة التخفيف عنها، فجأة نهضت جيسو وحدقت فيها بعينيها المبللتين بالدموع ثم عانقتها بحرارة وهي تبكي قائلة:

-«أشعر بالقهر، والدتي مخدوعة ولكن إن تكلمت فسأدمر عالمها المثالي وتتفكك عائلتي، لكن في حال لم أتكلم أيضا فسأشعر بذنب شديد يساورني لما تبقى من حياتي، ماذا أفعل روزي؟ أنا تائهة»


بقيت تبكي معانقة إياها لوقت طويل حتى هدأت ونامت، لكن هذا لم يزدها سوى حبا وتمسكا بروزي التي جعلتها تشعر بطعم الصداقة الحقيقية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الجمعة سبتمبر 08, 2023 8:21 am

رواية لهيب المودة : الفصل العاشر



اقتربت الامتحانات النهائية والتي تعرف بامتحانات التقديم الجامعي فاجتمع الطلاب في الصف والأستاذ يكلمهم قائلا:

-«بما أن السنة على وشك الانتهاء وأنتم على أبواب التقديم لامتحانات القبول الجامعي فعليكم اختيار رغباتكم الجامعية وتسليمها لي قبل الأجل المذكور في الوثيقة، ولا تنسوا، اختاروا بتمعن فهو مستقبلكم»

تم توزيع الوثيقة على الطلاب فأمسكتها جيسو وهي تفكر قائلة:

-«كالعادة أشعر أن والداي سيتوقعان مني اختيار كلية الطب، ما رأيك أنتِ روزي؟»

-«كنت أخطط لدراسة الأدب منذ زمن، تعرفين أنني تمنيت أن أصبح كاتبة وهذا الشيء سيساعدني»

-«اختيار جيد عزيزتي»

-«ماذا عن امتحانات التقديم الجامعي؟ هل درستِ لها جيدا؟»

-«هههه جيدا هي كلمة قليلة بحقي، لقد درست في وقت الدراسة ووقت النوم والأكل وحتى وقت فراغ فراغي، إنها لمهزلة أن لا أحصل على التخصص الذي يريده الوالدان الكريمان»

-«ههههه هذا مسلٍ، والداك لطيفان»

تغيرت ملامح جيسو للحزن فقالت روزي محاولة إصلاح الوضع:

-«أتريدين دراسة الطب حقا؟ إنه تخصص صعب وحسب علمي بك فهو لا يناسبك»

-«وماذا أفعل؟ علي فعل ما يطلبه والداي وإلا سيتم توبيخي»

-«لا أريد أن أشجعك على التمرد ولكن...هذه حياتك وعلى والديكِ تقبل أن لكِ قرارا في الأمور أيضا»

-«ههههه أتمنى لو يقتنعان بذلك، لكن من يهتم، أعتقد أن الطب مهنة جيدة وتدر الربح الكثير لذا علي أن أثق بقراراتهما»

-«ثقة عمياء؟»

-«بلى، ثقة عمياء جدا»

-«حسنا، والآن قولي لي، ما رأيك أن ندرس معا للامتحانات النهائية؟»

-«أوووه يشرفني ذلك»

-«حسنا، بعد انتهاء الدوام لنذهب للدراسة في مكتبة المدينة»

-«اتفقنا»

انتهى الدوام وأثناء طريق الفتاتين مرتا بجانب السينيما فتوقفت روزي عند لائحة الإعلانات تنظر لها وتفاجأت للحظة وشعرت بالحزن، ربتت جيسو على ظهرها وحاولت مواساتها فقالت روزي بحزن:

-«فيلم الصداقة والورد، هذا الفيلم تابعته آخر مرة مع صديقتي المقربة ولدي ذكريات سيئة حوله، حين أجد أنه تم عرضه مجددا أشعر بضيق في صدري وأتذكر كم كانت تنتابني مشاعر الثقة العمياء السخيفة، لا أريد رؤية هذا الشيء مجددا طوال حياتي»

أرادت المغادرة لكن جيسو سحبتها من ذراعها ونظرت لها بثقة وقالت:

-«دائما يمكن استبدال المشاعر السيئة بجيدة أليس كذلك؟»

-«ها؟! ما الذي تقصدينه؟»

-«حان الوقت لنفعلها، لنتخلص من كل ما يؤلم ونستبدله بذكريات جيدة، لندخل ونشاهد الفيلم معا ونصنع مشاعر جيدة تغطي المشاعر السلبية فالهروب للأبد لن ينفع في شيء»

تمعنت في وجهها لبعض الوقت وابتسمت وقالت:

-«سيعرض بعد ساعة من الآن، هل سننتظر كل هذا الوقت؟»

-«طبعا، صداقتنا تستحق الانتظار أم أنني مخطئة؟»

-«هههه بل محقة جدا»

-«هههه لنتجول قليلا ريثما يبدأ، هيا»

حان موعد مشاهدة الفيلم فدخلتا القاعة، كانت روزي مترددة قليلا لكن إمساك جيسو المستمر ليدها شجعها على البقاء والاستمرار، ومع بدء الفيلم شعرت بشجاعة أكبر وأمضت وقتا ممتعا للغاية وبالفعل ساعدها ذلك في تغطية الذكريات الحزينة بأخرى سعيدة.

بعد انتهاء الفيلم خرجتا من القاعة وهما تبتسمان فقالت روزي بحشرجة:

-«جيسو، حقا لا أعرف ماذا أقول...أنتِ حقا...»

-«روزي، لا تقولي شيئا، أستطيع فهم كل شيء دون أن تقوليه حتى»

ابتسمت روزي من هذا الكلام اللطيف ثم أخذتها وذهبتا نحو المكتبة للدراسة.

ساعتان كاملتان أمضتها الفتاتين في الخارج حتى حل الظلام فسارتا عبر طريق العودة للمنزل وهما تبتسمان، حينها قالت جيسو:

-«إن لم ينفجر رأسي بسبب هذا الكم الهائل من الدراسة فسينفجر بسبب إجبار والداي لي على الدراسة بعد العودة للمنزل أيضا»

-«هههه هذا كثير، قولي لهما درست بالفعل»

-«لن يصدقا، يظنان أنني ألهو»

-«ظنهما مرعب حقا»

-«حقا لا مفر، يبدو أنني سأجن»

-«على الأقل شاهدنا فيلما ممتعا و...»

فجأة صمتت روزي وتوقفت عن السير حين رأت أمامها شابا وفتاةً يقفان مقابلين لها وكانا هما الآخران ينظران لها مصدومين، تعجبت جيسو منهما ونظرت لروزي مجددا وقالت:

-«روزي، هل تعرفينهما؟»

لم تجب روزي لكن الشاب تكلم قائلا:

-«بارك روزي! أهلا أهلا، لم نتقابل منذ حوالي خمسة أشهر، كيف الحال؟»

وقالت الفتاة:

-«هههه يالها من مصادفة جميلة! لم أتوقع أن أقابلك هنا فمنزلك بعيد، لكن أهلا، مر زمن طويل، واو لقد صرتِ أجمل بكثير مما كنتِ، هل حقا لم تقومي بأية عمليات تجميل؟»

فقدت روزي القدرة على الكلام تماما أما جيسو فاحتارت ماذا تفعل، بدا لها أن الشخصين اللذين أمامها يشكلان ماضي روزي الذي كلمتها عنه، ويبدو أنها مصدومة لرؤيتهما معا لدرجة أنها لم تعرف ما تقوله.

انتظرت جيسو رد روزي لبعض الوقت ثم قالت:

-«أهلا وسهلا، يبدو أنكما تعرفان روزي، سررت جدا بمقابلتكما، من تكونان؟»

قالت الفتاة:

-«أنا كاشا، وهذا تشان، لنقل أننا أصدقاء قدامى لروزي»

-«أصدقاء قدامى، أوه جميل! سرني أن أتعرف على أصدقاء روزي، ربما سندعوكما لحفل الزفاف»

انصدم الاثنان واندهشت روزي، ثم أردفت جيسو:

-«أليس كذلك روزي؟ يجب أن ندعو أكبر عدد ممكن من أصدقائك بما أن والد زوجك ثري جدا وسيستأجر قاعة كبيرة ذات خمس نجوم»

بدا الاثنان غير مصدقين لما يجري فقال الشاب بتوتر:

-«روزي ستتزوج في هذا السن؟!»

-«ما الذي تقوله أنت؟ روزي ليست صغيرة، هي بالغة بالفعل وعن قريب ستصبح في التاسعة عشرة، كما أن خطيبها ثري وسيحقق كل أحلامها ويأخذها للعيش في الولايات المتحدة فلماذا ترفض هذا العرض المغري؟»

لم يزدهما هذا الكلام سوى صدمة فأردفت جيسو:

-«حقا روزي فتاة جميلة، بمجرد أن رآها ابن رجل الأعمال الثري وقع بحبها وفضل الزواج مباشرة، لقد رأى فيها فتاة أحلامه وأم أطفاله، ألا توافقانني الرأي؟ أنتما تعرفانها ولا بد أنكما تتفقان في أنها رائعة»

ارتبك كلاهما وكانا سيموتان من شدة الغيرة وهذا ما حمس جيسو أكثر، فجأة رن هاتف روزي فحملته ورأت المتصل وكان والدتها، فاستغلت جيسو الفرصة وقالت:

-«يا إلهي! تأخرنا، علينا الذهاب لرؤية فساتين الزفاف فزوج روزي يتصل، ستصلكما الدعوة بالبريد لذا أتمنى أن تحضرا، وداعا»

أخذت روزي وغادرت تاركة إياهما مصدومين وحين ابتعدتا توقفت روزي عن السير وقالت:

-«لقد انتقمتِ لأجلي! كان هذا...مبهرا»

-«هههه لا أظن أنه مميز، تتذكرين حين آذاني لاعب كرة السلة وانتقمتِ لي؟ ما فعلته لم يكن سوى ردا للجميل»

-«هههه حقا هذا مبهر، لم أتوقع يوما أن أحظى بصداقة حقيقية كهذه، شكرا جيسو»

-«ولا أنا، أظن أن صداقتنا تخطت الصداقة لتصبح أخوة»

-«هل هناك مرتبة أعلى من الأخوة؟»

فكرت جيسو لبعض الوقت ثم تحمست وقالت:

-«مودة»

-«هل المودة حقا أهم من الصداقة؟»

-«لا أعلم ههههه، لكن يبدو ذلك، لنسميها بلهيب المودة»

-«هههه لهيب المودة، أحببت، ما أجمل لهيب المودة الذي بيننا»

كان الحال هكذا مع جيسو وروزي، كانتا تبذلان جهدهما من أجل الامتحانات النهائية، لقد ساعدتا بعضهما في الدراسة وقضيتا وقتا مرحا ومسليا.

وصلت أيام الامتحانات وكانت كلاهما تشجع الأخرى، ورغم أن كلا منهما في قاعة ولكن حين تنهي إحداهما وتخرج تذهب مباشرة لتنتظر الأخرى أمام قاعتها وتدعمها، أحيانا تشعران بالحماس لأنهما أجابتا جيدا وأحيانا تشعران بالإحباط الشديد بسبب سوء الإجابة.

حتى أن جيسو ساعدت روزي في تصحيح روايتها التي تكتبها ووضعت لها خطوطا ودوائر عند أهم أخطائها لتتعلم منها، وبالفعل بذلت روزي جهدا للتعلم وتذكرت كل ما قالته لها جيسو لأنها حقا عزيزة على قلبها.

ذاك اليوم وبينما روزي في غرفتها تدرس لآخر امتحان فإذا بوالدتها تناديها لتناول العشاء، نزلت للأسفل فوجدت والدها يرتب الطاولة، ابتسمت من هذا المنظر فوالدها لطيف جدا مؤخرا ويحرص على عدم إتعاب زوجته وهي حامل.

تناولت العائلة الطعام ثم رن الهاتف الأرضي وكان على أحدهم أن يرد، ولأن الأب يخاف على زوجته نهض بنفسه ورد قائلا:

-«معكم منزل آل بارك هل من خدمة؟»

بقيت روزي تتناول طعامها بينما تستمع له ولم تفهم الموضوع برمته لكن بدا موضوعا مهما حيث سمعته يقول:

-«يا إلهي! لا أبدا لم تأتي عندنا، لا أملك أي فكرة حقا ولكن سأسأل روزي»

وضع الهاتف جانبا ثم نادى على روزي من بعيد:

-«صغيرتي، والدة جيسو على الهاتف، هل قابلتِ جيسو اليوم؟»

-«لم أرها منذ أنهينا الامتحان وعادت كل منا لمنزلها»

-«ألم تتصل بك؟ أو تراسلك؟»

-«لا، هل من خطب؟»

-«لقد هربت من المنزل وأهلها قلقون عليها، لم تظهر منذ ساعات لذا وجب البحث عنها»

انصدمت روزي من الأمر وقلقت كثيرا فركضت لغرفتها واتصلت بجيسو ولكن هاتفها مغلق للأسف، لم يكن بوسعها الصبر أكثر فركضت لمنزلها في ذلك الوقت المتأخر وفتحت والدتها الباب وكانت تبدو في حال مزرية فقد تعرضت لكدمات في وجهها وجرح في شفتها السفلى، حين رأت ذلك قالت:

-«سيدة كيم، هل كل شيء على ما يرام؟»

-«بلى، آسفة ظننتك جيسو، هل هي بخير؟ هل اتصلت بك؟»

-«حتى الآن لا، لكنني مستغربة، عادة تتصل بي أولا حين تكون هناك مشكلة، هل يمكنني معرفة ما سبب هروبها؟»

تنهدت بعمق ثم أشارت لروزي لتدخل، وحين دخلت كان المنزل في فوضى وبعض الأغراض مكسورة ومبعثرة في غير مكانها، أعادها ذلك بالزمن إلى عائلتها وما يحصل معهم، شكت أن للأمر علاقة بالخلافات العائلية ولكن لم تنطق بأي شيء حتى جلستا في الداخل.

قالت والدة جيسو:

-«حصل خلاف بسيط بيني وبين زوجي وجيسو هربت، هذا كل شيء»

-«بسيط؟! ماذا عن الفوضى والكدمات في وجهك؟»

-«لا علاقة لها، أنا كنت غاضبة وبعثرت الأغراض وبالنسبة لوجهي لقد خدشته بأظافري»

عرفت روزي أنها لا تريد الكلام عن حقيقة الأمر كونها تجرحها وبأنه بالتأكيد الأمر له علاقة بعشيقة زوجها الصغيرة في العمر، حينها أغلقت على الموضوع وقالت:

-«هل لديكِ أي أقارب يمكن أن تذهب إليهم جيسو؟»

-«لا، لقد انتقلنا لهذه المدينة وليس لدينا أي أقارب هنا، كما أن مدينتنا الأم بعيدة ولا أتوقع أن تعود جيسو إلى هناك»

-«أظن أنني أعرف مكانا تذهب له جيسو حين تكون غاضبة»

-«حقا؟! دليني عليه»

أخذتها نحو مكب القمامة الذي ذهبتا إليه آخر مرة فقد ظنت أنها ذهبت هناك لتفرغ غضبها من خلال تكسير الأشياء، كانت الساعة العاشرة ليلا آنذاك واضطرتا للبحث في الظلام ولم تعثرا على جيسو أبدا ولا على أي أثر لها.

عادت روزي للمنزل وسألت والدتها فأخبرتها أن جيسو لم تأتي بعد، حاولت الاتصال بها أيضا مرارا وتكرارا ودائما نفس النتيجة، بأن هاتفها مغلق.

زاد قلقها وصارت تطوف بالغرفة ذهابا وإيابا وما زادها خوفا كون صديقتها لم تأتي إليها رغم أنها أكثر من تلجأ إليها في ضيقها.

انتصف الليل وروزي تراقب عقارب الساعة بتوتر وهي تتحرك، مرت الدقائق والساعات وهي قلقة للغاية بل وكادت تتصل بوالدة جيسو لكن خافت من إزعاجها.

بينما تتقلب على السرير سمعت صوت طرق على الباب فانتفض قلبها، توقعت أنها جيسو فركضت نحو الباب غير مكترثة إلى أنه قد يكون لصا أو شخصا غريبا، نزلت عبر الدرج مسرعة ونفسها يكاد ينقطع وفتحت الباب فابتسمت حين رأت جيسو تقف على عتبته، لكن ابتسامتها لم تدم فقد سقطت على صديقتها فالتقطتها ولاحظت دماءً تقطر من ذراعها فأصيبت بالذعر.

سحبتها لتدخلها المنزل ووضعتها على الأرض فلاحظت أن شرايين معصمها ممزقة والدماء تقطر منها لذا صرخت بسرعة على والديها ليأتيها ويساعداها.

في المستشفى جاء والدا جيسو مسرعين بعد أن اتصلت بهما والدة روزي وانصدما حين عرفا بما حصل مع ابنتهما، وبسبب شعور الأب بالذنب الشديد غادر وترك الجميع هناك، أما والدتها فبقيت هناك تبكي بحرقة وهي تشاهد جسد جيسو المغمى عليه من كثرة فقدانها للدم.

كانت الساعة آنذاك الثالثة صباحا ففتحت جيسو عينيها ووجدت أن والدتها نائمة وكذلك والدي روزي نائمين على الكنبة في آخر الغرفة، وحتى حين نظرت لروزي بحد ذاتها وجدتها نائمة، نظرت لمعصمها المغلف بالضمادات ثم سارت وخرجت من الغرفة لتتجول في أروقة المستشفى.

انتبهت روزي لها فقد كانت تتظاهر أنها نائمة لذا لحقت بها حتى رأتها تقف على البلكونة وتنظر للخارج فذهبت وأمسكتها قبل أن تنتحر مجددا وقالت:

-«لا تتصرفي بغباء مجددا»

-«لا عليك، لا أفكر بالانتحار، أعتقد أنني تجاوزت الأمر»

-«ماذا حصل؟ قلقنا عليكِ جميعا»

-«حصل الذي كنت خائفة منه، والدتي اكتشفت علاقة والدي وتشاجرا وحطما المنزل، لا بل وعنفها وقرر تطليقها»

-«يا إلهي! وماذا كانت ردة فعلها؟»

-«لا أعلم، بدا أنها مصدومة، لحد اللحظة لم أرى رد فعل محدد لها»

-«مصدومة!»

تذكرت روزي كل تلك المرات التي كانت فيها تعاني من الصدمة العاطفية والإنكار، لم تكن تستطيع التعبير عن أي شيء بل كانت تحتجز الألم في داخلها وهو يتطور باستمرار حتى كاد يكسر ظهرها، لذا قالت بينما تمسك يد جيسو:

-«قفي مع والدتك، تتذكرين وقوفك المستمر معي والتصاقك بي رغم أنني أتهرب منك؟ افعلي نفس الشيء ولا تتركيها مطلقا فلا بد أنها الآن تعاني كثيرا من الداخل»

-«أود ذلك، ولكن هل أملك القدرة؟»

-«إن لم تملكيها فأنا من ستعطيها لك»

لم تبتسم جيسو قط كالعادة ورفعت يدها ونظرت لمعصمها المضمد وقالت:

-«لماذا انهار عالمي فجأة؟ قبل أشهر كان كل شيء بخير، أشعر أنني لن أتقبل الأمر أبدل»

-«لا بأس جيسو، حقا كل شيء سيمر، لا تحاولي الانتحار مجددا فأنا لا شيء من دونك، سأساندك وأعطيكِ القوة التي تحتاجينها وبالنسبة لوالديك فلا تقلقي، كل شيء سيكون بخير وسيتصالحان»

-«لا أعلم، هل يمكنك العودة لشخص خانك؟»

صمتت روزي وفهمت على الفور أنها يائسة من استرجاع والديها لذا عانقتها فحسب، بدت جيسو وقتها غريبة للغاية ومخيفة، كانت يائسة تماما من كل شيء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الجمعة سبتمبر 08, 2023 8:22 am

رواية لهيب المودة : الفصل الحادي عشر



بسبب المشاكل التي حصلت في منزل جيسو من شجار لوالديها ومحاولة انتحارها لم تستطع القدوم للامتحان الأخير الخاص بالتقدم الجامعي، لكن روزي ذهبت وأجرت الامتحان وهي متعبة بسبب القلق وقلة النوم ومازالت لا تدري ماذا تفعل مع جيسو فهي خائفة عليها للغاية.

بعد انتهاء الامتحان عادت للبيت وأعدت حلوى على شكل قلوب ثم أخذتها للمستشفى لتعطيها لجيسو لعلها تتحسن.

وصلت لغرفتها وطرقت الباب فوجدتها جالسة على سريرها تضم ساقيها مطأطئة الرأس لا تكترث لأي شيء ولا حتى لقدوم صديقتها المقربة، وبينما تنظر  لها رأت نفسها القديمة المكتئبة التي لا تكترث لأي شيء ولا تبتسم ولا تستطيع التقدم خطوة واحدة في حياتها مع كل الضغوطات التي تعانيها، هذا جعلها تتمسك بجيسو أكثر فتقدمت منها وهي تبتسم وقالت بسعادة:

-«جيسو! مساء الخير، كيف حالك؟ مؤسف أنكِ لم تكوني هناك لتشجعيني في الامتحان، كان مملا من دونك وأظن أنني لم أبلي حسنا، كله خطؤك»

رفعت جيسو رأسها نحوها وقالت ببرود:

-«بالنسبة لي لدي سبب للتغيب ويمكنني إعادة الامتحان، لكن ماذا عنك؟ قلقك السخيف علي لن يضيع سوى حياتك لذا لا تقلقي علي»

انزعجت روزي من كلامها الذي يبدو حادا ولكنها أعطتها علبة الحلوى وهي تبتسم، لكن رغم ذلك استلمت جيسو العلبة ووضعتها جانبا وقالت:

-«لست جائعة»

-«أوه هيا! لا يمكنك أن تتصرفي هكذا، كل شيء سيكون بخير»

-«لا شيء بخير، لا تكذبي علي، والداي سيتطلقان»

-«وماذا في ذلك؟»

-«ماذا في ذلك؟! هل تتذكرين أنكِ هددتِ والديك بالانتحار حينما حاولا الطلاق؟ هل علي حقا تقبل الأمر بينما حينما وُضعتِ في نفس موقفي لم تستطيعي تقبله؟ هذا سخيف روزي، ربما علي تهديدهما بالانتحار مثلك؟ لكن ماذا لو نجح الأمر ومت؟ هل سيُصلح ذلك الأمر؟ لا تكوني غبية، تعلمين أن الوضع أكثر من معقد»

-«لكن قلتِ أنكِ تثقين بقرارات والديك ثقة عمياء، عليك الثقة بأن هذا أفضل لهما»

-«أتمنى أن يتطلق والديك لتفهمي أيضا كم أن قرار الانفصال أفضل لهما»

حال جيسو الغريب أخاف روزي للغاية ولم تجد ما تقوله، وبينما تفكر في حل للمعضلة وتحاول عذرها على كلامها الوقح دخلت وونيونغ القاعة بعد أن جاءت لتسأل عن حال جيسو.

حين رأتها روزي ابتعدت قليلا وأفسحت لها المكان لتكلم صديقتها قائلة:

-«أوه جيسو! يال حالك المزرية! كيف أمكنك أن تسمحي لنفسك بالوصول لهذه النقطة! والدتك أخبرتني بالأمر وطلبت مني أن أقف معك»

-«شكرا لك»

أحضرت لكِ الطعام فلا بد أنكِ حائعة»

-«شكرا»

أخذت منها علبة الطعام وتناولت منها فانزعجت روزي من هذا التصرف، فهي حتى لم تفتح علبتها ولم ترى ما بداخلها، رغم ذلك حاولت التصرف باعتيادية فهذا ليس وقت الغيرة والتدقيق.


عادت جيسو للمنزل مع والديها بعد أن تحسنت صحتها وكانا ما يزالان متخاصمين ويكرهان بعضهما للغاية، وضعت حقيبتها في الصالون ثم جلس ثلاثتهم يتحدثون، فابتدأ الأب قائلا:

-«عزيزتي جيسو، لا نريد أن يتكرر ما حصل قبل أيام»

ثم قالت والدتها:

-«نحن نعتقد أنه من الأفضل لنا أن نحل مشاكلنا بهدوء، والطريقة الوحيدة لحل مشاكلنا هي بالانفصال»

-«نعم لقد قررنا ذلك، لا نريد أذيتك، عليك تفهم أن علاقتنا بك لن تتأثر مطلقا، سنبقى والديك المحبين والداعمين للأبد، نعدك»

-«ستقابليننا دائما وتبقين ابنتنا العزيزة، ومؤكد أن كلا منا سيجد السعادة في مكان آخر»

قطبت جيسو حاجبيها وقالت ببرود:

-«ولماذا تخبرانني بذلك؟ تريدان الطلاق؟ لا علاقة لي، تطلقا أو افعلا م يحلو لكما، لا أهتم، وكأن الأمر له علاقة بي»

ضربت الأريكة بقدميها ثم توجهت نحو غرفتها وضربت الباب بقوة، جلست على سريرها ثم بدأت تبكي بحرقة، كان ذلك يمزقها ولكنها تتظاهر بعدم الاكتراث.

في ذلك الوقت كانت روزي تحاول مراسلتها ومواساتها لكن الأخرى ترى الإشعارات وتتجاهلها، لم تكن لديها طاقة حتى لمواجهة صديقتها المفضلة.



مرت الأيام وبالفعل تطلق والدا جيسو وبقيت تعيش مع والدتها في منزل للكراء ووالدتها تعمل لتعيلها، لكن المشكلة الأكبر هي أنه بسبب تلك الأزمة العاطفية الصعبة التي مرت بها والدتها كتمت الكثير من الخيبة والألم والحزن لدرجة أنها أثرت على صحتها النفسية وكادت تدخلها في حالة اكتئاب حاد، وبسبب ذلك أصبحت تتعاطى الكحول باستمرار وهذا أثر نسبيا على تركيزها في العمل وحياتها الخاصة.

حتى أنها تحولت لشخصية غريبة وصارت بعيدة عن ابنتها التي هي بحد ذاتها تعاني من وقت عصيب ولا تجد الدعم من أحد.

كانت روزي تحاول مراسلة جيسو باستمرار لتطمئن عليها لكن الأخرى لا ترد كثيرا ولا تكترث لأي شيء، حتى أنها لا تعرف عنوان منزلها بعد أن انتقلت مع والدتها، كانت فحسب تحاول التواصل معها والأخرى تتجاهلها دون سبب.

وضعت روزي الهاتف جانب وقالت بإحباط:

-«أعلم أنها تمر بوقت عصيب لدرجة أنها لا تقوى حتى على محادثتي ولكن لماذا لا تطلب مني مساعدتها؟ أعني أنا هنا في الخدمة، ربما وقوفي بجانبها سيجعل حالها أفضل»

خرجت للتنزه قليلا والتفكير ولكن وردها اتصال من والدها وعندما حملت الهاتف وردت وصلها خبر مفرح للغاية:

-«روزي بنيتي، والدتك في المستشفى وعلى وشك الإنجاب»

من هناك ركضت مباشرة للمستشفى وهي متحمسة ومتوترة في نفس الوقت، وحين وصلت أدركت أن كل شيء قد تم على ما يرام وأن والدتها أنجبت أختها الصغيرة ووجدت والدها ينتظر خارج غرفة العمليات وهو سعيد.

بعد أن تم نقل والدة روزي لغرفتها سمحوا لأبيها وابنتها بالدخول لرؤية الأم والمولودة الجديدة وكانت الطفلة في قمة اللطافة والجمال، قالت روزي بينما تمسك بيدها الصغيرة:

-«ما أجملها! ناعمة وصغيرة»

-«ههههه لكن هذه الصغيرة جعلتني أعاني حتى خرجت»

ثم قال الأب:

-«ترى ماذا سميتِها؟»

-«لم أسمها بعد، ظننت أنه من الأفضل لنا الاتفاق على اسم»

-«بالنسبة لي أظن أنه من الرائع أن تقوم روزي بتسميتها، ربما مرت بوقت صعب بسببنا وكل شيء عاد لطبيعته بسبب هذه الطفلة، لذا من الأفضل أن تختار هي اسمها»

-«هههه موافقة»

شعرت روزي بفرح شديد من هذا الأمر وفكرت لبعض الوقت ثم ابتسمت وقالت:

-«جيسو، لنسميها جيسو»

فرح الوالدان بهذا الاسم كثيرا ووافقا عليه، وبالفعل تمت تسميتها بهذا الاسم الذي يجعل روزي سعيدة وحزينة في نفس الوقت.

في الحين الذي كانت حياة جيسو تتدمر يوما بعد يوم كانت حياة روزي تتحسن للأفضل، لقد أصبحت عائلتها عائلة متماسكة وقوية وسادت المودة والاحترام بينهم.

لكن الأمور لم تنتهي هنا، فقد تم إعلان نتائج الامتحانات النهائية فركصت روزي للثانوية لتعرف، وبالفعل رأت اسمها في قائمة المتفوقين وقد تم قبولها في كلية الأدب وأفرحها ذلك للغاية.

بعد أن سمعت ذلك الخبر المفرح بحثت أيضا عن اسم جيسو ولكنها تفاجأت حين لم تعثر عليه في قائمة الناجحين، هذا جعلها تحزن للغاية.

انتظرت أمام الثانوية لساعات لعل جيسو تأتي لتراها لكنها لم تأتي، حملت هاتفها لتكلمها بالرسائل لكنها رأت المحادثات السابقة، لقد أرسلت لها أكثر من عشرين رسالة بالفعل ولكنها لم ترد على أي منها رغم أنها رأتها جميعها.

بينما هي محبطة جاءت وونيونغ ووقفت بجانبها تتفقد القائمة هي وصديقتها وعندما رأيتا اسمهما صارتا تقفزان من الفرح، وبسبب حركتهما تلك انتبهت لهما روزي فقررت الكلام مع وونيونغ قائلة:

-«وونيونغ»

-«أهلا روزي»

-«أولا مبارك لك، ثانيا آسفة لو أزعجك سؤالي لكن بما أنكِ صديقة جيسو فهل تعرفين أي شيء عنها؟»

-«أنتِ أيضا تكونين صديقتها صحيح؟»

-«بلى، كنا في صف واحد»

-«ولم تخبرك أنها انتقلت؟»

-«أخبرتني ولكن لم تخبرني إلى أين ستذهب»

-«ترى هل يعني هذا أنها تريد قطع علاقتها معك؟»

انصدمت روزي من هذه الإجابة المؤذية ورغم ذلك واصلت تمسكها بجيسو وقالت:

-«لا تكوني سخيفة، جيسو تمر بوقت صعب فحسب، لا يهم إن لم ترد مني زيارتها ولكن أتمنى أنها بخير»

-«يؤسفني أن أخبرك أنها ليست بخير، حالها تسوء يوما بعد يوم»

-«هل تتواصلين معها؟»

-«أجل، أعرف منزلها»

كان من المزعج سماع أن جيسو أعطت عنوان منزلها لوونيونغ ولم تعطه لها، ورغم ذلك لم ترد إساءة الحكم لذا قالت بهدوء:

-«أريد زيارتها، أعطني العنوان لو سمحتِ»

-«حسنا، لكن أيًا ما حصل لاحقا لا تقولي أنني من فعلت»

-«حسنا»


توجهت روزي للعنوان المكتوب في الورقة فوجدتها تعيش في حي بسيط وقديم ويبدو أن أسعار الإيجار هناك أرخص ما يكون، تجولت في المكان حتى عثرت على المنزل المقصود فرنت الجرس وهي متوترة لحد الارتجاف، انتظرت لبعض الوقت حتى فتحت والدة جيسو الباب لكن الصدمة أنها كانت غريبة جدا، كانت نحيلة للغاية ولديها هالات سوداء حول عينيها ويبدو أنها تمر بوقت عصيب.

قالت روزي وهي مصدومة:

-«سيدة كيم!»

-«لم أعد سيدة، أهلا روزي، سعيدة برؤيتك مجددا، تفضلي»

دخلت أولا ولحقتها روزي وهي تنظر للمنزل من حولها، كان الوضع مخيفا هناك، إنه متسخ للغاية وغير مرتب وهناك عبوات كحول في كل مكان، كان هناك غرفة مغلقة بقربهما فنادت والدة جيسو:

-«جيسو، لن تحزري من أتى لأجلك»

ردت جيسو بصراخ:

-«لا أكترث»

-«فتاة وقحة، ستكونين أنتِ النادمة»

نظرتا لبعضهما ثم قالت روزي:

-«لا بأس، أنا سأذهب لها»

-«كوني حذرة فهي تكره التطفل»

تقدمت روزي من الباب وتنهدت بعمق ثم طرقته ودخلت، وبالفعل ما إن خطت خطوة واحدة حتى صرخت عليها جيسو:

-«قلت أنني أكره من يدخل غرفتي...»

صمتت حين أدركت أنها روزي ثم قالت:

-«روزي! أهي حقا أنتِ؟»

ابتسمت روزي وقالت:

-«بلى، إنها أنا»

لم يكن رد فعل جيسو مثيرا للاهتمام حتى فقد اكتفت بالنظر لها حتى اقتربت منها روزي بنفسها وعانقتها قائلة:

-«اشتقت لكِ كثيرا، سعيدة أننا التقينا اليوم»

-«أشكرك، سعيدة أيضا»

-«لماذا لا تردين على رسائلي؟ ظننت أن مكروها أصابك»

-«أخبريني الحقيقة، من دلك على منزلي؟»

حزنت روزي لسماع ذلك وقالت:

-«هل مجيئي فيه إزعاج لك؟»

-«ليس تماما، لكنني أحتاج البقاء وحدي وقطع علاقتي مع الجميع»

-«لكن لماذا؟»

-«هكذا، لا أريد مقابلة أحد، تفهميني رجاءً»

-«ماذا عن وونيونغ؟ علاقتك معها لازالت نفسها، لماذا أشعر أن الأمر شخصي؟»

-«إذًا هي من دلك على منزلي»

-«أجل أعترف، هي من دلتني، لكن استغربت من حقيقة أنها ما تزال بجانبك في حين تخلصتِ مني»

-«مبارك نجاحك في امتحانات الجامعة»

-«جيسو، هذا ليس موضوعنا، لا تغيري»

-«بل هو موضوعنا، كما تعلمين لقد رسبت وأنتِ نجحتِ، لهذا لست سعيدة»

-«أعلم أنكِ مستاءة بسبب رسوبك، لا يهم، مازلتِ تستطيعين تكرار الأمر والنجاح العاك القادم، سأدعمك»

-«لا، السبب هو غيرتي، شعرت بالغيرة حين نجحتِ أنتِ ورسبت أنا، هذا يعني أنكِ أفضل مني»

صدمت هذه الجملة روزي بالقدر الكافي الذي جعلها تتجمد مكانها، ثم أردفت جيسو:

-«حاولت أن أفكر أننا صديقتان مقربتان ولا يجب أن أغار منك، لكن من جهة...كل شيء يدل على أنكِ سرقتِ حياتي، لقد كانت حياتي مستقرة قبل مجيئك لكنها انقلبت فجأة، هذه الحياة التي أعيشها الآن كان من المفروض أن تكون حياتك، لقد نجحتِ وكان المفروض أنني أنا من نجحت، وقد عشتِ في أسرة سعيدة وكان المفروض أنني أنا من أعيش كذلك»

طوال كلامها كانت دموع روزي لا تتوقف عن الانهمار وبقيت تسمعها فحسب:

-«روزي، أعلم أن ما أفعله خاطئ ولكن لا أستطيع أن لا أحسدك، حياتك المثالية تلك كانت حياتي ذات يوم، والآن بعد أن دخلت بيننا مشاعر خبيثة أشعر أن علاقتنا لا يجب ن تستمر، الأصدقاء الحقيقيون يتمنون الخير لبعضهم أما أنا فلا»

ثم حملت هاتفها وعرضت لروزي الرسائل التي أرسلتها لها ثم قالت:

-«رقمك لم يعد مسجلا عندي حتى، هذا إن دل على شيء فيدل على أنني لم أعد أهتم منذ زمن، فقط حاولي نسيان كل شيء وامضي في حياتك قدما، لا فائدة من التمسك بخيط ضعيف، أليس كذلك روزي؟»

أومأت روزي برأسها أنْ نعم ثم خرجت من هناك بسرعة ودموعها تهطل بغزارة، كانت حزينة للغاية لذا توقفت في وسط الطريق وجثت أرضا تبكي بحرقة، تكررت ذكريات جيسو في ذاكرتها من أول يوم تقابلتا فيه إلى اليوم الحالي، تلك الفتاة ليست نفسها من قابلتها اليوم، الوضع أصبح مرعبا.

بعد عودتها للبيت رأت أختها الصغيرة المسماة جيسو نائمة في سريرها فأمسكت بيدها وقالت بهدوء:

-«أكثر ما أحزنني أنني لم أستطع إخبارها أنني سميت اسم أختي الصغيرة على اسمها، أردتها أن تكون مثلها، إنسانة مبتهجة، ودودة، لطيفة، مليئة بالأمل، تجيد المواساة وتستطيع تغيير نظرة أي شخص نحو الحياة، ببساطة أردتها أن تكون كصديقتي جيسو في كل شيء»

لم تتواصل روزي مع جيسو طوال تلك الفترة وشرعت في بدء حياتها من جديد، دخلت الجامعة وعاهدت نفسها على تحقيق حلمها الكبير والذي هو أن تصير كاتبة مشهورة، ولم تتوقف ولا للحظة عن الامتنان لجيسو فهي سبب ما هي عليه الآن، ورغم كلامها المؤذي والقاسي فهي لم تكرهها أبدا ولم تنساها، بل تمنت لها السعادة الأبدية وبقيت تتذكرها طول الوقت.

بعد أن تم قبول روزي في جامعة الأدب اضطرت للسفر بالقرب من هناك فالمنزل بعيد جدا، لذا اضطرت لاستئجار سكن جامعي مع فتاة أخرى لا تعرفها ولكنهما تقابلتا أثناء التسجيلات وبدت لها شخصا جيدا، وبالفعل تشاركتا في إيجار السكن وسار كل شيء تقريبا حسب الخطة.

الآن حياة روزي مستقيمة وهادئة، في النهار تبذل جهدها للدراسة، وفي الليل تنام أو تكتب روايتها وتتجول خارجا، وفي عطلة نهاية الأسبوع تعود للمنزل لرؤية عائلتها الهادئة اللطيفة، حياة كهذه لم تتوقع يوما أنها ستعيشها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الجمعة سبتمبر 08, 2023 8:28 am

رواية لهيب المودة : الفصل الثاني عشر



مرت الأيام بلمح البصر، روزي الآن طالبة في السنة الثالثة من التعليم الجامعي في كلية الأدب، كانت علاماتها أفضل ما يكون ولم يبقى لها سوى سنتين لتتخرج، لقد أصبحت في الواحد والعشرين من عمرها الآن وصارت شابة ذكية وهادئة واختلفت الأمور عما كانت عليه في السابق.

المحزن في الأمر أنها لحد اللحظة لم تكلم جيسو، لقد مرت سنتان وهما متخاصمتان، ورغم أنها تشتاق لها بشدة لكنها لم تستطع التواصل معها خوفا من ردة فعلها الحادة.

في مكتبة الجامعة جلست روزي تنجز بحثا عن مسرحيات ويليام شيكسبير من أجل الحصول على علامة إضافية من قبل الأستاذ، بحثت في عدة كتب وجمعت ما تحتاجه من معلومات ولم يبقَ سوى كتاب واحد موجود في أعلى الرف لم تستطع الوصول إليه.

حدقت بالكتاب للحظات ثم وقفت على رؤوس أصابعها ومدت يدها للأعلى وبالكاد لمست جزءا منه لكن لم تستطع الحصول عليه، حينها قالت بتذمر:

-«أكره كوني قصيرة»

نظرت من حولها فرأت الكرسي وذهبت لتحضره وتقف عليه من أجل الوصول للكتاب ولكن ما إن مشت خطوتين حتى رأت زميلا لها من الجامعة يدعى "وينهو" فقال لها:

-«هل تحتاجين مساعدة؟»

-«آه، أجل، الكتاب هناك بعيد جدا وأنا قصيرة»

-«بسيطة، سأحضره من أجلك»

أحضر لها الكتاب وقدمه لها فشكرته وذهبت لمكانها، حينها لحق بها وجلس بجانبها وقال:

-«واجب مادة فنون المسرح؟»

-«أجل، هل أنجزت واجبك أنت؟»

-«لا، ليس بعد»

-«وماذا تنتظر؟»

-«هههه لا أعلم، ربما أنتظر لآخر لحظة حتى أنجزه، الأمر معقد للشرح»

-«ههههههه كسول»

-«الجميع لديهم جانب كسول، ماذا عنك؟»

-«أعتقد أنني متحمسة أكثر من كوني كسولة، أحب اختصاص الأدب كثيرا ولا أطيق صبرا لأتخرج وأصبح كاتبة مشهورة»

-«جميل، أحسدك على حماسك»

-«هل قررت أن تقوم بواجباتك أم ليس بعد؟»

-«امممم حسنا، أعطني لأنقل عنك ههههه»

-«هذا استغلال»

-«ههههه أمزح أمزح، ساعديني قليلا فأنا أشعر بصداع»

-«ههههه حسنا سأساعدك»

قامت بمساعدته لبعض الوقت وعندما انتهيا من الواجب خرجا معا نحو قاعة المحاضرات فقال وينهو:

-«أخبريني، وآسف على التطفل، لماذا تقضين الوقت وحدك هنا بالجامعة؟ الجميع يشكلون مجموعات بينما أنتِ الوحيدة التي تدرسين وتتجولين وحدك»

-«كيف لاحظت ذلك؟!»

شعر بتوتر فأجابها وهو يفرك مؤخرة رأسه:

-«أنا دقيق الملاحظة نوعا ما هههههه، ليس هناك أي أمر شخصي فلا تقلقي ههههه، فقط أردت أن أعرف»

-«أوه حسنا، لنقل أنني انتهيت من الناس فعلا»

-«من الجميع؟ حتى مني؟»

-«هههه لا أعلم، لكن عموما أشعر أن الناس من حولي لم يعودوا يهمونني»

-«تحاولين أخذ حيزك الخاص؟»

-«نوعا ما، وأيضا من قد يتحمل شخصيتي؟ أشعر أنني ثقيلة نوعا ما وغريبة أطوار ولا يمكنني توقع أن يبقى معي أي شخص أو يعاملني بلطف»

-«هذا مؤلم، كما لو أن لديكِ صدمة سابقة»

ابتسمت له وقالت:

-«أتساءل ما الذي يجعلك تقف هنا معي وتحدثني عن الأمر؟ هل أنت مهتم بمعرفة شخصيتي الغامضة؟»

-«أجل كثيرا، وأجد أنكِ تضغطين على نفسك جدا، هناك أناس مهتمون لك ويريدون التعرف عليك وهم مستعدون لتحملك مهما يكن»

-«أحقا تظن ذلك؟»

-«أجل، فتاة بجمالك أعتقد أن لديها الكثير من المعجبين السريين أو الأشخاص الذين يريدون مصادقتها»

-«هههه وهل أنت واحد منهم؟»

-«حسنا أعترف، بلى، شخصيتك جذبتني كثيرا، لذا ربما يمكننا أن نصبح أصدقاء؟»

مد لها يده ليصافحها ولأول مرة منذ زمن طويل شعرت أن هناك نسخة أخرى من جيسو تقف أمامها، كانت ابتسامته عذبة وشخصيته لطيفة لذا جعلها ذلك تنجذب نحوه بطريقة غريبة، لذا صافحته وهي تبتسم وقالت:

-«يشرفني أن نصبح أصدقاء»

وصل اليوم الوطني لكوريا وحصلت روزي على إجازة أسبوع كامل لتعود لديارها وتقابل أسرتها، لقد كبرت أختها جيسو بالفعل وصارت في الثانية من عمرها وتتعلم المشيء، ووالداها حتى الآن يعيشان حياة لطيفة وهادئة.

رغم كل تلك السنوات من الفراق والمشاكل فقد قررت روزي في ذلك اليوم الذهاب لرؤية جيسو، رغم كل ما حصل فما تزال تشعر بالوفاء الشديد ناحيتها وتشتاق لها كثيرا، ورغم خوفها الشديد من أن تحصل على نفس الكلام مثل المرة الماضية لكنها ذهبت وطرقت باب منزلها ففتحت والدتها وقالت بسعادة:

-«روزي! أهلا عزيزتي، لم أقابلك منذ مدة، كيف حالك وحال والدتك؟»

-«بخير، شكرا لسؤالك سيدة كيم»

-«تفضلي بالدخول»

-«لا أريد إزعاجك، هل جيسو هنا؟»

-«لا للأسف، لقد خرجت مع رفاقها»

-«هذا مؤسف، أيمكنك إيصال رسالة لها؟»

-«طبعا، ما الرسالة؟»

-«قولي لها أن روزي تقول لك...سأنتظرك أمام السينيما لنشاهد فيلما معا، سأنتظرك قدر ما أستطيع، إن تمكنتِ من الحضور فسيسعدني ذلك، وإن لم تأتي فلا بأس أيضا، لن أغضب»

-«حسنا، أهذا كل شيء؟»

-«أجل»

ودعتها وسارت عبر الشارع حزينة وكانت متأكدة أنها لن تأتي أبدا، نظرت للمكان من حولها وكان مغطى بالأعلام في كل مكان، بما أنه احتفال اليوم الوطني فستكون هناك عروض كثيرة في الشارع، كما أن السينيما ستعرض برامج وأفلام وثائقية وطنية.

وصلت للسينيما ووقفت تطوف هناك ذهابا وإيابا بقلق، كان قلبها يدق كما لو أنها على وشك اتخاذ قرار مصيري في حياتها، مرت عشر دقائق، عشرون، نصف ساعة، أربعون دقيقة ولا أثر لجيسو.

نظرت لساعتها بتململ ثم جلست على الدرج مطأطئة الرأس حزينة تكلم نفسها قائلة:

-«سأنتظر طول اليوم لو اضطرني الأمر، أعد بذلك»

انتظرت حتى حل المساء وكانت تسمع أصوات احتفال صاخب في شارع قريب وهناك موكب فخم، لكنها لم تذهب ولم ترى الاحتفال مطلقا خوفا من أن تأتي جيسو ولا تجدها.

انتظرت حتى حل الظلام وبدأت تشعر بجوع شديد لكنها بقيت مكانها ولم تتحرك، ثم فكرت قائلة:

-«ربما يمكنني شراء وجبة خفيفة بينما أنتظر»

نظرت من حولها فوجدت بائع الأكل الخفيف يبيع الهوتدوغ فاشترت شطيرة، وبينما تنتظر وقفت أمام حائط الإعلانات ترى الأفلام التي ستعرض الليلة وطوال الأسبوع أيضا وقالت بينما تفكر:

-«فيلم رعب سيعرض بعد قليل؟ هذا سيء، لا أفضل أفلام الرعب، لكن سأرى بشأنه»

بينما تقرأ الإعلان وإذا بيدين تمتدان نحوها وتغلقان عينيها، ومن شدة صدمتها انتفض قلبها فزعا فأوقعت الهوتدوغ من يديها، ارتجف جسدها وتضاربت دقات قلبها مع تنفسها فوضعت يديها على يدي الشخص الذي يغمض عينيها وأحست أنهما يدا فتاة، بالكاد استطاعت لفظ اسمها واستدارت بهدوء وعينين دامعتين وحدقت بها لتجد أنها الشخص الذي كانت تنتظره منذ الصباح.

ابتسمت جيسو ابتسامتها اللطيفة القديمة بينما بقيت روزي تحدق بها بصدمة، فقالت جيسو:

-«أهلا، أتمنى أنني لم أتأخر، عدت للمنزل للتو وبمجرد أن وصلتني رسالتك شعرت بسعادة بالغة وأتيت راكضة»

لم تستطع روزي التحمل أكثر من ذلك فعانقتها وهي تبكي بحرقة قائلة:

-«ج ج ج جيسو...ج ج جيسو...لقد افتقدتك كثيرا، لقد ظننت أننا لن نعود أصدقاء طوال حياتنا، لقد ظننت أن حياتي توقفت عند تلك النقطة، كيف أمكنك أن تكوني قاسية هكذا وتفعلي كل ذلك بي؟ أكرهك أيتها الغبية أكرهك»

ابتسمت جيسو وبادلتها العناق ثم قالت:

-«كفى، لا تتصرفي كالأطفال الصغار، ها أنا ذا أمامك، وسأتمسك بك للأبد»

لم تستطع روزي التوقف عن البكاء لوقت طويل حتى أفرغت كل ذلك الألم والحزن والقهر الذي شعرت به طيلة تلك السنتين المؤلمتين وفي النهاية جلست الاثنتان بجانب السينيما تتناولان الآيسكريم الذي اشترته جيسو، وبينما تلعقه روزي قالت:

-«أفتقد الحلوى التي كنتِ تعدينها لأجلي»

-«أريد إعدادها لكِ مجددا لكنني للأسف لم أدخل المطبخ منذ سنوات»

-«لماذا؟! ألم تكوني تحبين الطبخ كثيرا؟»

-«كان في السابق، الآن لدي اهتمامات أخرى»

أخرجت من جيبها سيجارة وحين أرادت إشعالها صرخت روزي:

-«ما الذي تفعلينه؟! هل تدخنين؟»

-«أجل، منذ سنتين»

-«لكن...لماذا؟! لم تكوني تتصرفين هكذا في السابق!»

-«الإنسان يتغير وينضج يا روزي»

-«هذا ليس نضجا، هذا سيء للغاية»

-«وماذا عساي أفعل عزيزتي؟ تراكمت علي هموم الحياة ولا أعرف كيف أتخلص منها، السجائر تساعدني على الاسترخاء»

-«أرجوكِ قولي أن السجائر هي الشيء الوحيد الذي تتعاطينه الآن»

-«في الحقيقة...»

ترددت في الإجابة فقلقت روزي وقامت بإمساكها من ذراعيها وخضها لتستيقظ وقالت:

-«لا تتعاطين المخدرات أليس كذلك؟»

انفجرت جيسو ضاحكة وقالت:

-«أبدا، لماذا تظنين أنني سيئة لهذه الدرجة؟ أصلا هل يبدو شكلي كشكل متعاطية؟»

-«أبدا ههههههه، سعيدة أن الأمر لم يصل لهذا السوء»

سارتا في المدينة تتمشيان وتتحدثان فقالت روزي:

-«أخبريني عن حياتك وكيف تقضين الوقت؟ كيف علاقتك مع والديك؟ ماذا تدرسين الآن وفي أي جامعة؟»

-«واو هناك الكثير من الأسئلة حقا، لكنني سأجيبك، حياتي حاليا مملة، والدي تزوج حبيبته الصغيرة الآن ويعيشان سعيدين ولم أره بعدها مجددا و...»

قاطعتها روزي مصدومة:

-«حقا؟! والدك تزوج بهذه السرعة؟!»

-«بلى، لا بأس، تقبلت الأمر منذ زمن، تقبلت حتى أنه لم يعد يحبني وأنه أخلف وعده لي، لقد قال أن علاقتنا لن تتأثر وبأنه سيبقى على تواصل معي لكنه كذب علي»

-«هذا حقا...مريع»

-«لا تهتمي عزيزتي روزي، لدي والدتي»

-«كيف حالها؟ وكيف حياتك معها؟»

-«لنقل أنها لا بأس بها، لقد عانت من وقت عصيب وتحولت لمدمنة كحول في فترة ما، لكنها تتعافى والحمد لله»

-«فقط فكري بها وتوقفي عن تعاطي السجائر، ستغضب منك حين تعرف»

-«أنا أدخن أمامها»

-«ماذا؟!»

-«إنها لا تهتم، لم تعد نفس الأم الحازمة التي كانت عليها سابقا، لم تأنبني حتى حين رسبت في امتحان الجامعة مرتين»

-«ماذا؟! رسبتِ مرتين؟! كيف يمكنكِ الرسوب المرة الثانية أيضا!»

-«ههههه كنت غير مركزة، كما أنني رأيت مستقبلي في مكان آخر لذا توقفت»

-«كفى! كفى! ما كل هذه الصدمات التي أسمعها اليوم؟! هل أنتِ حقا جيسو التي أعرفها؟»

-«هههه قطعا لا، التي أمامك الآن هي جيسو المسترجلة»

-«مسترجلة! ماذا يعني ذلك؟»

-«لا أعرف هههههه، لكن أظن أنه يطلق على المرأة المتمردة»

-«ماذا؟!»

-«كما أخبرتك، وسأصبح زعيمة عصابة قريبا هههههههه»

-«ما الذي تقولينه؟! سأقتلك»

-«هههههههه أمازحك، كل هذا لأنني سعيدة للغاية، مقابلتي لكِ اليوم أسعدتني للغاية»

-«هل يمكنني معانقتك؟»

-«هههه طبعا»

عانقتها روزي بحرارة ثم قالت:

-«هل يمكنني سؤالك عن أمر مهم؟»

-«ما هو؟»

-«ما الذي حصل قبل سنتين؟ لماذا عاملتني بتلك الطريقة فجأة؟!»

صمتت جيسو لفترة ثم قالت ووجهها مقلوب:

-«لا أريد الكلام عن الموضوع، لقد انتهى أليس كذلك؟ نحن الآن صديقتان مجددا»

-«حسنا، آسفة»

صمتت جيسو وسارت وهي تبتسم بحماس وكانت تود قول شيء ما وتتراجع وفي النهاية قالت:

-«سأخبرك بسر، لكن لا تخبري أحدا»

-«طبعا، ومتى سربت كلامك؟»

-«الحقيقة، صديقتك واقعة بالحب»

-«ماذا؟! هل هو لاعب كرة سلة مجددا؟»

-«لا، أبدا، بل أفضل بكثير»

-«هل يعلم؟»

-«هههه أجل، بل وأنا مرتبطة»

-«مرتبطة؟! م م م م ماذا؟! ما هذه التغيرات المذهلة التي طرأت على حياتك؟»

-«ههههه أعلم، وهو شاب رائع، هل تريدين مقابلته؟»

-«بلى»

-«سأخرج اليوم مع رفاقي لذا تعالي معنا لأنه سيكون هناك»

-«ألن يكون مزعجا أن أدخل بينكم؟»

-«أبدا، سيسر بذلك، إنه يحب الرفاق الجدد وربما تصبحين أنتِ وهو صديقان»

-«حسنا إن كان كذلك فلا بأس، في أي ساعة سنذهب؟»

-«بعد العاشرة ليلا»

-«لكن...ألن يقلق والداك عليك لخروجك في وقت متأخر؟»

-«هههه روزي أنا لم أعد صغيرة، لا تقولي أن والديك يقلقان عليك حتى وأنتِ قي الجامعة»

لم ترد روزي قول الأمر لها لأنها قد تشعر بالغيرة وتحصل مشاكل بينهما مجددا لذا اكتفت بالصمت حتى قالت جيسو:

-«لنذهب ونتناول العشاء ريثما ننتظره، لديه أعمال مهمة سينجزها»

-«حسنا»


مر الوقت وهما تتناولان الطعام وتتحدثان عن الكثير من الأمور، وشعرت كلاهما بالسعادة بعد هذا اللقاء الطويل.

آنت العاشرة ليلا وكانت روزي بالفعل قد أخبرت والدتها أنها لن تعود مبكرا فهي مع جيسو ثم سارت الاثنتان عبر الشارع إلى مكان غريب وفارغ، حينها قالت روزي:

-«المكان هنا يبدو مخيفا، إلى أين سنذهب؟»

-«هششش صبرا، سترين»


أخذتها لمكان فارغ وأدخلتها حانة مليئة بالشباب غريبي الأطوار الذين يتعاطون الكحول ويقامرون، وبمجرد أن رأت ذلك شعرت بالخوف وأمسكت جيسو من ذراعها وهمست في أذنها:

-«ما الذي نفعله في هذا المكان القذر المليء بالقذرين؟»

-«لا تخافي، صاحب المكان هو حبيبي لذا لا يجرؤ أحد هنا على إزعاجي»

-«ماذا؟! ما الذي تقولينه؟!»

سحبتها من ذراعها معيدة إياها للخارج ثم أمسكتها من كتفيها وقالت بحدة:

-«جيسو! ما الذي تعنينه أن حبيبك صاحب المكان؟ هل تورطتِ بطريقة ما مع شخص سيء؟»

-«تورطت؟! لا أبدا، أنا وهو نتواعد عن قناعة، لم يهددني ولم يحصل أي توريط في الموضوع»

-«لكن...هو صاحب حانة!»

-«لكنه شخص رائع، لا علاقة لكونه صاحب حانة بعلاقتي العاطفية به»

-«مجنونة! ما الذي تقولينه؟! منذ متى كنتِ عمياء لهذه الدرجة؟!»

-«عمياء! كلامك لا يعجبني»

-«آسفة، لكن لا يمكنني الدخول هناك»

انزعجت جيسو من الأمر وقطبت حاجبيها ثم دخلت بمفردها، حاولت روزي الصراخ عليها من الخلف لكنها لم تعد وهذا ما جعلها تدخل خلفها قلقا عليها.

في الداخل سارت روزي بهدوء وهي خائفة وكان الرجال ينظرون لها بطريقة قذرة مما أقلقها، وصلت لآخر طاولة فرأت جيسو جالسة مع رجل ضخم ذو عضلات وجسده مغطى بالوشوم، عانقته ولفت ذراعها حول رقبته وبقيا يتحدثان لفترة وهما سعيدان، أحضر لهما النادل كوبين من الكحول فتدخلت روزي وأخذت كوب جيسو منها قبل أن تشرب منه وهذا أزعجها جدا فقامت من مكانها وقالت:

-«هل من خطب؟!»

-«الخطب هو أنتِ»

-«أوه كفى، لا تريدين الاحتفال لا تحتفلي، لا داعي لإزعاجي مفهوم؟»

-«جيسو لقد جننتِ، ما تفعلينه خاطئ، خاطئ للغاية، لا يفترض بك أن تكوني هنا، هذا المكان ليس مخصصا لك، أنتِ أوعى من ذلك»

-«وعلى ماذا حصلت حين كنت واعية ها؟ لا شيء مهم»

-«غير صحيح، بل حصلتِ على احترامي»

-«احترامك؟! ثم ماذا؟ توقفي عن محاولة تغييري روزي، أنا فتاة متمردة الآن ويعجبني ذلك، هذه طبيعتي وأنا سعيدة بها وأريد البقاء عليها، حين كنت فتاة هادئة ومهذبة ضاعت مني الكثير من الفرص والآن أريد تحقيق ما أردته بطريقتي»

اكتفت روزي من سماع ذلك وتمزق قلبها بما يكفي فقررت المغادرة غاضبة وترك النقاش إلى يوم آخر.



عدل سابقا من قبل بثينة علي في الخميس أكتوبر 05, 2023 5:01 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الخميس أكتوبر 05, 2023 5:00 pm

رواية لهيب المودة : الفصل الثالث عشر



في الصباح الباكر وقفت روزي أمام السينيما منتظرة جيسو التي أرسلت لطلبها بسرعة وبالفعل جاءت نحوها وكانت تبدو متعبة من كثرة سهرها وشربها للكحول.

كانت روزي متكئة على حائط السينيما وهي غاضبة تثني ذراعيها وعندما جاءت نظرت لها بغضب أكبر وقالت:

-«تريدين مني قتلك؟ ما قصة صاحب الحانة ذاك وما قصة تعاطيكِ للكحول ها؟ هل انتهى الرجال من العالم حتى قررتِ مواعدة شخص بتلك الصفات؟»

-«إنه ليس كما تظنين»

-«من أي جانب؟»

-«من كل الجوانب، إنه حنون ورقيق ويحبني ويفعل المستحيل لأجلي، حتى أنه يهديني كل الأشياء الغالية الثمن التي لا يمكنني شراؤ...»

-«مهلا مهلا! هل تواعدينه لأجل ماله؟»

-«لاااااا، لكن المال هو أحد متطلبات الحياة أليس كذلك؟»

-«لا أصدق! هل تمازحينني؟»

-«لا البتة، حقا هو شخص رائع وستغيرين نظرتك له في حال تعرفتِ عليه عن قرب»

-«يا فتاة ما الذي سيتغير مثلا؟ هل سأظن أن تلك الوشوم التي يضعها ألوات مائية وأن الكحول الذي يشربه عصير تفاح وأن الحانة التي دخلتها بالأمس مجرد أستوديو لتصوير فيلم؟ لا تتغابي، كل شيء واضح، والواضح أن عقلك به شيء لتتقبلي مدير حانة سكيرا يغطي جسمه بالوشوم، ما الشيء السيء الذي لم يفعله بعد ها؟»

حدقت بها روزي بحدة فتوترت ثم قالت بصدمة:

-«مهلا! أنتِ لم تفعلي معه أشياء قذرة صحيح؟ هذا هو الشيء الوحيد الذي تبقى»

-«لااااا مستحيل، هل تظنين أنني منحطة لتلك الدرجة؟»

-«لكنني أشعر أنه سيستدرجك عاطفيا حتى تفعلي أشياء لا ترغبين بها»

-«لماذا تظنين أنه سيء لتلك الدرجة؟»

-«لأنه حقا سيء لتلك الدرجة، تفهمي الأمر»

-«أتفهم قلقك علي عزيزتي لكنني لست فتاة صغيرة، أنا راشدة وأستخدم عقلي وأتحمل عواقب أفعالي»

-«متأكدة؟»

-«أوه كفى، غضبك غير مبرر ولا أريد أن نتشاجر مجددا

-«أنا أيضا لا أريد الشجار معك لذا اعقلي»

-«فقط أريدك أن تعطيه فرصة، سيثبت لك أنه شخص جيد»

نظرت نحوها بحدة وشك ثم تنهدت بعمق وقالت:

-«لا يبدو أنكِ ستتخلين عنه مهما قلت لذا سنرى»

-«رائع! لنخرج معه اليوم»

-«ليس لحانته صحيح؟»

-«أبدا، سأدعوكما على العشاء وتعارفا»

-«إذا كان كذلك فأنا موافقة»

في تلك الليلة ذهبت روزي للمطعم لتقابل جيسو وحبيبها على العشاء، وبالفعل وجدتهما قد سبقاها، رأتهما من بعيد يجلسان على طاولة واحدة وكانت جيسو ترتدي ملابس مكشوفة وتبين أنها تضع وشما على ذراعها الأيمن وهذه أول مرة تنتبه له روزي فعندما قابلتها المرات الماضية كانت ترتدي سترة خفيفة تغطيه ولم تتمكن من رؤيته، تقدمت منهما وجلست بعد أن ألقت التحية ثم قالت لجيسو:

-«وشم ها؟»

-«جميل أليس كذلك؟»

قطبت روزي حاجبيها وكان يبدو أنها غاضبة، تنحنح حبيب جيسو فقالت جيسو:

-«أوه أجل، أعرفكما على بعضكما، هذه روزي صديقتي المفضلة، وهذا دراغون، في الحقيقة دراغون اسمه المستعار هههههه لكن ناديه هكذا دوما فهو يحبه أكثر من اسمه الكوري»

لم تتغير ملامح وجه روزي مطلقا فهي ما تزال غاضبة، ورغم ذلك مدت يدها له وصافحته فقال:

-«كلمتني جيسو عنك، شخصيتك تبدو متحفظة جدا وغريبة»

-«تقصد أن علي أن أضع الوشوم وأدخن وأشرب الكحول وأخرج للملاهي لكي تراني طبيعية؟»

-«لم أقل ذلك، لكن لا يبدو أنكِ تفهمين معنى المرح»

-«المرح؟ وهل تفهمه أنت حتى؟»

-«أجل، المرح هو أن تفعل كل ما ترغب به دون الاكتراث لأي شيء»

-«دعني أنا أخبرك عن المرح من وجهة نظري، المرح هو مشاهدة فيلم مضحك مع صديق عزيز، صنع الحلوى لشخص تريد إسعاده، الهروب من المدرسة والتسلل لقطار ينقل البضائع، تحطيم الخردة للتنفيس عن الغضب، مراقبة الناس من المنظار وأشياء غير ذلك»

سماع ذلك جعل جيسو تشعر بالحزن فكل ما ذُكر من ذكرياتهما القديمة معا، أما دراغون فقد قال بعد أن سمع ذلك:

-«حسنا لن أناقشك، لكلٍ وجهة نظره الخاصة للحياة، لكن لا تكوني جادة كثيرا فهذا مضر لصحتك»

-«شكرا لنصيحتك التي لا أحتاجها، أنا جادة وحياتي تسير على نحو جيد»

عندما أدركت جيسو أن المحادثة ستؤول لمنحى سيء حاولت التدخل قائلة:

-«أنا جائعة، لنطلب الطعام»

رد عليها حبيبها:

-«أنا سأدفع لذا دعي الأمر لي عزيزتي»

نادى على النادل ثم قال:

-«أحضر لنا ألذ وأغلى الأطباق عندكم ونوع لي من كل شيء»

قطبت روزي حاجبيها فهي تعلم أنه يتظاهر، أما جيسو فابتسمت وبقيت تنظر له منبهرة بلطفه الذي لا يراه سواها.

أثناء تناولهم الطعام حاولوا أن يجدوا موضوعا للكلام فقالت جيسو:

-«أعتقد أن المدينة أصبحت ممتعة بعد عودتك لها روزي، متى ستغادرين؟»

-«بعد خمسة أيام، العطلة لم تنتهي بعد»

-«محزن للغاية، تمنيت البقاء معك أكثر»

-«يمكنك زيارتي في الجامعة»

-«المكان هناك بعيد»

قال دراغون:

-«يمكنني إيصالك بسيارتي عزيزتي، إن كنتِ تحبين صديقتك لتلك الدرجة فيجب أن تقابليها دائما»

-«أوه شكرا عزيزي، ما ألطفك!»

قبلته على خده ونظرت لروزي لكنها قطبت حاجبيها لها كي تفهم أنه من السخيف جدا تصديق كلامه.

انتهى العشاء على خير تقريبا فطلب دراغون ثلاث عبوات كحول وعندما وضعهم النادل على الطاولة تقززت روزي وقالت:

-«ما هذا؟!»

رد عليها دراغون قائلا:

-«نسيت أنكِ مملة، نحن لا ننهي عشاءً لنا بدون كحول، إن أحببتِ المشاركة شاركي أو غادري»

-«هل ستسمح لجيسو أن تشرب؟»

-«ولِمَ لا؟ إنها تحب الشرب معي»

-«هذا حقا...فظيع! أنت تجعلها تذهب للهاوية، أي نوع من الحب هو هذا؟»

-«لم أجبرها على شيء»

-«يال السخافة، لست بحاجة لتجبرها، بما أنها تحبك فستقلدك في أي شيء تفعله، والآن لنتحدث بجدية لأول مرة»

نهضت من كرسيها ووقفت عنده وقالت:

-«إن كنت تريد فتاة قذرة فواعد واحدة، لكن لا تواعد جيسو البريئة وتحولها لفتاة قذرة، أنت مريض»

حاولت جيسو تهدئتها ولكنها كانت غاصبة كفاية فنهض حبيب جيسو من مكانه وقال:

-«أقدر خوفك على صديقتك لكنها في أيدٍ أمينة فلا تقلقي»

-«أيدٍ أمينة! لا شك أنك مجنون، أين الأمان بالضبط؟»

-«إن كنتِ لا تريدين البقاء للشرب معنا فنحن أيضا لن نشرب، ارتحتِ الآن؟»

-«كثيرا»

خرج ثلاثتهم من المطعم وتوجهوا لموقف السيارات فتوقف دراغون أمام سيارته الفخمة الغالية الثمن وقال:

-«هل أوصلكما للمنزل؟»

ردت روزي بحدة:

-«لا شكرا»

ثم نظر لجيسو وقال:

-«عزيزتي، أتذهبين لمنزلي لنشرب؟»

ما كادت ترد عليه حتى سحبتها روزي وأخذتها مبتعدة وقالت:

-«هل نسيتِ أن لدينا ما نفعله الآن؟ هيا»

ابتعدتا عن المكان وبقيتا تتمشيان في الشارع فقالت روزي بعد أن تنهدت بعمق:

-«لا أصدق أنني وصلت لمرحلة أن أمنعك بقوة من فعل أشياء سيئة، هل حقا ترينه شخصا جيدا أم أنكِ تمازحينني؟»

-«أمازحك»

-«حقا؟!»

-«ههههه لا، المشكلة أنني لا أفهم لماذا تهاجمينه مباشرة، هذا أمر مزعج، على الأقل اصبري حتى تري منه تصرفات سيئة ثم هاجميه»

-«أوه يا إلهي! لا فائدة حقا، عديني بشيء واحد، بأن لا تذهبي لمنزله مهما حاول إقناعك»

-«حسنا أعدك»

-«ممتاز، هكذا لن أقلق أكثر»

كانت العطلة تمر بشكل مرعب بالنسبة لروزي فقد كانت قلقة جدا من أن تقع جيسو في مشكلة مع ذاك الشخص السيء، لقد واصلت مراقبتها طول الوقت وبقيت تراسلها حتى تتفقد أحوالها كل عدة ساعات وتتأكد من أنها لم تذهب معه لمكان فارغ، كما وكانتا تخرجان معا من حين لآخر وتتحدثان وأغلب الوقت ينتهي الأمر بشجار.

عادت روزي للجامعة للمداومة ورغم ذلك ما يزال بالها مشغولا على جيسو، فبينما هي في الكافيتيريا تأكل توقفت قليلا وحدقت بطبقها بشرود حتى جاء وينهو وجلس معها في نفس الطاولة فانتفضت من الفزع وقالت بصوت مهتز:

-«أخفتني!»

-«أعتذر، كنتِ شاردة جدا ورغم أنني كنت حذرا لكن حصل ما حصل»

حدقت به بشرود ثم وضعت رأسها على الطاولة بحزن، بعد أن رآها الآخر تفعل ذلك قال بتوتر:

-«إذًا...كيف حالك؟»

-«بخير»

-«حقا حقا؟»

-«أجل»

-«امممم حسنا»

هم بتناول طعامه ومن حين لآخر يحدق بها وهي منكبة على وجهها ويساوره القلق، وبعد لحظات قال بهدوء:

-«قد يبدو الأمر سخيفا...وقد يبدو مزعجا...وربما لسنا أصدقاء مقربين لتلك الدرجة فنحن لا نتكلم كثيرا بسبب انشغالنا بالدراسة...لكن أريد معرفة ما يضايقك، ربما تشعرين بتحسن لو شاركتِ جزءا من حياتك»

رفعت رأسها بسرعة ونظرت نحوه بنظرة باردة جدا فأخافته وقال بتوتر:

-«آسف، أعلم أنكِ لا تحبين تدخل الناس في حياتك، حسنا سأصمت، لن أكون فضوليا بعد الآن»

من شدة توتره لم يستطع إنهاء طعامه فغادر مسرعا بعد أن استأذن، أما هي فبقيت تراقبه وهو يغادر وابتسمت تلقائيا وقالت:

-«لطيف! حركاته لطيفة»

مرت أيام وروزي قلقة جدا من ما ستؤول إليه الأوضاع مع جيسو وحبيبها السيء، إلى أن وفي يوم من الأيام وبينما تتجول في الجامعة فإذا باتصال يردها من جيسو، ردت عليها وقالت:

-«جيسو! أهلا، كنت أفكر فيك للتو وكنت سأتصل»

-«كاذبة، أنا دوما من تتصل هههه»

-«لاااا حقا الأمر أنني حاليا في الجامعة ولدي محاضرة بعد عشر دقائق وتعلمين أنني أحب الكلام معك بالساعات لذا لن يكفيني الوقت»

-«أوووه يال الأسف، كنت متشوقة لمقابلتك»

-«ماذا؟! كيف؟!»

-«أنا هنا، في جامعتك»

-«مهلا! أين بالضبط؟!»

-«حقا لا أعرف ههههه، المكان واسع جدا»

-«ما الذي ترينه حولك؟»

-«حائط ضخم على شكل كتاب عملاق»

-«أوه أنتِ قريبة مني»

توجهت نحو مجسم الكتاب وهي تنظر من حولها ولم تجدها ثم قالت:

-«أين؟!»

-«لا أعلم بالضبط ولكنني هناك»

-«ربما في الجهة الأخرى»

توجهت نحو حافة المجسم وأحنت رأسها بهدوء لتنظر للجهة الأخرى فتفاجأت بجيسو في وجهها تفعل نفس الشيء باحثة عنها، في البداية ارتعبت كلاهما ولكن لاحقا انفجرتا من الضحك.

جلستا جانبا تتحدثان في حديقة الجامعة فهما سعيدتان للغاية لأنهما لم تلتقيا منذ شهر فقالت جيسو:

-«مازلت أريد البقاء معك لفترة أطول ولا أعرف كيف، لذا أتيت»

-«بالحافلة؟»

-«لا، حبيبي أوصلني»

حين سمعت روزي ذلك قطبت حاجبيها ثم تنهدت بقلة حيلة وقالت:

-«لا بد أنه في الجوار ينتظرك»

-«لا، لقد عاد لدياره، أنا طلبت منه تركي هنا وسألحق به لاحقا»

-«لكن...كيف ستعودين؟»

-«أعود؟! ألا يزال الوقت مبكرا على العودة؟ وصلت للتو، ثم لا تبدين سعيدة برؤيتي»

-«بل سعيدة للغاية»

-«كوني سعيدة أكثر إذًا لأنني قررت، سأبيت عندك لعدة أيام»

انفجرت روزي من السعادة وعانقتها ثم أمسكتا بيدي بعضهما وقالت روزي:

-«يا إلهي! كم هذا لطيف! سنستعيد ذكرياتنا معا حين كنا ننام في غرفة واحدة ونتسلى»

-«ههههه أجل أجل، أريني شقتك بعد انتهاء محاضرتك»

-«أوه على ذكر ذلك...لا أعتقد أنني سأحضرها»

-«لماذا؟!»

-«ههههه هل تتذكرين أيام الثانوية؟ سأهرب لأجلك اليوم أيضا»

-«لااااا، هذا سيء، لا أريد تدمير مشوارك الدراسي فقط لأجل البقاء معي»

-«لا تقلقي فهي محاضرة جانبية، سأحضر دفتر وينهو لاحقا وأكتب الدرس»

-«هههه وينهو ها؟! من يكون؟ حدثيني عنه»

-«أعلم بما تفكرين ولا تفكري في ذلك أصلا فنحن مجرد أصدقاء»

-«ههههه لم أقل شيئا، أنتِ تهيأ لكِ ذلك»


شدتها من ذراعها وأخذتها للسكن حيث تعيش وحدها في غرفة صغيرة لا يتواجد بها سوى حمام ومطبخ صغيرين وقالت:

-«أعرفك على غرفتي»

-«جميل! أحببتها، تذكرني بغرفتي الصغيرة، هل هي مريحة لك؟»

-«أجل، أنها هادئة ومُلهمة، هنا قضيت سنتين من عمري وتعلمت كيف أضبط نفسي وأمضي قدما بمفردي، وهنا أيضا كتبت روايتي الثانية والثالثة»

-«ثلاث مؤلفات! أين كنت عن كل ذلك؟»

-«كنتِ قد تخليتِ عني»

نظرت الاثنتان لبعضهما وقالت روزي بهدوء:

-«مازلت أريد معرفة ما حدث وبشدة، هل تريدين إخباري أم ليس بعد؟»

توترت جيسو وفركت مؤخرة رأسها وقالت:

-«ليس بعد، ولا أعتقد أنكِ ستعرفين»

-«لكن...تلك الفترة الصعبة من حياتك، ألم تفكري أنني لو كنت بجانبكِ لتجاوزتِ الأمر؟»

-«لا...أقصد لا أعلم...أقصد ربما...حقا لا أريد الكلام عن الموضوع، ألن تسمحي لي بقراءة أعمالك الجديدة؟»

نظرت لها روزي بانزعاج رافعة أحد حاجبيها فحاولت تغيير الموضوع بطريقة ذكية:

-«أوووه هيا، أنا واحدة من معجباتك أيتها الكاتبة المميزة، اجعليني أولى من تقرأ أعمالك هيا»

-«أوووه حسنا»

-«لا توجد بها أخطاء إملائية صحيح؟»

-«ههههه لا أيتها الغبية، لقد درست الإملاء جيدا، بفضلك والآن أنا ممتازة فيه، وكلما كتبت أي حرف تذكرتك، لقد كنتِ موجودة في كل كلمة أكتبها، أجل أنا أفتقدك لتلك الدرجة»

تأثرت جيسو بكلامها وشعرت بندم شديد فما حصل تلك الأيام كان قاسيا حقا وهو سر يجب أن تخفيه جيسو للأبد، توجهت روزي لرف الكتب وأخرجت دفترين اثنين ثم قدمتهما لجيسو وقالت:

-«يجب أن تدفعي مقابل هذه الخدمة»

-«هههههه لا بأس، سأدعوك على العشاء اليوم كثمن لخدمتك هذه»



في تلك الليلة اشترت جيسو شطائر البرغر للعشاء وبينما تتناولانه في شقة روزي طرق أحدهم الباب، ذهبت روزي لتفتح فوجدته وينهو فتوتر وابتسم وقال:

-«مساء الخير، آسف لتطفلي ولكن...لم تحضري هذا المساء فقلقت عليك، هل أنتِ بخير؟»

-«أهلا وينهو، أجل أنا بخير، كان لدي شيء أفعله فغادرت»

-«أعلم أنه ما من داعٍ ولكن كان عليك إخباري لكي لا أقلق»

ثم توتر أكثر وقال ببعض من التأتأة:

-«أقصد لا يهم، لا شيء مهم بيننا فلا يجب أن أتصرف هكذا وأطالبك بتبرير لكل ما تفعلينه»

-«ههه وينهو، دائما تعاملني كما لو أننا لسنا أصدقاء، بالطبع علي أن أبرر لك لكي لا تقلق، آسفة معك حق ولن أكرر الأمر المرة القادمة»

فاجأتهما جيسو بالظهور بسرعة فأفزعتهما وقالت بصوت حماسي:

-«أهلا! من هنا يا ترى؟ شخص قلق على روزي؟ ههههه يال اللطافة»

شعر وينهو بالخجل ثم قالت روزي:

-«أعرفك على وينهو، نحن رفاق منذ أشهر، كنا نعرف بعضنا معرفة سطحية فقط لكن لاحقا قررنا أن نصبح أصدقاء»

-«هههههه أصدقاء أجل أجل، هكذا دوما تبدأ العلاقات العميقة»

-«نعم صداقتنا عميقة»

-«لم أقصد ذلك هههههه»

-«أعلم أنكِ تقصدين أن صداقتنا عميقة، حسنا وينهو هذه جيسو صديقتي الوحيدة المقربة والتي قد أعطيها كليتي لو تطلب الأمر، لم أحدثك عنها سابقا لكن ها أنا ذا أحدثك، لقد اضطررت اليوم للمغادرة لأنها جاءت من مكان بعيد لزيارتي وهذا كل شيء»


تصافح الاثنان وكانت جيسو تنظر له بخبث حتى شعر بعدم الراحة وقال:

-«حسنا بما أن الأمور بخير سأغادر، تصبحان على خير»

-«وأنت من أهله»


قالتها الاثنتان بصوت واحد ودخلتا الشقة وبمجرد أن أغلقت روزي الباب نظرت لها جيسو وابتسمت ابتسامة خبيثة وقالت:

-«أنتِ معجبة به أعرف ذلك، الأمر واضح من تصرفاتك ههههه»

-«غبية! حتى ولو كان الأمر كذلك لا تفضحيني أمامه»

-«هههههه عرفت ذلك، أمسكتك»

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الخميس أكتوبر 05, 2023 5:01 pm

رواية لهيب المودة : الفصل الرابع عشر



جلست جيسو مع روزي في المقهى تنتظران أن يأتي جبيب جيسو ليعيدها لمدينتها ولم تكن روزي مرتاحة للأمر أبدا فقالت:

-«اسمعي، مازلتِ لا تريدين التخلي عن ذاك الرجل؟»

-«بلى، لماذا؟»

-«لأنني قلقة، مازلت أراه الشخص غير المناسب لك»

-«هههه لا تقلقي، أنا كبيرة ولن يؤثر علي بشيء»

تنهدت روزي بعمق وبقيت تنظر لها بنظرات حزينة، انتظرت الاثنتان حتى جاء دراغون إليهما وحين رأته جيسو ابتسمت من أعماقها وركضت تعانقه بحرارة قائلة:

-«أهلا عزيزي، افتقدتك كثيرا»

-«ههههه وأنا أيضا سكرتي، تلك الأيام التي لم أعانقك فيها كانت كالجحيم»

نظر للخلف فرأى روزي تنظر له بطريقة غير مريحة ثم اقتربت وألقت عليه التحية ببرود فرد عليها:

-«أهلا أيتها الصديقة الصدوقة، شكرا لاعتنائك بجيسو طوال هذه الفترة»

-«واجبي»

بينما يقف ثلاثتهم مر عليهم شاب غريب يمشي ويتمايل ثم توقف عندهم وقال لدراغون:

-«أوووه دراغون، أهلا بك، منذ زمن لم أراك هنا»

-«ههههه صديقي كاسبر، يالها من صدفة!»

-«من الجميلتان؟»

-«هذه جيسو حبيبتي، والأخرى صديقتها»

-«ههههه أنت تتسكع مع الجميلات دوما، لكن أظن أن علاقتكما كانت قصيرة فهي ليست حاملا بعد، أنت لا تتركهن إلا بعد الحمل أليس كذلك؟»

ثم نغزه بهدوء وهو يبتسم، حينها شعر دراغون بالإحراج أما جيسو وروزي فشعرتا بالصدمة، ورغم الجو المشحون أردف كاسبر:

-«الأخرى جميلة، ليتها تقضي معي بعض الوقت»

ثم وضع ذراعه على روزي فغضبت للغاية ودفعته بعيدا وهي تمسح على ملابسها التي صارت تشعر بالتقزز منها لأنه لمسها وصرخت بحدة:

-«مريض، لا تلمسني»

-«هههه لِمَ الاستشراف؟ لم أطلب منكِ سوى قضاء بعض الوقت معي، تسيرين مع دراغون في مجموعة واحدة وتتظاهرين أنكِ شريفة؟ ما هذا التناقض؟ هذا الرجل فعل كل سوء تظنينه وهو حبيب صديقتك الفاسدة التي واضح أنها تفعل معه كل شيء لأجل المال والشهرة، أنتما مجرد سلعة»

أنهى كلامه بابتسامة مستفزة فحصل بعدها مباشرة على لكمة من دراغون أسقطته أرضا وجعلته يتألم، ثم قال الأخير بغضب:

-«إياك الكلام عن حبيبتي بهذه الطريقة، هي ليست سلعة، بل أشرف من والدتك، أنا أحبها لأنها رائعة ولطيفة وهي تحبني لأنني رجل أحلامها وليس لأجل أي أموال أو ترهات، إياك الإساءة لها أو لصديقتها فكل ما يسوء جيسو يسوؤني»

تركه ملقى على الأرض وأمسك جيسو من ذراعها وأخذها خارجا وبطبيعة الحال لحقت بهما روزي، وفي الخارج وقف الاثنان مقابلي بعضهما فقال دراغون بتوسل:

-«جيسو، لا تصدقيه، أنا حقا أحبك لأنني أحبك وليس لأي سبب آخر، صحيح أنني كنت طائشا في الماضي وأهجر الفتيات ولكن حبي لك حقيقي وصادق، لا تدعيهم يخربون علاقتنا، هؤلاء الحاقدون لا يريدون رؤيتي سعيدا بدونك»

كانت ملامح جيسو باردة كما لو أنها سمعت ما يكفي وتريد إنهاء العلاقة، راقبتها روزي بهدوء وهي تتمنى أن تنفصل عنه اليوم بعد ما سمعته.

اكتفى الجميع بالصمت وحتى دراغون، لكن ما صدم روزي أن نظرات دراغون لجيسو مليئة بالقلق والتوتر، كان قلقا فعلا من أن تتركه، في تلك اللحظات أحست أن قلبها يتحطم فهو بالذات لا يجب أن يحب جيسو ويتمسك بها وإلا ستستمر العلاقة أكثر.

كادت عينها تدمع وهي تراقب وصدمتها رؤيتها لجيسو تبتسم وتقول:

-«عزيزي، ما بالك؟ مستحيل أن أكرهك لأجل الماضي، بالطبع سأبقى معك مهما حصل فأنا أعلم كم تحبني»

كانت ستعانقه بقوة لكن روزي شدتها من ذراعها وأخذتها بعيدا وعيناها مبللتان بالدموع، وحين توقفتا وراء المبنى بعيدا عن العيان قالت بحشرجة:

-«هذا جنون، بعد كل ذلك مازلتِ تحبينه؟»

-«بلى»

-«جيسو، آسفة ولكن هذا هو الخيار الوحيد المتبقي أمامي»

ثم أغمضت عينيها وأردفت:

-«لا أصدق أنني أفعل ذلك ولكن...لننهِ هذه المهزلة، لم أتوقع أنني سأقولها ذات يوم ولكن...اختاري بيني وبينه، إما أنا أو هو»

تجمدت جيسو مكانها وبقيت الرياح تلعب بشعرها لفترة، كانت تنظر لوجه روزي تارة وللأرض تارة لتختار ثم أردفت الأخرى:

-«أعلم من ستختارين، أنا شخص غير مهم في حياتك وقد تخليتِ عني مرة من قبل لذا متأكدة أنكِ مستعدة لتركي مجددا، فقط قوليها، أو أقول لك، لا تقوليها، اذهبي إليه فحسب وسأفهم الأمر، فقط اعلمي أنه لا يمكنني البقاء بجانبك ما دمتِ معه، هذا يحطمني»

طأطأت روزي رأسها مغمضة العين وملامح وجهها تتمزق من الحزن، لكن فجأة أحست بيد جيسو ترفع ذقنها للأعلى وعندما فتحت عينيها متفاجئة وجدت جيسو وقد امتلأت عيونها بالدموع وقالت بحشرجة:

-«لا يمكنني، آسفة لا يمكنني تركك تذهبين مجددا بعد كل ما حصل، تلك الأيام التي كنتِ فيها غير موجودة شعرت أن العالم فارغ وأنني وحيدة تماما، أنا لا أستطيع اختيار أي منكما ولن أتخلى عن كليكما أيضا»

-«لكنه يعطيكِ سمعة سيئة، إنه فاسد»

-«أعلم، ولكن...»

فجأة جلست أرضا وانفجرت باكية وهي تقول:

-«أنا أيضا أريده أن يكون شخصا جيدا، لا تعلمين كم أريد ذلك، لكن لا أعلم كيف أغيره، لعله في يوم ما يتغير لأجلي، كما تغيرتِ أنتِ لأجلي ذات يوم»

-«أتمنى ذلك، لكن ما العمل؟»

-«حقا لا أعلم، لا أريد خسارة كليكما، سأموت إن تركني أي منكما»

شعرت روزي بالشفقة عليها فساعدتها على النهوض ومسحت دموعها وقالت:

-«لا بأس، انسي ما قلته، فلنبقى على تواصل بعد عودتك»

-«أكيد»

عادتا نحو دراغون فوقفت روزي أمامه بجدية وقالت:

-«اهتم بصديقتي، إن أصابها مكروه فاعتبر نفسك في عداد الموتى»

-«لا توصي حريصا»

ركبا السيارة فلوحت جيسو لها من بعيد وهي تبتسم وصرخت:

-«سآتي لزيارتك من حين لآخر، لا تنسيني أبدا»

انطلقت السيارة وهي تصرخ وروزي تشاهدها من بعيد وهي حزينة، عادت للسكن الجامعي تتمشى بتوتر وكانت قلقة للغاية ومضطربة لدرجة أنها تمنت لو بقيت تسير للأبد وأن يصير المنزل أبعد من ذلك.

وصلت للشقة أخيرا ووقفت عند بابها لتخرج المفتاح ثم تراجعت وصارت تطوف في الرواق ذهابا وإيابا، فجأة ركضت بسرعة وقلق وتوجهت نحو بناية قريبة ووقفت على عتبة إحدى الشقق تتنفس بقوة وتحاول استرجاع هدوئها.

طرقت الباب بتوتر ففتح لها وينهو وحدق الاثنان ببعضهما وقال متفاجئًا:

-«روزي! أوه أهلا! إنها المرة الأولى التي تزورينني دون إخباري، هل تحتاجين دفترا أو شيئا ما؟»

ردت عليه بتوتر شديد:

-«أنا...فقط...لا أحتاج أي شيء...ليس ضروريا أن يكون سبب وجودي هنا هو الدراسة...أنا فقط...لا أعلم...ربما...لا أعلم حقا لماذا أتيت»

رمش وينهو بعينيه بعد أن لم يفهم كلمة واحدة لذا قال بهدوء:

-«تريدين الدخول؟»

-«لا، علي المغادرة، لا أعتقد أن هذا مهم»

سارت خطوتين مبتعدة ثم عادت وصرخت بتوتر:

-«انا فقط غاضبة ومنزعجة وحاقدة وكل المشاعر المتضاربة تعتريني، لم أجد أحدا أخبره بذلك فليس لدي أي أصدقاء مقربين ولا حتى أستطيع إخبار عائلتي بذلك، حقا لم أعد أحتمل، لقد تحملت الكثير وأريد الفضفضة لأحدهم، هل تمانع؟»

أومأ برأسه أنْ لا فأردفت:

-«لدي صديقة غبية، بل حمقاء متهورة، تحولت من فتاة مسالمة لطيفة لفتاة منحرفة وصارت تواعد شخصا يملك حانة وصارت تدخن وتفعل الكثير من الأمور اللا أخلاقية، ما يزعجني أنني لا أستطيع إبعادها عنه مهما حاولت، إنهما يحبان بعضهما للغاية، ويبدو أنها تعلقت به بجنون، والآن لا أعرف ما أفعل فهو يأخذها للهاوية وهذا يخيفني، للحظة تصرفت بأنانية وتمنيت أن يفعل شيئا يحطم قلبها لكي تيأس وتتركه، لكنه بالعكس يثبت لها كل مرة أنه يريدها بشدة وهذا يجعلها تتمسك به، أووووه يا إلهي سأجن، أعلم أنني تكلمت كثيرا لكن آسفة، أنا حقا قلقة وهي لا تستمع لي، أحبها للغاية وسأجن من التفكير بسببها»

أنهت كلامها وهي تتنفس بسرعة فرمش ووينهو وقال:

-«هل تريدين الدخول؟»

تنهدت بعمق ودخلت فأعطاها كوب ماء لتشربه وانتظرها حتى هدأت تماما وقال:

-«هل هي نفسها صديقتك التي قابلتها قبل أيام في سكنك والتي تتصرف بغرابة؟»

-«أجل، اسمها جيسو بالمناسبة»

-«هل من اللازم أن تبقي معها؟ أما من حل أن تبتعدي عنها حتى لا تتأثري؟»

-«مجنون أنت، لست سخيفة لتلك الدرجة لأتأثر بها، أريد جعلها هي تتأثر بي وتعود لرشدها»

-«ماذا لو قمتِ بتزوير دليل على أن ذلك الرجل يخونها أو يخدعها؟ ربما هي فكرة سيئة لكن لا حل آخر»

-«مستحيل، هكذا سأحطم قلبها، صحيح أنني أريده أن يجرحها ولكن تزوير شيء ضده هو شيء يجعلني أنا من حطمت قلبها»

-«ستتجاوز مع الوقت، إنه حب وليس نهاية العالم، المهم أنكِ ستنقذينها»

-«لكن...هذا صعب، لا أستطيع، إن اكتشفت أمري فستتدمر علاقتنا للأبد»

-«فكري جيدا، ستتأذى مؤقتا ولكن ستنقذينها، هذا بدل تركها معه وقد تقع في مشاكل لا حصر لها»

نظرت لكوب الماء الذي في يدها بحزن وضغطت عليه وصارت تفكر بالأمر مليا، بقيت بعض الوقت مع وينهو حتى شعرت بأنها أفضل ثم رافقها للباب وقال:

-«شكرا لأنكِ أخبرتني بأسرارك الخاصة التي لا تخبرين بها أي أحد، هذا يعني أنكِ تثقين بي كثيرا وهذا أمر مشرف»

شعرت بالتوتر فقالت وخديها متوردان:

-«كنت مضغوطة للغاية وأنت الوحيد الذي أعرفه هنا»

-«سعيد أنني الوحيد الذي تعرفينه رغم أنكِ انطوائية ولا تتقربين من أحد»

أعطاها تحية من الخلف ودخل شقته وهو يدندن لحن أغنية سعيدة، وبعد دخوله ركضت بعيدا ولم تستطع منع نفسها من الابتسام.

ذات يوم وبينما روزي عائدة للشقة حاولت الاتصال بجيسو مرارا وتكرارا ولكنها لا ترد لذا وضعت الهاتف في حقيبتها وقالت بتذمر:

-«دائما هكذا تنشغل ولا ترد بسرعة، سأريها لاحقا»

وصلت لباب شقتها فوجدت وينهو واقفا أمامه وصرخ قائلا:

-«أهلا روزي»

-«أهلا، هل تحتاج شيئا؟»

-«في الحقيقة لا، عرفت أن هناك معرضا للكتب وفكرت أنني سأشعر بالملل لو ذهبت وحدي لذا هلا...»

-«ذهبتُ معك؟ طبعا سأذهب، اليوم ممل للغاية وليس لدي ما أفعله»

-«هههه حسنا إذًا»

سارا نحو المعرض وعندما وصلا وجدا الكثير من الناس والزحام شديد، فجأة تمسكت بذراعه فانتفض من الفزع مما جعلها تقول:

-«آسفة هل أزعجتك؟ ظننت أنه لا بأس بأن أتشبث بذراعك حتى لا تضيع مني في هذا الزحام، لن أكررها»

ابتعدت عنه بمقدار خطوة ولكنه اقترب منها بتوتر وأمسك بيدها وقال:

-«لا بأس، لست أمانع، فقط تفاجأت، تمسكي بي جيدا فيومنا سيكون طويلا»

ابتسمت له بسعادة وتشبثت به جيدا ثم انطلقا في جولتهما يلقيان نظرة على الكتب، وما إن استغرقا في البحث حتى بدأت السماء تمطر فركضا ليحتميا تحت إحدى الأشجار وهما يبتسمان.

نظرا للمكان من حولهما وكان شاعريا للغاية، كان المطر خفيفا ولطيفا ورائحته منعشة والجو جميل وشبه دافئ، استغلا الفرصة ينظران للمكان من حولهما متوترين وكان وينهو يريد قول شيء ولكنه خائف ومتوتر، حاول ذلك مرارا وتكرارا إلى أن نطق أخيرا:

-«آسف»

-«ها؟! على ماذا؟!»

-«كان يوما سيئا للغاية، لا بد أنكِ تشعرين بالملل»

-«ماذا؟! لا، ههههه بالعكس أحببت الوقوف هنا والإحساس بصوت المطر ورائحته، أعتقد أنه يوم لطيف»

-«حقا؟!»

-«أجل، صدقني أنا صادقة في كل حرف، الأشياء التي قد يظنها الناس مملة وعادية هي أشياء تجذبني وتبهجني»

عند هذه النقطة صمت وينهو وأنزل رأسه وقال بحزن وتأثر:

-«لماذا أنتِ رائعة لتلك الدرجة؟ فتاة مثلك تبدو وكأنها خرجت من قصة خيالية، لم أقابل قط واحدة بنفس خِصالك، تميلين للهدوء والتفهم في كل شيء، وتملكين هالة مليئة بالتفاؤل، كملاك هبط من السماء، أنتِ محبوبة وجذابة، كيف يمكن لأي أحد مقاومتك؟»

شعرت بتوتر شديد ووينهو كذلك لذا حاول التهرب من الموقف قائلا:

-«سأزور الحمام لدقائق، لا تغادري»

ثم ركض تحت المطر نحو الحمام القريب وتركها تائهة في كلماته اللطيفة تلك وقالت بهمس:

-«لماذا أنت رائع هكذا؟! شاب مثلك تتمناه كل فتاة، أنت مرح ولطيف ومهذب، والبقاء معك يشعرني بتحسن شديد، حتى لو لم أخبرك بذلك ولو لمرة ولكنني أرى فيك مسكني وملجئي، أحبك وينهو»

بعد تلك الكلمات حملت هاتفها واتصلت بجيسو مجددا ولكن كالعادة لم تحصل على أي رد فقالت بتذمر:

-«سأقتلها حتما، حبيبها أفضل مني ها؟! ليس لدرجة أن تنسى هاتفها صامتا حين تراه، مضت سبع ساعات الآن وهي لا ترد»

انتظرت قليلا حتى عاد وينهو ثم وقف بجانبها وقال:

-«لم أتأخر صحيح؟»

-«لا، كان منظر المطر ممتعا فانهمكت فيه»

-«هل نعود؟»

-«أجل، لنؤجل معرض الكتب ليوم آخر»

أوصلها لباب شقتها وودعها بكلمات بسيطة جدا كالمعتاد بحيث تظاهر أنه لم يقل شيئا أبدا قبل قليل، وبمجرد دخولها ابتسمت واستلقت في سريرها تتذكر كلماته اللطيفة تلك.

بعد مرور نصف ساعة وبعد أن ارتاحت جيدا اتصلت بجيسو مرة أخرى وأيضا لم ترد عليها فقالت:

-«تبا، ستكون آخر مرة، إما أن تتصل هي أو لا شيء»

رمت الهاتف جانبا وجلست تكتب رواية على دفترها وفجأة رن الهاتف، نظرت له بحماس وترقب ولكن تفاجأت أنها ليست جيسو بل والدتها فردت بتململ شديد:

-«طاب مساؤك أمي كيف الحال؟»

قالت الأم بصوت مهتز وحزين ويبدو أنها تخفي غصة شديدة في قلبها:

-«روزي، عزيزتي، أنا حقا آسفة، لكن لا أعلم كيف أخبرك»

-«تخبرينني بماذا؟»

-«الأمر هو...»

-«أمي تكلمي، هل حصلت مشاكل مع والدي مجددا؟»

-«لا أبدا الأمر هو...»

-«معك مرض خبيث ما؟ ارجوكِ لا تقولي ذلك»

-«لااااا يا روزي لا اهدئي»

بدأت روزي تتوتر وتقلق فقالت بحشرجة:

-«هل أصيب والدي أو أختي بأي مكروه؟ رجاءً لا تقولي»

-«لا، الأمر ليس بشأن عائلتنا حتى، إنه بشأن جيسو»

تجمدت روزي مكانها وصارت ترتجف وقالت بحشرجة:

-«ماذا فعلت تلك الغبية؟ هل سببت مشكلة ما؟ فقط أخبريني وسوف أعاتبها بشدة، تلك الغبية، دائما تتعب والدتها، فقط أخبريني ماذا فعلت، صحيح أنها لا ترد على اتصالاتي لكن سأتصل فورا وأعاود الاتصال للمرة المليون، سترد أليس كذلك؟ هي تستطيع أن ترد فهي بخير دون شك»

لم تستطع سماع شيء سوى صوت والدتها وهي تبكي من خلف سماعة الهاتف فقالت:

-«أ أ أمي، ما بك؟ لماذا ت ت ت تبكين؟ ما خطب جيسو؟ لماذا لا ترد ع ع ع على اتصالاتي؟»

حاولت الأم مسح دموعها وقالت بهدوء:

-«عزيزتي، وصلتي للتو الخبر، أحد أصدقائي يعمل مع والدة جيسو، للأسف تم العثور على جثة جيسو ميتة في حادث سيارة رفقة رجل غريب، ونحن الآن ذاهبون للتعزية...هل ننتظرك؟»

فجأة سقط الهاتف من يدها وتجمدت مكانها وصارت تشهق وتزفر بعمق كما لو أنها ستختنق، نظرت من حولها بشرود ثم خرجت تركض في الشارع كالمجنونة دون حذاء والجو ماطر، لم تعرف ما تفعل فقد كانت محطمة للغاية فاكتفت بالركض في كل مكان والبكاء كما لو أنها جنت.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الخميس أكتوبر 05, 2023 5:02 pm

رواية لهيب المودة : الفصل الخامس عشر (الأخير)



بعد عودة وينهو من موعده مع روزي تناول وجبة خفيفة ثم جلس يدرس على مكتبه، نظر للنافذة للحظات فوجد الأمطار ما تزال تهطل بهدوء فقال بتذمر:

-«كان اليوم ليكون أفضل ولكن خربه المطر، لا أعلم ولكن ربما لو تمكنا من قضاء اليوم بسلام لكنت اعترفت لها»

ثم نظر لنفسه في مرآة صغيرة موضوعة أمامه وقال:

-«لا، ليس هذا ما يجب أن يحصل، روزي لن تكون سعيدة لو عرفت أن صديقها الوحيد يحاول التقرب منها»

فاجأه طرقة خفيفة على الباب فنهض ليفتح، وما إن أدار المقبض وسحب الباب حتى دخلت روزي بملابس مبللة مطئطئة الرأس وعانقته بحرارة لأول مرة.

انصدم من فعلها ورغم أنه سعيد لحصول تقارب بينهما لكنه أبعدها ونظر في وجهها الممزق من الألم وقال بقلق:

-«هل من خطب؟!»

انفجرت باكية في حضنه وبصوتٍ عالٍ وهي تقول:

-«جيسو، لقد ماتت، أملي الوحيد في هذا العالم قد غادر، صديقتي الوحيدة التي منحتني الحياة فقدت حياتها»

صدمه قولها فحضنها بقوة وحاول مواساتها، كانت حالتها سيئة للغاية فقد كانت تصرخ بأعلى صوتها وتبكي وبسبب هذا بقي بجانبها معانقا إياها حتى فقدت طاقتها وأغمي عليها من الصدمة.

نامت على سريره وبقي بجانبها يتأملها وهو حزين، كانت غائصة في نوم عميق ومن حين لآخر تصحو وتنظر من حولها لتدرك أن الأمر حقيقة وليس كابوسا ثم تعود للبكاء ويغمى عليها وهكذا مرت ليلتها المرعبة تلك.

لم تستغرق وقتا أطول وعادت في الغد لمدينتها لحضور جنازة جيسو، وبمجرد أن دخلت دار العزاء رأت الناس مجتمعين بينما في نهاية القاعة يوجد ثابوت به جثة جيسو التي تضررت من الحادث كثيرا وهناك خدوش كثيرة في وجهها، ورغم أنه تم وضع مساحيق التجميل لها لكن يتجلى بوضوح أن الحادث كان مأساويا للغاية.

كانت نائمة في ثابوتها بسلام ولم تستطع روزي تمالك نفسها وقالت وهي تلمس وجهها:

-«ماذا فعلتِ بنفسك أيتها الغبية؟ لماذا واعدتِ ذلك المتهور؟ هل أنتِ راضية الآن؟ سعيدة لأنكِ حطمتنا؟»

نظرت للخلف لوالدتها التي تبكي بحرقة والناس يحاولون مواساتها، ثم نظرت لوالدها وزوجته اللذين جاءا للتعزية وكانت تبغضهما فهما جزء من معاناة جيسو، وأخيرا نظرت لها وقالت:

-«أنا أيضا كنت صديقة سيئة، كان علي تهديدك أو خطفك أو فعل أي شيء لمنعك من الوقوع في فخ ذلك الحقير، ليذهب للجحيم، جيد أنه مات بنفسه لأنني كنت سأقتله»

وجدت نفسها تنحني تجاه الجثة وتقبل جبهتها وكانت على وشك أن تنهار، بعدها رأت شرطيا أتى عند والدتها فذهبت مسرعة لترى ما الحكاية، كان ذلك تقرير الطب الشرعي الذي أتى به الشرطي ليقرأه على عائلة جيسو ويتكلم عن تفاصيل الحادث.

قال الشرطي بعد أن أخرج التقرير من داخل الظرف:

-«الآنسة المتوفاة كيم جيسو كانت عرضة لحادث مروري أودى بحياتها هي والسائق المدعو "كيم أونو" الملقب بدراغون والبالغ من العمر 30 سنة، تقارير الطب الشرعي أفادت أن كليهما توفيا بسبب انحراف السيارة عن المسار الصحيح وانقلابها من على التل وهذا بسبب كونهما في حالة تخدير كامل بسبب تعاطيهما لمادة الكوكايين المخدرة»

فتحت روزي عينيها من الصدمة بعد معرفتها، ارتجفت أوصالها وشعرت بالدوار وكادت تفقد توازنها لذا سارت بهدوء لتجلس وتستعيد وعيها.

كانت تستمع لصوت والدة جيسو وهي تبكي من بعيد وتنكر أن جيسو قد تتعاطى المخدرات في أي ظرف من الظروف، أما روزي فتأكدت أن الأمر ممكن وأن حبيبها الفاسد هو من أثر فيها.

بعد تشييع الجنازة جلست روزي في مكان فارغ في فناء دار العزاء وكانت منهارة تماما وغير قادرة على البكاء حتى، كل ما كانت تفعله هو التحديق بشرود غير مصدقة للواقع المرير.

تقدمت منها وونيونغ صديقة جيسو بهدوء وكانت تبدو حزينة للغاية، حدقت روزي بوجهها لثوانٍ ثم عادت لتشيح ببصرها، حتى حين جلست أمامها لم تبدي أي رد فعل.

قالت وونيونغ بصوت هادئ وحزين:

-«لقد كنتِ أكثر صديقة مقربة لجيسو لذا أعلم أنكِ تعانين أكثر من الجميع»

-«لا أعلم ما الأصعب، فقدان جيسو أو معرفة أنها وصلت للمكان الذي وعدتني أن لا تصل إليه، أنا حقا محبطة، لم أنجح في حمايتها»

-«كفى...»

فجأة وضعت روزي يديها على وجهها وصارت تشهق بقوة وتبكي وتقول:

-«لم أنجح في حمايتها...أنا حقا...سافلة...لم أنجح في إبعادها عن ذلك الشخص الذي...كنت أعلم أنه سيحطمها يوما ما»

-«روزي كفى»

-«الملام الوحيد هو أنا...ليتني متت»

-«كفى رجاءً توقفي»

-«لن أسامح نفسي للأبد، كان علي البقاء بجانبها بعد انفصال والديها، حتى لو قالت ذلك الكلام القاسي فكان علي التشبث بها، موتها كان بسببي أنا...»

فجأة صرخت وونيونغ صرخة عالية وأبعدت يدي روزي عن وجهها:

-«قلت كفى!»

هدأت روزي قليلا فأردفت وونيونغ:

-«موت جيسو كان بسببي، كفي عن لوم نفسك»

-«ماذا؟!»

-«حتى لو لم يحصل بطريقة مباشرة لكن كنت قد ساعدت سابقا في صنع التسلسل الذي أدى لموتها، والآن أشعر بالذنب وأريد التكفير عن خطئي»

-«ما الذي...»

-«أنا من فرقت بينكما وملأت رأسها بالأفكار الدنيئة لتكرهك»

ارتجفت شفاه روزي من سماع ذلك وبقيت تنصت فحسب بينما تردف وونيونغ:

-«جيسو كانت صديقتي منذ سنوات، ربما لم تكن تعرف ولكنني أعتبرها شخصا مميزا جدا، كنت أغار عليها من الجميع وأريد إبقاءها لنفسي، كانت فتاة مليئة بالأمل والتفاؤل وهذا ما أريده في حياتي، كانت محبوبة وقادرة على تكوين الكثير من الصداقات لذا شعرت بالغيرة منها وعليها، هذا إلى أن أتيتِ أنتِ، لقد تعلقَت بك أكثر من أي شخص آخر وأنا كنت أحاول دوما إقناعها أنكِ شخص ممل ومزعج وعليها الابتعاد عنك لكنها لم تسمعني، بعد تطور صداقتكما حقدت عليكِ أكثر وقررت الانتقال لمستوى أعلى لكي أتخلص منك لذا استغليت انفصال والديها...»

• عودة بالأحداث لأيام انفصال والدي جيسو:

في غرفة جيسو الفوضوية جلست هذه الأخيرة وقربها وونيونغ وهي تحاول إيجاد أي طريقة لتفريق جيسو وروزي:

-«لا أصدق أن والديكِ سينفصلان، ما الحل؟!»

-«لا أعلم، ربما علي تقبل الأمور»

-«كل هذا بسبب روزي تلك، إنها نحس»

-«ما علاقة روزي بالموضوع؟!»

-«تعرفين الصداقة السامة؟ هناك أشخاص يتسللون لحياتك ليأخذوا البهجة منها ثم يغادرون»

-«كفى هراء، روزي لم تغادر، ما زالت صديقتي بل ودعمتني كثيرا»

-«لكنها جلبت النحس لحياتك، انظري، هي الآن رفقة أهلها يعيشون بسعادة بينما حياتك محطمة»

-«لكن حقا...لا ذنب لها، انفصال والداي كان بسبب تصرفات والدي الطائشة»

-«هذا ما تظنينه، لقد حذرتك منها مرارا وتكرارا، أعرف أمثالها، حسدَتك طويلا على حياتك حتى سلبتها منك، بقي فقط أن تتفوق هي وتنجح وترسبي أنتِ، وصدقيني هذا ما سيحصل وتذكري كلامي، حينها ستفرح لأجل نفسها وتذهب للجامعة وتنساك، أما أنتِ فستبقين هنا في الثانوية وحيدة منسية مثيرة للشفقة»

لم ترد جيسو وبدا عليها التوتر وشبه الاقتناع لذا اكتفت بالتحديق بالأرض بشرود، وبالفعل واصلت وونيونغ ملء رأسها بالأفكار السيئة لأيام حتى نجحت روزي في امتحان القبول الجامعي وهناك تدمر كل شيء حرفيا واقتنعت جيسو تماما أن روزي شخص جالب للحظ السيء وأنها سرقت سعادتها وحياتها.

••••••••••••••••••••••••••••••

ولم تكتفي وونيونغ بذلك فقط بل سردت لها الأحداث التي حصلت بعد أن تغيرت جيسو وأصبحت جانحة بعد سنة من افترافها عن روزي، بحيث التقيتا ذات يوم في المقهى بعد عودة وونيونغ من الجامعة:

قالت جيسو بهدوء:

-«أفتقد روزي حقا، طوال هذه الأيام لم يفارقني خيالها»

ضغطت وونيونغ على كوب قهوتها بقوة وقالت بحدة:

-«مازلتِ تحبينها؟! لماذا أنتِ تافهة ؟! هي لا تحبك ولو كانت كذلك لاتصلت»

-«وهل تستطيع أن تتصل بعد الذي قلته؟»

-«تبا! كفي عن إعطائها الأعذار، دعكِ منها، أنا أيضا صديقتك»

-«أعلم لكن...روزي...لقد فكرت كثيرا واكتشفت أنه لا علافة لها بما أصابني، ومن الغباء أن أعتقد أن لها علاقة، يجدر بي الاعتذار»

-«أنا أرفض، أكرهها ولن أسامحك لو اتصلتِ بها»

-«أنتِ تكرهينها وأنا ما علاقتي؟ لماذا لا تريدين أن أصادقها؟»

حملت الهاتف لتتصل بروزي لكن وونيونغ أمسكته وقالت بجدية:

-«أخبريني لآخر مرة، تريدين العودة لها والتخلي عن صداقتي؟ هل هي أقرب لقلبك مني؟»

لم تتردد جيسو حتى وقالت:

-«لا أفهم لماذا أخبرك عن الموضوع أصلا، أنا كبيرة وحرة بإرادتي»

سحبت يدها ومعها الهاتف وتجهزت لتتصل بروزي وعندما رأتها وونيونغ على تلك الحال غضبت وغادرت بسرعة.

ترددت جيسو في الاتصال طويلا وفي النهاية لم تملك الجرأة للاتصال بروزي، لقد خافت من أن يحصل بينهما شجار حاد بسبب آخر كلام قالته لها لذا تخلت عن فكرة استرجاعها.

••••••••••••••••••••••••••••••

امتلأ خدا روزي بالدموع وهي تسمع القصة ثم نظرت لوونيونغ بنظرة حاقدة وقالت:

-«لن أسامحك، وجيسو لن تسامحك، بسببك حصل ما حصل، لو أنني بقيت معها في فترتها الصعبة لتحسنت، لكنها لم تجد أحدا يقف معها لذا لجأت للبحث عن شخص يسد المكان الفارغ الذي أحدثته تلك المشاكل ولسوء حظها وقعت مع دراغون، لن أسامحك»

رمت كلامها القاسي ثم خرجت من الجنازة وهي تتمايل بسبب شعورها بالألم القاتل في صدرها ولأنها لم تتناول طعامها منذ سمعت خبر وفاة صديقتها، لا شيء أصبح ذا طعم الآن.

مشت بمفردها عبر السينيما التي كانت تذهب لها مع جيسو، ثم مشت نحو الثانوية التي تقابلتا فيها، ثم نحو سكة القطار وهي شبه تائهة، ومجددا تسللت للقطار وصعدته ثم نزلت حين وصلت لساحة الخردة التي كانتا تذهبان إليها.

وقفت وسط الساحة الفارغة والرياح تلعب بملابسها وكانت شبه مخدرة، نظرت للساحة كم تبدو كئيبة ومرعبة ثم سارت بخطوات بطيئة نحو إحدى السيارات المحطمة فشاهدت خلال الزجاج اسمها واسم جيسو اللذان كتباهما منذ سنوات ويال الصدفة أنه لا يزال في مكانه.

فجأة أحست بشيء يتراكم بقوة في صدرها وكأنه كومة عملاقة من الألم تحارب لتخرج، تنهدت مرة، مرتين ثلاث، والرابعة كانت الأقوى لتخرج معها صرخة قوية مفزعة مليئة بالألم والانكسار أفزعت حتى الطيور الموجودة بالمكان.

لم تشعر بنفسها حتى وجدتها تحمل أقرب عمود حديدي وتضرب به كل شيء أمامها لتعبر عن غضبها وحزنها المكبوت، صارت تفعل كما علمتها جيسو تماما وبسبب ذلك فقدت أعصابها.

نظرت جانبا فرأت حبلا طويلا مرميا بين الخردة وعلى مقربة منها توجد شجرة، صارت تأتيها الأفكار السوداوية بالانتحار مجددا وتمنت أن تلحق بجيسو فورا لذا التقطت الحبل بسرعة وركضت نحو الشجرة.

همت بربط الحبل بسرعة لتلحق بصديقتها بأسرع وقت لكن بالصدفة نظرت لأصابعها فرأت إصبع خنصرها وتذكرت شيئا ما يخصه لذا تجمدت مكانها وحدقت به مرتجفة.

عادت لها ذكرى مشوشة لليوم الذي هربت فيه هي وجيسو وركبتا القطار وقالت:

-«عديني أن لا تنتحري، عليك آداء وعد الأصابع عن طريق مشابكة أصابع خنصرنا مع بض، وفي حال خالفتي الوعد فستحل عليكِ اللعنة»

بمجرد تذكرها لذلك انهارت من البكاء مجددا ورمت كل شيء من يدها كانت ستفعله وقالت بهمس:

-«يبدو أنني مضطرة للوفاء بوعدي، لا لشيء سوى أنني لا أستطيع إخلاف أي وعد قطعته لجيسو، في النهاية يبدو أنني حققت إحدى أمانيها دون أن تدري»

نامت في السيارة المحطمة لبعض الوقت وحلمت أن جيسو جالسة بجانبها تلمس خصلات شعرها وكانت كلاهما بالزي المدرسي، كانتا ذلك الوقت صديقتين متحابتين ومتفاهمتين وما تزالان بريئتين بعيدا عن خبث العالم وقسوته.

استيقظت من حلمها بفزع ولمست شعرها وشعرت بحزن أكبر لأنها لم ترد الاستيقاظ من ذلك الحلم أبدا، لقد أعطاها أملا للحظات ثم سحبه لتنهض وتكتشف أن جيسو ماتت فعلا.

حملت هاتفها الذي كان على الوضع الصامت فوجدت عشرات المكالمات من والديها ويبدو أنهما قلقان للغاية لذا عاودت الاتصال بوالدتها وقالت:

-«نعم أمي؟ لا تقلقي كان الهاتف صامتا فحسب ولم أره، أنا بخير حقا، أعلم أن الظلام على وشك الحلول ولكن لا تقلقي، ها أنا عائدة»

أغلقت الخط ثم تنهدت بحزن ونظرت للشمس وهي على وشك الغروب ثم خرجت من السيارة وحدقت بها للحظات وقالت:

-«كيف أتخلص من هذا الشعور المزعج ولكن بطريقتي؟»

نظرت لحقيبتها فوجدت رواياتها الثلاثة التي ساعدتها جيسو في كتابتها، كان معها أيضا ولاعة تستخدمها للتخلص من الكتابات التي لا تريد أن يقرأها أحد لذا خطرت على بالها فكرة.

أخرجت دفاتر الروايات والولاعة وهمت بإضرام النار فيها بهدوء ومع كل ورقة تحترق كان قلبها يحترق أيضا، لكن لم يكن لديها خيار آخر فكل شيء شاركت فيه جيسو أصبح مؤلما للغاية ومليئا بالمشاعر القاتلة.


عادت تتمشى للبيت وهي متعبة ووصلت للحي مع حلول الظلام وكانت ما تزال تترنح وتفكر بشرود، اقتربت من باب منزلها فرأت بجانبه شابا يشبه وينهو واقفا هناك فتفاجأت وتوجهت نحوه قائلة:

-«وينهو؟!»

-«آه، روزي، آسف للغاية لو أتيت في وقف غير مناسب، قلقت عليك بعد الذي حصل لصديقتك ولم أستطع منع نفسي من المجيء، أعلم أن الكلام من خلال الهاتف لن يغير شيئا»

-«لماذا لم تنتظرني في الداخل؟ الجو بارد»

-«طلب والداكِ مني الدخول لكن رفضت بشدة، أردت فقط مقابلتك بسرعة والمغادرة، ما أعرفه أن الشخص الذي يعاني من وقت صعب يحتاج رفاقه، ربما لسنا مقربين للغاية وقد لا ينفع ما أفعله لكن...»

-«أنت تثرثر للغاية»

صمت فورا وشعر بالإحراج بعد ما سمعه ثم أردفت:

-«تغضبني حين تقول أننا لسنا مقربين وبأن وجودك معي لا يفيد بشيء، لماذا تقول ذلك وأنت تعلم أنني أثق بك وأخبرك أسراري وأرتاح لك كثيرا»

-«أوه هذا هو الموضوع إذًا هههه حسنا سرني معرفة ذلك»

-«دقيقة سأدخل وأحضر معطفي، وسأخبر والداي أنني بالقرب من هنا حتى لا يقلقا، منذ الصباح يتصلان بي»

-«حسنا»


سارا عبر الشوارع صامتين إلى أن وصلا للجسر الذي تمر عليه السيارات فجلسا ينظران للأسفل شاردين، حينها قالت روزي:

-«لقد قررت، سأترك الدراسة في تخصص الأدب»

-«ماذا؟! أمجنونة؟! لا تتركي دراستك أبدا!»

-«لا أخطط لتركها، أريد تغيير تخصصي»

-«لماذا؟!»

-«لطالما ظننت أن الأدب كل ما أحتاجه، تمنيت أن أصبح كاتبة مشهورة، لكن الآن لا أريد ذلك، لقد تغير شغفي، أريد التحول لتخصص علم النفس العيادي، إن الإنسان كيان مذهل حقا ومليء بالمشاعر والأمراض والمفاجآت، أريد معرفة كل شيء عن ذلك، أريد مساعدة من يعانون لكي لا ينتهي بهم المطاف في نهايات سيئة، أصبحت أرى الجميع جيسو لذا سأساعد الجميع»

-«واو! ياله من طموح مذهل! سأفتقد وجودك معي في المحاضرات ولكنني سعيد أنكِ وجدتِ شغفك الحقيقي النبيل، فخور بكِ للغاية»

-«وأيضا هناك شيء...»

حركت يدها ببطء وأمسكت بيده فتفاجأ من فعلتها ولكنه بقي هادئا يستمع إليها وهي تقول:

-«علينا أن نقدر قيمة الأشخاص الجيدين في حياتنا لذا شكرا جزيلا لأنك شخص لطيف وعاقل ولم توصلني صحبتك يوما للمشاكل، قررت اليوم إخبارك، أنت تروق لي كثير ولطالما أحببتك أكثر من صديق، لا أعلم كيف تفكر ناحيتي ولكنني مستعدة تماما للاعتراف وبكل سعادة وفخر»

فاجأها بأنه سحبها نحوه وعانقها بحرارة وغرس رأسه في خصلات شعرها التي تغطي رقبتها وقال:

-«أنتِ تثرثرين كثيرا، لا تتساءلي كيف أفكر ناحيتك فالأمر واضح»


بادلته العناق هي أيضا وابتسمت ابتسامة لطيفة تتخللها دموع تملأ عينيها، كان الأمر أشبه بالارتياح أخيرا بعد أيام وساعات شاقة لذا أغمضت عينيها لتشعر بحنانه ودفئه أكثر وهما اللذان أنسياها الكثير من الألم وسكنا أوجاعا مزقتها لأيام.





النهاية
رواية لهيب المودة : الفصل الخامس عشر (الأخير)



بعد عودة وينهو من موعده مع روزي تناول وجبة خفيفة ثم جلس يدرس على مكتبه، نظر للنافذة للحظات فوجد الأمطار ما تزال تهطل بهدوء فقال بتذمر:

-«كان اليوم ليكون أفضل ولكن خربه المطر، لا أعلم ولكن ربما لو تمكنا من قضاء اليوم بسلام لكنت اعترفت لها»

ثم نظر لنفسه في مرآة صغيرة موضوعة أمامه وقال:

-«لا، ليس هذا ما يجب أن يحصل، روزي لن تكون سعيدة لو عرفت أن صديقها الوحيد يحاول التقرب منها»

فاجأه طرقة خفيفة على الباب فنهض ليفتح، وما إن أدار المقبض وسحب الباب حتى دخلت روزي بملابس مبللة مطئطئة الرأس وعانقته بحرارة لأول مرة.

انصدم من فعلها ورغم أنه سعيد لحصول تقارب بينهما لكنه أبعدها ونظر في وجهها الممزق من الألم وقال بقلق:

-«هل من خطب؟!»

انفجرت باكية في حضنه وبصوتٍ عالٍ وهي تقول:

-«جيسو، لقد ماتت، أملي الوحيد في هذا العالم قد غادر، صديقتي الوحيدة التي منحتني الحياة فقدت حياتها»

صدمه قولها فحضنها بقوة وحاول مواساتها، كانت حالتها سيئة للغاية فقد كانت تصرخ بأعلى صوتها وتبكي وبسبب هذا بقي بجانبها معانقا إياها حتى فقدت طاقتها وأغمي عليها من الصدمة.

نامت على سريره وبقي بجانبها يتأملها وهو حزين، كانت غائصة في نوم عميق ومن حين لآخر تصحو وتنظر من حولها لتدرك أن الأمر حقيقة وليس كابوسا ثم تعود للبكاء ويغمى عليها وهكذا مرت ليلتها المرعبة تلك.

لم تستغرق وقتا أطول وعادت في الغد لمدينتها لحضور جنازة جيسو، وبمجرد أن دخلت دار العزاء رأت الناس مجتمعين بينما في نهاية القاعة يوجد ثابوت به جثة جيسو التي تضررت من الحادث كثيرا وهناك خدوش كثيرة في وجهها، ورغم أنه تم وضع مساحيق التجميل لها لكن يتجلى بوضوح أن الحادث كان مأساويا للغاية.

كانت نائمة في ثابوتها بسلام ولم تستطع روزي تمالك نفسها وقالت وهي تلمس وجهها:

-«ماذا فعلتِ بنفسك أيتها الغبية؟ لماذا واعدتِ ذلك المتهور؟ هل أنتِ راضية الآن؟ سعيدة لأنكِ حطمتنا؟»

نظرت للخلف لوالدتها التي تبكي بحرقة والناس يحاولون مواساتها، ثم نظرت لوالدها وزوجته اللذين جاءا للتعزية وكانت تبغضهما فهما جزء من معاناة جيسو، وأخيرا نظرت لها وقالت:

-«أنا أيضا كنت صديقة سيئة، كان علي تهديدك أو خطفك أو فعل أي شيء لمنعك من الوقوع في فخ ذلك الحقير، ليذهب للجحيم، جيد أنه مات بنفسه لأنني كنت سأقتله»

وجدت نفسها تنحني تجاه الجثة وتقبل جبهتها وكانت على وشك أن تنهار، بعدها رأت شرطيا أتى عند والدتها فذهبت مسرعة لترى ما الحكاية، كان ذلك تقرير الطب الشرعي الذي أتى به الشرطي ليقرأه على عائلة جيسو ويتكلم عن تفاصيل الحادث.

قال الشرطي بعد أن أخرج التقرير من داخل الظرف:

-«الآنسة المتوفاة كيم جيسو كانت عرضة لحادث مروري أودى بحياتها هي والسائق المدعو "كيم أونو" الملقب بدراغون والبالغ من العمر 30 سنة، تقارير الطب الشرعي أفادت أن كليهما توفيا بسبب انحراف السيارة عن المسار الصحيح وانقلابها من على التل وهذا بسبب كونهما في حالة تخدير كامل بسبب تعاطيهما لمادة الكوكايين المخدرة»

فتحت روزي عينيها من الصدمة بعد معرفتها، ارتجفت أوصالها وشعرت بالدوار وكادت تفقد توازنها لذا سارت بهدوء لتجلس وتستعيد وعيها.

كانت تستمع لصوت والدة جيسو وهي تبكي من بعيد وتنكر أن جيسو قد تتعاطى المخدرات في أي ظرف من الظروف، أما روزي فتأكدت أن الأمر ممكن وأن حبيبها الفاسد هو من أثر فيها.

بعد تشييع الجنازة جلست روزي في مكان فارغ في فناء دار العزاء وكانت منهارة تماما وغير قادرة على البكاء حتى، كل ما كانت تفعله هو التحديق بشرود غير مصدقة للواقع المرير.

تقدمت منها وونيونغ صديقة جيسو بهدوء وكانت تبدو حزينة للغاية، حدقت روزي بوجهها لثوانٍ ثم عادت لتشيح ببصرها، حتى حين جلست أمامها لم تبدي أي رد فعل.

قالت وونيونغ بصوت هادئ وحزين:

-«لقد كنتِ أكثر صديقة مقربة لجيسو لذا أعلم أنكِ تعانين أكثر من الجميع»

-«لا أعلم ما الأصعب، فقدان جيسو أو معرفة أنها وصلت للمكان الذي وعدتني أن لا تصل إليه، أنا حقا محبطة، لم أنجح في حمايتها»

-«كفى...»

فجأة وضعت روزي يديها على وجهها وصارت تشهق بقوة وتبكي وتقول:

-«لم أنجح في حمايتها...أنا حقا...سافلة...لم أنجح في إبعادها عن ذلك الشخص الذي...كنت أعلم أنه سيحطمها يوما ما»

-«روزي كفى»

-«الملام الوحيد هو أنا...ليتني متت»

-«كفى رجاءً توقفي»

-«لن أسامح نفسي للأبد، كان علي البقاء بجانبها بعد انفصال والديها، حتى لو قالت ذلك الكلام القاسي فكان علي التشبث بها، موتها كان بسببي أنا...»

فجأة صرخت وونيونغ صرخة عالية وأبعدت يدي روزي عن وجهها:

-«قلت كفى!»

هدأت روزي قليلا فأردفت وونيونغ:

-«موت جيسو كان بسببي، كفي عن لوم نفسك»

-«ماذا؟!»

-«حتى لو لم يحصل بطريقة مباشرة لكن كنت قد ساعدت سابقا في صنع التسلسل الذي أدى لموتها، والآن أشعر بالذنب وأريد التكفير عن خطئي»

-«ما الذي...»

-«أنا من فرقت بينكما وملأت رأسها بالأفكار الدنيئة لتكرهك»

ارتجفت شفاه روزي من سماع ذلك وبقيت تنصت فحسب بينما تردف وونيونغ:

-«جيسو كانت صديقتي منذ سنوات، ربما لم تكن تعرف ولكنني أعتبرها شخصا مميزا جدا، كنت أغار عليها من الجميع وأريد إبقاءها لنفسي، كانت فتاة مليئة بالأمل والتفاؤل وهذا ما أريده في حياتي، كانت محبوبة وقادرة على تكوين الكثير من الصداقات لذا شعرت بالغيرة منها وعليها، هذا إلى أن أتيتِ أنتِ، لقد تعلقَت بك أكثر من أي شخص آخر وأنا كنت أحاول دوما إقناعها أنكِ شخص ممل ومزعج وعليها الابتعاد عنك لكنها لم تسمعني، بعد تطور صداقتكما حقدت عليكِ أكثر وقررت الانتقال لمستوى أعلى لكي أتخلص منك لذا استغليت انفصال والديها...»

• عودة بالأحداث لأيام انفصال والدي جيسو:

في غرفة جيسو الفوضوية جلست هذه الأخيرة وقربها وونيونغ وهي تحاول إيجاد أي طريقة لتفريق جيسو وروزي:

-«لا أصدق أن والديكِ سينفصلان، ما الحل؟!»

-«لا أعلم، ربما علي تقبل الأمور»

-«كل هذا بسبب روزي تلك، إنها نحس»

-«ما علاقة روزي بالموضوع؟!»

-«تعرفين الصداقة السامة؟ هناك أشخاص يتسللون لحياتك ليأخذوا البهجة منها ثم يغادرون»

-«كفى هراء، روزي لم تغادر، ما زالت صديقتي بل ودعمتني كثيرا»

-«لكنها جلبت النحس لحياتك، انظري، هي الآن رفقة أهلها يعيشون بسعادة بينما حياتك محطمة»

-«لكن حقا...لا ذنب لها، انفصال والداي كان بسبب تصرفات والدي الطائشة»

-«هذا ما تظنينه، لقد حذرتك منها مرارا وتكرارا، أعرف أمثالها، حسدَتك طويلا على حياتك حتى سلبتها منك، بقي فقط أن تتفوق هي وتنجح وترسبي أنتِ، وصدقيني هذا ما سيحصل وتذكري كلامي، حينها ستفرح لأجل نفسها وتذهب للجامعة وتنساك، أما أنتِ فستبقين هنا في الثانوية وحيدة منسية مثيرة للشفقة»

لم ترد جيسو وبدا عليها التوتر وشبه الاقتناع لذا اكتفت بالتحديق بالأرض بشرود، وبالفعل واصلت وونيونغ ملء رأسها بالأفكار السيئة لأيام حتى نجحت روزي في امتحان القبول الجامعي وهناك تدمر كل شيء حرفيا واقتنعت جيسو تماما أن روزي شخص جالب للحظ السيء وأنها سرقت سعادتها وحياتها.

••••••••••••••••••••••••••••••

ولم تكتفي وونيونغ بذلك فقط بل سردت لها الأحداث التي حصلت بعد أن تغيرت جيسو وأصبحت جانحة بعد سنة من افترافها عن روزي، بحيث التقيتا ذات يوم في المقهى بعد عودة وونيونغ من الجامعة:

قالت جيسو بهدوء:

-«أفتقد روزي حقا، طوال هذه الأيام لم يفارقني خيالها»

ضغطت وونيونغ على كوب قهوتها بقوة وقالت بحدة:

-«مازلتِ تحبينها؟! لماذا أنتِ تافهة ؟! هي لا تحبك ولو كانت كذلك لاتصلت»

-«وهل تستطيع أن تتصل بعد الذي قلته؟»

-«تبا! كفي عن إعطائها الأعذار، دعكِ منها، أنا أيضا صديقتك»

-«أعلم لكن...روزي...لقد فكرت كثيرا واكتشفت أنه لا علافة لها بما أصابني، ومن الغباء أن أعتقد أن لها علاقة، يجدر بي الاعتذار»

-«أنا أرفض، أكرهها ولن أسامحك لو اتصلتِ بها»

-«أنتِ تكرهينها وأنا ما علاقتي؟ لماذا لا تريدين أن أصادقها؟»

حملت الهاتف لتتصل بروزي لكن وونيونغ أمسكته وقالت بجدية:

-«أخبريني لآخر مرة، تريدين العودة لها والتخلي عن صداقتي؟ هل هي أقرب لقلبك مني؟»

لم تتردد جيسو حتى وقالت:

-«لا أفهم لماذا أخبرك عن الموضوع أصلا، أنا كبيرة وحرة بإرادتي»

سحبت يدها ومعها الهاتف وتجهزت لتتصل بروزي وعندما رأتها وونيونغ على تلك الحال غضبت وغادرت بسرعة.

ترددت جيسو في الاتصال طويلا وفي النهاية لم تملك الجرأة للاتصال بروزي، لقد خافت من أن يحصل بينهما شجار حاد بسبب آخر كلام قالته لها لذا تخلت عن فكرة استرجاعها.

••••••••••••••••••••••••••••••

امتلأ خدا روزي بالدموع وهي تسمع القصة ثم نظرت لوونيونغ بنظرة حاقدة وقالت:

-«لن أسامحك، وجيسو لن تسامحك، بسببك حصل ما حصل، لو أنني بقيت معها في فترتها الصعبة لتحسنت، لكنها لم تجد أحدا يقف معها لذا لجأت للبحث عن شخص يسد المكان الفارغ الذي أحدثته تلك المشاكل ولسوء حظها وقعت مع دراغون، لن أسامحك»

رمت كلامها القاسي ثم خرجت من الجنازة وهي تتمايل بسبب شعورها بالألم القاتل في صدرها ولأنها لم تتناول طعامها منذ سمعت خبر وفاة صديقتها، لا شيء أصبح ذا طعم الآن.

مشت بمفردها عبر السينيما التي كانت تذهب لها مع جيسو، ثم مشت نحو الثانوية التي تقابلتا فيها، ثم نحو سكة القطار وهي شبه تائهة، ومجددا تسللت للقطار وصعدته ثم نزلت حين وصلت لساحة الخردة التي كانتا تذهبان إليها.

وقفت وسط الساحة الفارغة والرياح تلعب بملابسها وكانت شبه مخدرة، نظرت للساحة كم تبدو كئيبة ومرعبة ثم سارت بخطوات بطيئة نحو إحدى السيارات المحطمة فشاهدت خلال الزجاج اسمها واسم جيسو اللذان كتباهما منذ سنوات ويال الصدفة أنه لا يزال في مكانه.

فجأة أحست بشيء يتراكم بقوة في صدرها وكأنه كومة عملاقة من الألم تحارب لتخرج، تنهدت مرة، مرتين ثلاث، والرابعة كانت الأقوى لتخرج معها صرخة قوية مفزعة مليئة بالألم والانكسار أفزعت حتى الطيور الموجودة بالمكان.

لم تشعر بنفسها حتى وجدتها تحمل أقرب عمود حديدي وتضرب به كل شيء أمامها لتعبر عن غضبها وحزنها المكبوت، صارت تفعل كما علمتها جيسو تماما وبسبب ذلك فقدت أعصابها.

نظرت جانبا فرأت حبلا طويلا مرميا بين الخردة وعلى مقربة منها توجد شجرة، صارت تأتيها الأفكار السوداوية بالانتحار مجددا وتمنت أن تلحق بجيسو فورا لذا التقطت الحبل بسرعة وركضت نحو الشجرة.

همت بربط الحبل بسرعة لتلحق بصديقتها بأسرع وقت لكن بالصدفة نظرت لأصابعها فرأت إصبع خنصرها وتذكرت شيئا ما يخصه لذا تجمدت مكانها وحدقت به مرتجفة.

عادت لها ذكرى مشوشة لليوم الذي هربت فيه هي وجيسو وركبتا القطار وقالت:

-«عديني أن لا تنتحري، عليك آداء وعد الأصابع عن طريق مشابكة أصابع خنصرنا مع بض، وفي حال خالفتي الوعد فستحل عليكِ اللعنة»

بمجرد تذكرها لذلك انهارت من البكاء مجددا ورمت كل شيء من يدها كانت ستفعله وقالت بهمس:

-«يبدو أنني مضطرة للوفاء بوعدي، لا لشيء سوى أنني لا أستطيع إخلاف أي وعد قطعته لجيسو، في النهاية يبدو أنني حققت إحدى أمانيها دون أن تدري»

نامت في السيارة المحطمة لبعض الوقت وحلمت أن جيسو جالسة بجانبها تلمس خصلات شعرها وكانت كلاهما بالزي المدرسي، كانتا ذلك الوقت صديقتين متحابتين ومتفاهمتين وما تزالان بريئتين بعيدا عن خبث العالم وقسوته.

استيقظت من حلمها بفزع ولمست شعرها وشعرت بحزن أكبر لأنها لم ترد الاستيقاظ من ذلك الحلم أبدا، لقد أعطاها أملا للحظات ثم سحبه لتنهض وتكتشف أن جيسو ماتت فعلا.

حملت هاتفها الذي كان على الوضع الصامت فوجدت عشرات المكالمات من والديها ويبدو أنهما قلقان للغاية لذا عاودت الاتصال بوالدتها وقالت:

-«نعم أمي؟ لا تقلقي كان الهاتف صامتا فحسب ولم أره، أنا بخير حقا، أعلم أن الظلام على وشك الحلول ولكن لا تقلقي، ها أنا عائدة»

أغلقت الخط ثم تنهدت بحزن ونظرت للشمس وهي على وشك الغروب ثم خرجت من السيارة وحدقت بها للحظات وقالت:

-«كيف أتخلص من هذا الشعور المزعج ولكن بطريقتي؟»

نظرت لحقيبتها فوجدت رواياتها الثلاثة التي ساعدتها جيسو في كتابتها، كان معها أيضا ولاعة تستخدمها للتخلص من الكتابات التي لا تريد أن يقرأها أحد لذا خطرت على بالها فكرة.

أخرجت دفاتر الروايات والولاعة وهمت بإضرام النار فيها بهدوء ومع كل ورقة تحترق كان قلبها يحترق أيضا، لكن لم يكن لديها خيار آخر فكل شيء شاركت فيه جيسو أصبح مؤلما للغاية ومليئا بالمشاعر القاتلة.


عادت تتمشى للبيت وهي متعبة ووصلت للحي مع حلول الظلام وكانت ما تزال تترنح وتفكر بشرود، اقتربت من باب منزلها فرأت بجانبه شابا يشبه وينهو واقفا هناك فتفاجأت وتوجهت نحوه قائلة:

-«وينهو؟!»

-«آه، روزي، آسف للغاية لو أتيت في وقف غير مناسب، قلقت عليك بعد الذي حصل لصديقتك ولم أستطع منع نفسي من المجيء، أعلم أن الكلام من خلال الهاتف لن يغير شيئا»

-«لماذا لم تنتظرني في الداخل؟ الجو بارد»

-«طلب والداكِ مني الدخول لكن رفضت بشدة، أردت فقط مقابلتك بسرعة والمغادرة، ما أعرفه أن الشخص الذي يعاني من وقت صعب يحتاج رفاقه، ربما لسنا مقربين للغاية وقد لا ينفع ما أفعله لكن...»

-«أنت تثرثر للغاية»

صمت فورا وشعر بالإحراج بعد ما سمعه ثم أردفت:

-«تغضبني حين تقول أننا لسنا مقربين وبأن وجودك معي لا يفيد بشيء، لماذا تقول ذلك وأنت تعلم أنني أثق بك وأخبرك أسراري وأرتاح لك كثيرا»

-«أوه هذا هو الموضوع إذًا هههه حسنا سرني معرفة ذلك»

-«دقيقة سأدخل وأحضر معطفي، وسأخبر والداي أنني بالقرب من هنا حتى لا يقلقا، منذ الصباح يتصلان بي»

-«حسنا»


سارا عبر الشوارع صامتين إلى أن وصلا للجسر الذي تمر عليه السيارات فجلسا ينظران للأسفل شاردين، حينها قالت روزي:

-«لقد قررت، سأترك الدراسة في تخصص الأدب»

-«ماذا؟! أمجنونة؟! لا تتركي دراستك أبدا!»

-«لا أخطط لتركها، أريد تغيير تخصصي»

-«لماذا؟!»

-«لطالما ظننت أن الأدب كل ما أحتاجه، تمنيت أن أصبح كاتبة مشهورة، لكن الآن لا أريد ذلك، لقد تغير شغفي، أريد التحول لتخصص علم النفس العيادي، إن الإنسان كيان مذهل حقا ومليء بالمشاعر والأمراض والمفاجآت، أريد معرفة كل شيء عن ذلك، أريد مساعدة من يعانون لكي لا ينتهي بهم المطاف في نهايات سيئة، أصبحت أرى الجميع جيسو لذا سأساعد الجميع»

-«واو! ياله من طموح مذهل! سأفتقد وجودك معي في المحاضرات ولكنني سعيد أنكِ وجدتِ شغفك الحقيقي النبيل، فخور بكِ للغاية»

-«وأيضا هناك شيء...»

حركت يدها ببطء وأمسكت بيده فتفاجأ من فعلتها ولكنه بقي هادئا يستمع إليها وهي تقول:

-«علينا أن نقدر قيمة الأشخاص الجيدين في حياتنا لذا شكرا جزيلا لأنك شخص لطيف وعاقل ولم توصلني صحبتك يوما للمشاكل، قررت اليوم إخبارك، أنت تروق لي كثير ولطالما أحببتك أكثر من صديق، لا أعلم كيف تفكر ناحيتي ولكنني مستعدة تماما للاعتراف وبكل سعادة وفخر»

فاجأها بأنه سحبها نحوه وعانقها بحرارة وغرس رأسه في خصلات شعرها التي تغطي رقبتها وقال:

-«أنتِ تثرثرين كثيرا، لا تتساءلي كيف أفكر ناحيتك فالأمر واضح»


بادلته العناق هي أيضا وابتسمت ابتسامة لطيفة تتخللها دموع تملأ عينيها، كان الأمر أشبه بالارتياح أخيرا بعد أيام وساعات شاقة لذا أغمضت عينيها لتشعر بحنانه ودفئه أكثر وهما اللذان أنسياها الكثير من الألم وسكنا أوجاعا مزقتها لأيام.





النهاية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الخميس أكتوبر 05, 2023 5:03 pm

رواية لهيب المودة : فقرة الأسئلة



ودائما أبدا نتمنى أن نسمع آراءكم اللطيفة في الرواية بشكل صريح ومهذب لذا تفضلو وشاركونا

• ما رأيكم بالرواية؟

• تقييمكم من عشرة؟

• شخصيتكم المفضلة؟

• أكثر شخصية كرهتموها؟

• أفضل كوبل في الرواية؟

• رأيكم بالنهاية؟




والآن وجهوا أسئلة للشخصيات

• جيسو

• روزي

• والدا جيسو

• والدا روزي

• وونيونغ

• دراغون

• وينهو

• حبيب روزي السابق

• كيول وتشانغ مين

• سؤال للكاتبة هيهيهي ('_')

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
بثينة علي
Admin
بثينة علي


المساهمات : 1244
تاريخ التسجيل : 27/05/2021
العمر : 26

رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)   رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) Icon_minitime1الخميس أكتوبر 05, 2023 5:05 pm

رواية لهيب المودة : الخاتمة



سلاااااااااااام (✷‿✷)

مر زمن طويل منذ أن ختمت رواية أليس كذلك؟ (✪‿✪)  يا إلهي منذ مدة لم أكن جادة في الكتابة وأنهي رواية بسرعة

المهم

ها قد أنهينا هذه الرواية ولأصدقكم القول هي مقتبسة من قصة صديقتين أعرفهما شخصيا...حتى ولو لم تكن نفسها بدقة لكنها تحتوي تفاصيل هامة

شكرا جزيلا لكل الداعمين وفي حال اعجبتكم شاركوها مع رفاقكم أو ضعوها في قوائم قراءتكم


ولا تنسوا متابعة إنستغرامي bothaina__ali حتى نتواصل يوميا ونتحدث طويلا


وسلام

• تاريخ النشر : من 24 مارس إلى 3 أكتوبر 2023




بثينة علي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bothaina-ali.ahlamontada.com
 
رِوَايَة لَهِيبُ المَوَدَّة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رِوَايَة طِفْلَتِي!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)
» رِوَايَة المُومْيَاء!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)
» رِوَايَة فَجْوَة!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)
» رِوَايَة فِي طَيِّ النِّسْيَان!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)
» رِوَايَة هَل أنْتَ أخِي؟! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي)

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
❤ منتدى بثينة علي ❤ :: ❤مؤلفاتي❤ :: ❤روايات كورية❤-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: