كتاب : أربعون
محور : مع حياتي
الموضوع : الشنب
أذكر لما كنت في الصف الثالث المتوسط كان عمري تقريبا 13 سنة...حيث كانت بدايات الشعور بالرجولة و إرادة إثبات أن الواحد صار كبيراً و لم يعد طفلا...و من ضمن معايير الرجولة طبعا الشنب! و أذكر أنه كان هناك أكثر من ولد في الفصل طالع لهم شنب كثيف و أنا ما كان عندي شنب وقتها أبداً...فكنا نذهب إلى كل من لديه شنب نسأله: "ما السر في طلوع الشنب؟و هل فعلوا شيئا معينا ساعدهم على طلوع الشنب؟"
و أذكر أن أحدهم نصحنا بأن نحلق منطقة الشنب حتى لو كان فيها وبر قليل؛ حتى يخشن الوبر و يصبح شنبا!
و أذكر وقتها أنه كان حلم حياتي أن يطلع لي شنب! و أنا طبعي من الصغر حين أريد شيئاً أسعى له جاهدا بكل الوسائل لتحقيقه...فإشتريت أمواسا و حلقت مثلما إقترح علينا صاحبي...لكني فعلت شيئا آخر غريبا و هو أني في كل صلاة أظل خمس دقائق في السجود أدعو: "اللهم أطلع لي شنب!" و ما زلت أذكر صيغة الدعاء؛ لأني كررته آلاف المرات شهورا عدة في هذه المدة!
و طبعا ما طلع لي شنب وقتها و إنتظرت أظن 3 سنوات و بعدها حين أصبح عمري 16 سنة بدأت تطلع لي بوادر شنب
و لكن أذكر وقتها أني إستغربت...فلماذا لم يستجب ربي لدعائي مع أني كنت أدعو من أعماق قلبي مخلصا ملحا في الدعاء و الله قادر على كل شئ!
طبعا وقتها كان فهمي للأمور بهذه البساطة...فالمفروض لما أدعو يستجاب لي!
و كلنا يمكن أن نمر بمراحل في حياتنا نطلب أشياء (ربما ليست بتفاهة الشنب!) و لكن و بعد كثير من الدعاء لا يتحقق ما نريد
أدناه خلاصة فهمي حول موضوع الدعاء:
ربنا يستجيب الدعاء صحيح؟
نقول: "نعم...صحيح"
فيجيء واحد و يقول : "أنا أدعو منذ سنين دعوة معينة لم تستجب إلى الآن فكيف تقول: ربنا يستجيب الدعاء؟"
فيجيء واحد يسأل: "أنا منذ 20 سنة أدعو الله أن يرزقني مليون ريال و إلى اليوم ما جاءت المليون ريال...فكيف هذا؟"
إجابة هذا السؤال في معنى كلمة (أُجِيبُ)(البقرة: 186)...فما معنى (أجيب دعوة الداع إذا دعانِ)(البقرة: 186) ؟!
إجابة الدعاء ليس معناها أنه أعطاك تحديدا بالضبط الذي سألته أنت...و لكنه إستجاب لدعائك بأنه أعطاك خيرا أو دفع عنك شرا يساوي دعائك...أو يزيد عليه...فالذي دعا الله أن يرزقه مليون ريال إستجاب لدعائه بأن صرف عنه مرض السرطان الذي كان سيأتي له لو أنه ما دعا هذا الدعاء مثلا...و صرف مرض السرطان يساوي أكثر من مليون ريال...فأي واحد اليوم عنده سرطان لو تقول له : "تدفع مليون ريال و تشفى من مرض السرطان" سيدفع أكثر من مليون ريال إن كان معه...فيمكن أن يكون بسبب هذه الدعوة حمى الله ولدك من حادثة كان يمكن أن تحدث له...و جعله مقعدا طول حياته
و يمكن بسبب هذه الدعوة يكون الله أكرمك و طول في عمر أبيك و أمك بحيث يعيشان معك مدة أطول من العمر...و هكذا آلاف الأمور تيسر لك و آلاف الشرور تصرف عنك تساوي ملايين الريالات حصلت بسبب هذه الدعوة دون علمك
و بهذا ربنا إستجاب دعوتك حتى لو أنك غير مستوعب أنه إستجاب الدعوة
واحد يقول: "يا أخي...أنا ما أبغى كل الأشياء هذي أنا أبغى المليون ريال...فما عندي مشكلة أمرض و ما أريد أولاد..أبغى المليون ريال"
و هنا تقول: ربنا أعلم بك منك...فهو يعرف أن المليون ريال لو جاءتك ماذا ستفعل بها...فإذا كان يعرف بعلمه المسبق أن المليون ريال هذه يمكن لو جاءتك ستجعلك متكبرا و تصرفها في الحرام...و ستشغلك عن ذكر الله فالله سبحانه بلطفه إستجاب لدعائك بأن أعطاك أشياء كثيرة تساوي المليون ريال و يزيد...و ما أعطاك المليون ريال لأنه يعرف أن فيها شرا لك...إذن هذا أول مفهوم في الدعاء
أن يعطيك الله قيمتها أكثر من دعوتك؛ لعلمه بحكمته أن الأشياء هذه أحسن من دعوتك
لعلمكم أنا عندي دعوة أدعو بها منذ 30 سنة و لم تتحقق الى الآن و لكنها إستجيبت
كيف لم تتحقق و لكنها استجيبت؟
يعني طلبي بالتحديد لم يتحقق الى الآن بعد 30 سنة من الدعاء...و لكنني أستشعر بكل ذرة من كياني أن كل مرة دعوت ربنا أعطاني شيئا...يعني أنا خلال الـ30 سنة يمكن أن أكون دعوت هذه الدعوة مئات الآلاف من المرات في السجود و الركوع و الحرم المكي و الحرم المدني...و في رمضان و في وقت السحر...و على الرغم من أن طلبي بالتحديد ما تحقق...و لكن عندي إيمان عميق جدا أنه في كل مرة من مئات آلاف المرات التي دعوت فيها ربنا سبحانه...إما اعطاني خيرا أو صرف عني شرا
المفهوم الثاني للدعاء أن ربنا يعطيك المليون ريال و لكن ليس الآن...يعطيه لك بعد 40 سنة مثلا...لماذا؟ لأنه يعلم بحكمته أن المليون ريال لو جاءتك و عمرك 20 سنة ستكون شرا لك بينما لو جاءتك و عمرك 60 سنة ستكون خيرا لك
المفهوم الثالث أنه يعطيك ما سألت في الوقت الذي سألت...و هذا يحصل عندما تتوافق رؤيتك مع حكمة الله
أمر آخر مهم: بعض الناس حين تحدث له مشكلة يستحي أن يدعو الله...يقول: "يعني أنا أيام الرخاء نسيته و الآن أدعوه! كأنها علاقة مصلحة"
لعلمكم أحيانا الله سبحانه و تعالى يرى عبدا من عباده وقت الرخاء هكذا لا يذكر الله و قد نسيه فيشتاق إليه...فيبتليه بمصيبة لعلمه أن هذه المصيبة ستذكره و تعيده إليه سبحانه و تعالي و تقربه منه و تصبح المصيبة نعمة...فلا تجعل الشيطان يضحك علينا...فالله عز و جل يريدك أن تذكره في السراء و الضراء...فلو نسيته سنين و ذكرته فبابه مفتوح لذلك الاية: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله)(الزمر: 53) هذه آية للناس الذين نسوا ربهم منذ عشرات السنين فالله عز و جل يقول لهم: "تعالوا"
الدعاء له درجات...فكيف يمكن أن تقوي دعائك بحيث يزيد أثره و إستجابة الله لك في شئ واحد خلاصته في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل و الصائم حين يفطر و دعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء"...و يقول الرب عز وجل: (و عزتي لأنصرنك و لو بعد حين) فما العامل المشترك بين الصائم و المظلوم؟ كلاهما في حاجة شديدة لشئ...فالصائم يريد أكلا...و المظلوم يريد رفع الظلم عنه...فالقاعدة كلما زادت حاجتك و كلما كانت دعوتك بكل كيانك و قلبك و فكرك و جوارحك كانت الدعوة أعمق
لذلك أقول: ليس المهم في الدعاء ما نختاره من حروف و لكن المهم ما ينتابك من شعور
و خلاصة الأمر القول: لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك و في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد
و في النهاية نصيحة:
لا تغلط نفس غلطتي و إستغل دعاءك في أمور أهم من أن يطلع لك شنب!
------------------------------
مرحبا أحبائي...أتمنى أن العبرة من قصة اليوم قد وصلتكم
أخبروني في التعليقات هل دعوتم من قبل دعاء سخيف كالذي ذكره الكاتب
و هل لديكم دعوى تظلون تكررونها و لم يستجب الله لكم لكنكم إقتنعتم بعد قرائتكم لمقال اليوم؟
و في النهاية أتمنى أن يوفقكم الله و يستجيب لكل دعواتكم...و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
بثينة علي