المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
موضوع: مُخَلٍّصِي قِط!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) الجمعة مارس 24, 2023 11:52 am
مخلِّصي قط : المقدمة
السلام عليكم
كيف حالكم أيها الطيبون والطيبات؟
رمضان مبارك عليكم وعلى سائر الأمة الإسلامية
ها قد عدت بمشاركتي الثانية لمسابقة النوفيلا فئة الروحانية...وآااااخ كم كان من الصعب كتابتها في هذه الظروف الرمضانية لكن سيرشفني أن تكون عني أنا وقطي اللطيف تستس ( ‾́ ◡ ‾́ )
المهم
يمكنكم تفقد حساب المسابقة من هنا OpenNovellaContestAR
وبالنسبة للفكرة فقد اخترت الفكرة رقم 65
أتمنى دعمكم أحبتي وسأبلغكم في حال ما تأهلت للمرحلة الثانية
وقبل أن نبدأ لا تنسوا متابعة إنستغرامي لنتواصل معا وندردش طول اليوم \(^o^)/
bothaina__ali
والآن لنبدأ
بثينة علي
عدل سابقا من قبل بثينة علي في السبت سبتمبر 28, 2024 10:00 pm عدل 2 مرات
بثينة علي يعجبه هذا الموضوع
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
موضوع: رد: مُخَلٍّصِي قِط!! (بِقَلَم : بُثَيْنَة عَلِي) الجمعة مارس 24, 2023 11:54 am
مخلِّصي قط : الجزء الأول
الحياة متاهة، متاهة لا نهاية لها، قد يوفق البعض منا في النجاة منها لو تعاملوا مع الناس والعثرات بأساليب خبيثة واتبعوا الأنانية والخداع قاعدة في حياتهم، أما أولئك الذين يملكون قلوبا ناصعة البياض فنهايتهم محتومة، وهي البقاء عالقين في تلك المعاناة التي تعتبر جدرانها كتفكير المجتمع، وأفخاخها كالملذات، وألغازها كالظروف المعيشية الصعبة.
تبدأ حكايتنا مع بثينة الشابة البالغة من العمر 22 عاما من مدينة سطيف الجزائرية، هذه الأخيرة فتاة باردة ويائسة تربت منذ مراهقتها على الوحدة والحزن والبرود وعدم الثقة بأي أحد.
منذ طفولتها كانت الوحيدة المقربة منها هي جدتها رحمها الله والآن بعد وفاتها لا مأوى لها ولا سند.
عادت بطلتنا للمنزل بعد يوم شاق من البحث عن وظيفة فدخلت وبحثت في الثلاجة عن شيء تأكله فلم تجد سوى الطعام المعلب القديم الذي سئمت من تناوله مرارا وتكرارا، هي الآن مفلسة وعليها التفكير جيدا قبل تضييع أي دينار.
أخرجت الطعام من علبته وتناولته فاعتلت وجهها نظرات تقزز وقالت:
-«طعمه تغير! يبدو كما لو أنه قديم لدرجة التسمم!»
ثم نظرت لجيبها وأردفت:
-«من يهتم؟ لقد دفعت ثمنه وعلي أكله على كل حال»
تناولت الطعام رغم عدم استصاغتها لطعمه ثم جلست أمام المدفأة لتتدفأ وكالعادة شغلتها على درجة منخفضة جدا بالكاد تدفئ المنزل ففواتير الغاز والكهرباء غالية هذه الأيام وبالكاد تستطيع دفعها.
بينما تتناول طعامها وصلتها رسالة نصية من عند مدير أحد المقاهي يخبرها فيها بأن أحد موظفيه غادر ويريد شخصا يحل مكانه مؤقتا، كانت هذه فرصة ذهبية لها لتعمل لذا ذهبت إليه فورا رغم أن الوقت مساء فهي متحمسة جدا لتجد وظيفة جديدة بعد أشهر من البطالة.
وصلت للمقهى وجلست أمام المدير يتحدثان حول الوظيفة فحدق بها من رأسها لقدميها وقال:
-«إذًا آنسة...»
أجابته بنظرة باردة:
-«بثينة»
-«إذًا آنسة بثينة، قلتِ أنكِ تحتاجين هذه الوظيفة بشدة»
-«أجل»
-«عليكِ أن تعلمي أن وظيفة النادلة ليست سهلة بالمرة فعليك أن تكوني دوما في مزاج جيد وتبتسمي للزبائن وتقولي كلاما لطيفا»
تنحنحت نوعا ما من فحوى كلامه ثم أردف وهو ينظر لها:
-«تخيلي أنني زبونك، قومي بخدمتي»
نهضت ووقفت بجانبه وقالت ببرود:
-«ماذا تطلب؟»
أومأ برأسه أنْ لا منزعجا ورد:
-«لا لا لا، لماذا تتحدثين وكأنك متخاصمة مع الزبون؟ تكلمي بأسلوب أفضل»
-«سيدي، ماذا تطلب؟»
-«الابتسامة»
ابتسمت غصبا وحاولت الاحتفاظ بابتسامتها ثم قالت:
-«ماذا تطلب حضرتك؟»
-«لا لا لا، تبدين كما لو أنكِ مجبرة على العمل هنا، أظهري مرحا وسعادة أكبر»
-«هل علي أن ألقي نكتة على الزبون مثلا؟»
-«هههههههه قالت نكتة قالت، بل توقفي عن جعل نفسك لطيفة غصبا، التظاهر لا يفيد، أظهري لطفك الحقيقي»
لم تستطع فعل ما طلبه منها فأحنت رأسها بإحباط وبقيت تستمع له وهو يوبخها مردفا:
-«النادلة الحقيقية عليها أن تكون لطيفة وحسنة المظهر والتعامل لتجذب الزبائن الجيدين وتجعلهم يعودون مرارا وتكرارا، سواء بجمالها أو لسانها الحلو، لكن أنتِ...»
أفزعه صوتها وهي تصرخ صرخة واحدة فصمت فورا:
-«كفى!»
صمت يحدق بها بقلق فأردفت:
-«هل قلت للتو جذب الزبائن؟ تقصد المنحرفين منهم؟ أعلي أن أكون سلعة لجذب الرجال إليك ليعودوا مرارا وتكرارا إلى هنا ليتحرشوا بي بنظراتهم؟ أهذا ما تقصده؟»
انتبه لها كل الزبائن فشعر المدير بالإحراج والتوتر وقال بهمس:
«أ أ أبدا لم أقصد ذلك»
-«بل قصدته، أنا هنا لأجني رزقي وليس لأكون تجارة رابحة للرجال الوسخين أمثالك، لم أعد أريد الوظيفة، احتفظ بها لفتاة ترضى بيع نفسها لك مقابل المال»
ضربت الطاولة بيدها وخرجت من هناك بثقة، هذا هو الحال معها دائما، هي فتاة حادة الطباع وأي وظيفة تدخلها تتسبب بمشاكل يا إما مع المدير أو الموظفين بسبب سوء الفهم، وهذا ما جعلها دون وظيفة منذ زمن.
عادت للمنزل وأثناء الطريق في الحي كان الجيران يحدقون بها ويبتعدون حين يرونها، فكونها فتاة جريئة وتضع وشما وتدخن وتعيش في منزل بمفردها فالجميع أخذوا عنها نظرة سيئة وسمعتها ليست جيدة البتة خاصة أنها في مجتمع مسلم محافظ.
دخلت المنزل البارد المظلم وحملت صورة جدتها رحمها الله وسالت دمعة من عينها دون أن تدري، كم تشتاق لتلك الإنسانة فهي كل ما لديها، لا عائلة ولا أصدقاء ولا أقارب حتى، أهلها قاموا برميها قرب حاوية القمامة ولا أحد يعرف من هم أو ما سبب فعلهم لذلك، والجدة الطيبة تبنتها لأنها وحيدة وربتها حتى سن السادسة عشرة ثم ماتت وتركتها خلفها تتحمل أعباء الحياة.
بعد أيام من البحث الطويل عثرت أخيرا على وظيفة، وهذه المرة حرصت على أن تختار وظيفة لا تجبرها على التعامل مع الزبائن أو تكلفها اللطافة والابتسامة أو الاختلاط بأي كان، كان عملها مقتصرا على غسل الأواني وتنظيف المطبخ في مطعم صغير يحوي خمس موظفين من الرجال وهي والمدير.
ذهبت هناك وارتدت المريلة وباشرت عملها ولم تكلم أيًا من الموظفين ولو بكلمة واحدة بل كانت هادئة وباردة، لكن يبدو أنها جذبت اهتمام أحد الطباخين ونظراته، ولم تكن تلك نظرات بريئة على الإطلاق.
عند استراحة الغداء خرجت للباحة الخلفية وأشعلت سيجارة ودخنتها بهدوء بينما الجميع يتناولون طعامهم، وعندما خرج الطباخ رآها وابتسم بخبث ثم تقدم منها وقال:
-«هل لي بسيجارة لو سمحتِ؟»
رمقته بنظرة باردة وتجاهلته:
-«اشترِ واحدة لنفسك، المتجر على بعد عشر خطوات»
-«ههههه كنت أمازحك، هلَّا تعارفنا؟ أنا هيثم وأنتِ؟»
-«ليس من شأنك»
-«هههههه ما بالك؟ أحاول مصادقتك هنا»
-«أستطيع تمييز الناس من تصرفاهم، على فكرة لقد رأيتك وأنت تحدق بجسدي قبل قليل لدرجة أن إصبعك احترق بالزيت، المرة القادمة سأفقأ عينيك لذا احترم نفسك»
رمت ما تبقى من السيجارة وتوجهت للباب لتدخل لكنه أمسك ذراعها فتقززت وابتعدت عنه بسرعة وصرخت:
-«لا تلمسني وإلا...»
-«الفتيات أمثالك يتظاهرن بالعفة والكبرياء لينلن الاهتمام لكنني أعلم أنكِ تخفين فتاة سافلة في داخلك، واضح من وشمك وتصرفاتك المنحطة»
-«من أنت لتحكم علي دون أن تعرفني؟ اهتم بشؤونك وأيا كان ما تفكر به ناحيتي فلا أكترث فمن الواضح أنك تقول ذلك لأنني رفضت الكلام معك»
دخلت المطبخ وباشرت عملها دون أن تتناول غداءها حتى، وبينما تعمل بجهد حان الليل وآن موعد إغلاق المطعم، كانت ترتب الأغراض في مكانها ففاجأها هيثم من الخلف محاولا وضع يده على كتفها لكنها سحبت السكين من بين الأواني واستدارت بسرعة ووضعته على رقبته ونظرت له بنظرة حادة كادت تثقبه وقالت:
ابتلع ريقه وحاول التفاهم معها لكن المدير دخل فجأة فرآهما على ذلك الحال وشعر بالخوف وصرخ بذعر قائلا:
-«ما الذي يجري هنا؟! هل تحاولين قتله؟! ضعي للسكين أو سأستدعي الشرطة»
ردت ببرود تام دون أن تنظر إليه:
-«نعم استدعِ الشرطة وأرهم كاميرات المراقبة المعلقة هناك، أعتقد أن أحدهم سيذهب للسجن اليوم»
ابتلع هيثم ريقه بخوف بينما أخفضت الأخرى سكينها وحملت حقيبتها ثم وضعت السماعات في أذنيها وشغلت الموسيقى على صوت عالٍ وعادت تتمشى للمنزل بهدوء بينما هيثم ينظر بتوتر لمدير المطعم، وبعد أن تبادلا النظرات لبرهة قال المدير:
-«أتمنى أن لا يتكرر ذلك»
ابتسم الآخر بتكلف لكنه من الداخل يحترق غيضا، لطالما شعر بأن بثينة فتاة مزعجة ووقحة والآن تأكد من ذلك، لكن احتراما لمدير عمله قرر ترك الأمر يمر.
أثناء طريق بثينة للمنزل شعرت بقطرات من المطر تهطل عليها وحين نظرت لأعلى لاحظت أن السماء المظلمة ملبدة بالغيوم القاتمة، رغم أن الأمطار ستهطل إلا أنها لم تكترث وسارت تحتها بهدوء وتأنٍ.
وصلت للحي تقريبا ولم يبقَ لها إلا عدة أمتار فلاحظت عبر الطريق صندوقا كرتونيا بجانب حاوية القمامة وكان يصدر منه صوت مواء لطيف، مرت بجانبه ولم تعره اهتماما إلا عندما قفز قط فجأة أمامها وسقط بجانبها.
نظرت له باستغراب ثم أوقفت الموسيقى وانحنت نحوه فوجدته قطا أسود ذا عيون صفراء ينظر لها بعيونه اللطيفة ويموء، حدقت به لثوانٍ ثم تجاهلته وأكملت سيرها للمنزل بهدوء.
كان الجو شديد البرودة خارجا فركضت للمدفأة لتتدفأ ثم جلست أمامها مستلقية على الأرض ورأسها يتمايل يمينا شمالا.
صارت تتذكر ما سمعته اليوم من هيثم فشعرت بكل جسمها يحكها، حقيقة أن الرجال يرون النساء فقط مجرد جسد جعلتها تشعر بالتقزز من نفسها.
أشعلت سيجارة ودخنتها بهدوء وهي تنظر للنار الملتهبة، ساورها شعور بالضياع فهي تكره كونها يتيمة وتكره حقيقة أنها وحيدة وضائعة وأنها تتعاطى السجائر وتمتلك وشما في حين أنها تعلم أن كل تلك الأمور لن تصيبها بتحسن بل ستزيد الطين بلة وتؤذي صحتها.
بدأت تنعس وتتثاءب ولم تقوَ حتى على رفع رأسها من على الأرض، أغمضت عينيها فسالت دمعة يتيمة من عينها تعبر عن مدى ضياعها ويأسها، هي حتى لا تستطيع البكاء بحرقة والتنفيس عن حزنها، مشاعرها متبلدة ولا تظهر حين تحتاجها حتى.
فجأة فتحت عينيها بسرعة حين سمعت صوت مواء قريب منها، نهضت من على الأرض وبحثت عن المصدر فإذا به قادم ناحية الباب، فتحت هذا الأخير فتفاجأت بالقط الأسود الصغير الذي رأته اليوم على قارعة الطريق يقف على عتبة بابها وينظر لها بعيون لطيفة وهو مبلل بشدة ومن الواضح أنه يشعر بالبرد الشديد.
احتارت من أمره وكيف لحق بها فهي لا تعرفه ولم تحاول التودد له حتى، كما أنه بالنسبة لها ضيف ثقيل فهو يحاول التعدي على مساحتها الخاصة التي لا تحب أن يقترب منها أي أحد.
تجاهلت وجوده وأغلقت الباب عليه خارجا وعادت للداخل لتتدفأ بالمدفأة وتدخن سيجاراتها بهدوء وشرود، ومجددا سمعت مواءه المزعج الذي أصبح يتعالى شيئا فشيئا ويعبر عن ألم وبرد في نفس صاحبه.
في النهاية خرجت إليه مجددا وكادت تركله برجلها بانزعاج لكنها توقفت حين أدركت أنه يرتجف بشدة وبطريقة محزنة ومرعبة، هذا جعلها تتراجع للخلف وتقرر عدم إيذاءه وتعود بذاكرتها لأيام صعبة لها بعد موت جدتها وهي وحيدة ضائعة لا تعرف كيف تهتم بنفسها، كانت ترتجف من البرد حرفيا وتحاول جاهدة أن تتماسك لكن هيهات فقد كانت لا تملك أي مال لتجلب به لنفسها ما يدفؤها، كانت أيضا تتضور جوعا وتبكي بحرقة كحال ذلك القط المسكين بالذات.
فتحت له باب بيتها وانتظرته أن يدخل ولكنه لم يفعل، يبدو أن قوائمه تجمدت لدرجة لم يعد يستطيع الحركة، حاولت الاقتراب منه ولم يصدر منه أي رد فعل، كان يواصل الارتجاف فحسب.
بدون اكتراث حملته بكفيها نظرا لحجمه الصغير لأنه ما يزال في شهره الأول، وأدخلته المنزل ووضعته أمام المدفأة ليتدفأ، ومع الوقت بدأ يهدأ ويخف ارتجافه شيئا فشيئا.
في النهاية جلست تدخن سيجاراتها أمام المدفأة بشرود شديد وهي تحترق من الحزن والبرد من الداخل، كان شعورها رهيبا ولا يمكن وصفه.
فجأة أحست بشيء يزحف ليجلس بحضنها، نعم لقد كان ذلك القط الأسود الصغير، إنه يحاول التودد إليها ليتدفأ أكثر فيبدو أنه يحب صحبة البشر أكثر من أي شيء آخر.
لم تنبس بكلمة ولم تبدِ أي رد فعل تُذكر، بل اكتفت بالتحديق بالمدفأة بينما القط الصغير يجلس بحضنها ويتدلل في أوساطه.
حل صباح اليوم التالي فاستيقظت ووجدت القط نائما على بطنها بينما هي ممددة على الأرض أمام المدفأة، لم تعِ حتى كيف سمحت لنفسها بالنوم هناك ولم تذهب لفراشها، يبدو أن الاكتئاب أنهكها والوحدة أثلجت قلبها فجعلتها لا تكترث لأي شيء.
أمسكت القط وأخذته للخارج ورمته هناك ثم حدقت به محذرة وهي تقول:
-«أعتقد أنك بقيت بما يكفي، والآن اذهب وامضِ في حياتك وانسَ أنك عرفتني، أنا أكره الحيوانات لذا لا تعد مجددا أو سأضطر لأذيتك»
حدق بها للحظات باستغراب وقبل أن يموء محاولا استعطافها أغلقت الباب في وجهه وعادت للداخل لتتجهز للعمل.
في المطعم الذي تعمل فيه كان الجميع مشغولين بعملهم الموكل إليهم، وفي استراحة الغداء توجهت بثينة للباحة الخلفية لتدخن فخرج المدير ووقف بجانبها ليتحدث معها عن ما حصل بالأمس وقال:
-«آنسة بثينة، استخدام السلاح الأبيض قد يورطك في قضايا قانونية لذا لا أنصحك باستخدامه مجددا»
-«أجل أنت أيضا ألقِ اللوم على النساء في كل ما يحدث في العالم، هن المجرمات وهن سبب انقراض الديناصورات وثقب طبقة الأوزون»
-«لم أقصد لومك في أي شيء، ما قصدته أن ما حصل بينكما لا يجب أن ينتهي بتهديد بالسلاح، في النهاية أنا هنا ويمكنك طرح مشاكلك علي وأنا سأحلها»
-«ها قد عرفت مشكلتي، هل حللتها؟ هل طردت ذلك المتحرش؟ لا أرى أنك حركت أي ساكن»
-«هذا الطباخ يعمل عندي منذ خمس سنوات وهو يبلي بلاءً حسنا فلا داعي للتوجه للطرد مباشرة»
-«أجل أجل، يال براعتك في حل المشاكل، على كل لم أتوقع منك أي شيء»
رمت ما تبقى من سيجارتها جانبا ببرود ثم استدارت لتحدق فيه بعيون جادة وقوية وأردفت:
-«لقد اعتمدت على نفسي طول حياتي ولم أنتظر مساعدة أي أحد، لا أنت ولا غيرك، لذا مشاكلي سأحلها بنفسي، لذا أخبر طباخك العزيز الذي يعمل هنا منذ خمس سنوات والذي يبلي بلاءً حسنا أنه إن لم يتوقف عن إزعاجي فسأستخدم معه طرقي الخاصة، ولو كلفني الأمر حياتي أو حريتي، من يهتم للحياة في السجن على كل حال فحياتي الحالية من الأساس سجن، لا شيء فيها مهم البتة ولا يمكنني تحملها أكثر من ذلك لذا فالأفضل لي أن أغيرها ولو كان هذا التغيير حياة جديدة في السجن، سجل ذلك جيدا في دماغك أيها المدير، أنا لا أخاف شيئا، بل أنتم من يجب عليكم أن تخافوا لأنكم تتمسكون بالحياة بقوة أما أنا فالظلام يحيط بي من كل مكان ولا شيء لدي لأخسره»
قالت خطابها الطويل ذاك وغادرت فجعلته يقلب شفته السفلية من تعجرفها وأسلوبها الفظ، ثم قال بنبرة باردة:
-«يالها من مزعجة! كيف يمكنها أن تكلم أي أحد بهذه الطريقة؟! بل وهددتني بكل برود، أتمنى لو كان هناك سبب لطردها فهي تبدو مسببة للمشاكل»
عدل سابقا من قبل بثينة علي في السبت سبتمبر 28, 2024 9:59 pm عدل 2 مرات
بثينة علي يعجبه هذا الموضوع
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
الكل منشغلون بالعمل الآن في المطعم، بثينة تغسل الأواني وترتبها وباقي الموظفين يطبخون ويساعدون في التحضير وأخذ الطلبات للزبائن والترحيب بهم، وحين حانت فترة الغداء تناوبوا حتى يتناولوا طعامهم وخرجت بثينة عبر الباب الخلفي ومعها شطيرة لحم والتي هي عبارة عن غدائها المعتاد.
بينما تأكل لاحظت بالقرب منها كتلة سوداء من الشعر تقترب، تأملت فيها جيدا حتى لاحظت أنه نفس القط الأسود الذي نام في منزلها بالأمس فقطبت حاجبيها وخاطبته بانزعاج:
-«أنت مجددا؟! كيف عرفت بوجودي هنا؟!»
نظرت حولها فرأت أن حاوية القمامة التي وجدته فيها قريبة على كل حال لذا لا عجب أنه يتجول في الجوار، لذا أردفت مجددا:
-«حسنا حسنا، غادر الآن وتظاهر أنك لا تعرفني»
حدق بها بهدوء ثم صار يموء بلطف مرات متكررة ويرمش بعينيه فأردفت أيضا:
-«جائع؟! تريد شطيرتي؟ لاااا أبدا انسَ الموضوع، أنا أيضا جائعة للغاية والطعام لا ينبت على الأشجار، انقلع فورا»
دفعته برجلها بهدوء مبعدة إياه فصار يقترب مجددا وهذه المرة حاول فرك وجهه بساقيها، نظرت له للحظات ثم أبعدته مجددا وقالت:
-«يوووووه ابتعد! تتودد من أجل الطعام؟! استرجل يا أنت! أو يا أنتِ، لا أعلم حتى ما جنسك ولكن ما أعلمه أنه يمكنك الصيد وإطعام نفسك لذا دع طعامي لي»
انزعجت منه فدخلت المطعم لتأكل براحتها وبينما تبتلع شطيرتها في داخل قاعة الاستراحة رأته يقفز عبر النافذة وينظر لها بلطف ويموء محاولا استعطافها فصرخت عليه بحدة:
-«معذرة! أريد الأكل هنا!»
استدارت للناحية الأخرى وتركته يموء وبينما تأكل رآها أحد النادلين الذي جاء للتو فابتسم وأخذ من طعامه وفتح النافذة ثم أعطاه للقط وكان سعيدا جدا به، ثم ذهب للجلوس على الكرسي ليأكل وبثينة تراقبه بطرف عينيها حتى قال:
-«كان لدي الكثير من القطط سابقا لذا لا يمكنني مقاومة طلباتهم»
تظاهرت أنها لم تسمع شيئا وواصلت تناول طعامها، ثم أردف:
-«أحب هذه الحيوانات، أليست لطيفة يا بثينة؟»
ردت ببرود بعد فترة:
-«لا»
-«أليس قطك؟»
-«لا»
-«غريب! ظننته لك، يبدو أنه يحبك»
-«هل يبدو أنني أحبه؟»
-«لا أدري، حكمت عليك بعد أن رأيته يحاول طلب الأكل منك، يبدو أنه معتاد على الأكل من يديك لذا عاد لطلب الطعام منكِ بالذات، أعرف الكثير عن سلوك القطط وسلوكه يقول أنه يحبك ويعتبرك مصدر طعام وسعادة له»
-«إنه يكذب»
-«إذًا لا بد أنكما التقيتما سابقا ومازال يتذكر موقفا طيبا فعلتِه له»
توقفت عن الأكل ونظرت له بفضول وقالت:
-«هل تُعتبر تدفئته موقفا؟»
-«طبعا، لو كان الجو باردا، أوووه يال طيبتك رغم مظهرك القاسي»
-«امممم، لا لم أفعل»
انفجر ضاحكا على جوابها ثم اقترب منها ومد يده مصافحا إياها لكنها لم تردها له، ثم قال:
-«أدعى ربيع، ربما لم تتح لنا الفرصة لنتعرف على بعضنا، المهم، لدي خبرة في تربية القطط وسأساعدك لو احتجتِ أي نصيحة»
-«قلت لك لا تهمني القطط ولا أريد تربية أي شيء»
-«ههههه كما تريدين، لكن عرضي مازال ساريا»
نظرت له بحدة وقالت:
-«هل تحاول مغازلتي؟»
-«ههههه لا، سأقولها بصراحة، لستِ نوعي»
-«وما نوعك يا عنترة زمانك؟»
-«فتاة تحب القطط هههههه، لكن يسرني أن نصبح أصدقاء»
لم ترد على طلب صداقته حتى وواصلت تناول طعامها حتى أردف هو:
-«أووه أجل العمل ينتظر، أراك»
ذهب ليوصل طلبات الزبائن ونظرت بثينة للنافذة فوجدت القط قد أكل وغفى على حافتها، اقتربت قليلا وتأملته وكان شكله لطيفا خاصة حين يتثاءب أثناء نومه ويتمدد.
حل المساء وانتهى دوامها فخرجت ونظرت من حولها ولم تجد أي أثر للقط، شغلت موسيقى هادئة في سماعتها وسارت بهدوء لمنزلها الذي لا يبعد كثيرا عن مركز عملها.
وصلت أخيرا فوجدت تحت الباب ظروفا بريدية وعندما فتحتها وجدتها وكالة الكهرباء قد أرسلت لها إنذارات لدفع الفواتير أو سيتم قطع الخدمات عنها، تنهدت بعمق ورمتها في القمامة وقالت:
-«هذه المرة سأدفع الفواتير، والمرة القادمة سأرى ما أفعل بالمال، الادخار لن ينفعني»
فجأة سمعت صوت شيء يضرب الباب وحين فتحته وجدت صخرة مربوطا بها رسالة فارتجف جسدها، حملتها بهدوء وقرأتها فوجدتها تهديدات بالقتل لذا دخلت مسرعة وأغلقت الباب بالمفتاح.
مجددا نظرت للرسالة وتذكرت أنها لم تدفع مبلغ القمار لأصحابه، أجل فقد ورطت نفسها سابقا في ألعاب القمار لتفوز بالمال وتحسن حياتها لكن فشلت فشلا ذريعا بسبب نقص خبرتها، والآن هي عالقة مع الشخص الذي تدين له بالمال.
بعد أن هدأت قليلا قالت بتوتر:
-«أحتاج وقتا طويلا لجمع المال، لكن لا أعتقد أنه سيمهلني هذه المدة»
في يوم الغد خرجت من المنزل وهي تغطي وجهها بالوشاح، لا يمكنها البقاء خارجا طويلا فصاحب مال القمار يراقبها، ربما لا يستطيع مهاجمتها في العلن لكنه سيجد طريقة ليوصل لها رسائل التهديد.
بعد وصولها لمركز عملها وجدت الموظفين يستعدون لبدء العمل وأحدهم ينظف الطاولات ويمسحها جيدا وعندما رآها قرر الكلام معها قائلا:
-«صباح الخير»
ردت عليه ببرود فهي تعلم أن الرجال مزعجون ومن الأحسن عدم مجاراتهم وإلا سيفتح لهم هذا الباب للتمادي أكثر، ثم أردف بعد ردها:
-«المدير سيتأخر في المجيء اليوم لذا سأكون نائبا له»
لم يكترث أي أحد لكلامه وواصلوا تجهيزاتهم لبدء العمل، ثم قال هيثم:
-«مهدي! هل حقا تظن أنه يمكنك التحكم فينا بدلا من عمك؟»
تعجبت بثينة قائلة:
-«عمه؟!»
-«أجل عمه، هذا الفتى مهدي يكون ابن أخ المدير، أيتها الجميلة»
غمز لها فقطبت حاجبيها وقالت:
-«افعلها مرة ثانية وسأستخرج عينيك بالشوكة»
-«ههههه عنيفة كالعادة، على كل حال أراكم»
توجه الجميع لعملهم بملل وتجاهلوا مهدي المسكين الذي كان يريد أن يكون نائب المدير غصبا عنهم فصرخ بغضب قائلا:
-«ستندمون حين أخبر عمي بكل شيء»
باشروا العمل جميعا بتكاسل وذلك لأن المدير غير موجود، فتارة يلهون وتارة يتركون الزبون ينتظر ويذهبون لللعب بهواتفهم، ورغم محاولات مهدي لضبطهم لكن لم يستطع فلم يكونو يسمعون كلامه حتى، الوحيدة التي تعمل بجهد هي بثينة، وكالعادة رافق جهدها هذا عدم اكتراث بأي شيء مما يدور حولها.
حانت استراحة الغداء ففتح ربيع باب المخرج الخلفي فوجد القط الأسود جالسا أمامه وينتظر شيئا ما فهتف قائلا:
-«أوووه القط اللطيف الأسود! أهلا أهلا هل تبحث عن صاحبتك؟ ها هي هنا تفضل»
سمعته بثينة وهي تحمل طعامها فردت ببرود:
-«لست صاحبته»
-«هذا ما سنعرفه الآن»
بينما الباب مفتوح دخل القط واقترب من بثينة وصار يفرك جسده برجليها ومن شدة لطفه قال ربيع:
-«أوووه لا بد أنه يحبك كثيرا ويعتبرك صاحبته»
-«لست كذلك»
-«أقنعيه بهذا»
نظرت للقط الذي لا يتوقف عن التودد لها فاستفزها لذا وضعت طعامها جانبا وانحنت نحوه ورفعت إصبعها في وجهه مهددة بحدة:
-«أيها الكائن المقرف توقف عن إزعاجي، غادر هيا، أريد تناول غدائي لأعود لعملي»
لم يفهم شيئا مما قالته لكن بدل ذلك فرك وجهه بإصبعها الذي ترفعه فتقززت وهربت وصرخت بحدة:
-«أيها المقزز! كنت سأتناول طعامي، علي تعقيم يدي الآن»
وضع ربيع يده على خده وهو ينظر لهما بلطف:
-«كيف تتقززين من هذا المخلوق؟! كنت أنا وقططي نأكل من طبق واحد»
-«توقف وإلا سأتقيأ»
-«ههههه الممتع أكثر إزعاجك»
-«هفففف مزعج»
أسرعت للحمام وغسلت يديها جيدا وكررت غسلها بالصابون مرارا وتكرارا، وبينما تفعل فجأة توقفت وتذكرت تلك اللمسة الحنونة التي أعطاها القط، كان فروه ناعما ووجهه دافئا جدا بطريقة لطيفة، رغم أنها تشعر بالتقزز لكنها أعجبت بالشعور نوعا ما.
تجول القط في داخل المطبخ وأعطاه ربيع بعض بقايا الطعام وبقي يراقبه لفترة، هذا حتى أتى مهدي ورآه هناك فصرخ مفزوعا:
-«قط! أخرجوا هذا المقرف من هنا وإلا سيسقط شعره في طعام الزبائن»
رد ربيع بدون اكتراث:
-«اهدأ يا صاح، حتى ولو، شعره أنظف من وجهك»
-«هذا ليس شيئا تقرره أنت، الزبائن يتقززون ولو وجدوا شعرة واحدة سينال مطعما سمعة سيئة»
-«ههههه وكأن سمعته براقة، يا صاح طعام طباخينا سيء جدا»
رد عليه هيثم وهو يطهو بجانبه:
-«تعال واطبخ مكاني، ليس من السهل المحافظة على نفس الجودة وأنت تطهو الطعام نفسه كل يوم وطوال اليوم»
قال ربيع ساخرا:
-«نعم نعم ضع اللوم على الروتين ههههه»
بقيت بثينة تستمع لشجاراتهم وهي قاطبة حاجبيها والقط يتجول في المكان، لم يتوقفوا أبدا بل اشتد نقاشهم وتركوا الزبائن ينتظرون وتحول المكان لفوضى.
فجأة دخل المدير من الباب الخلفي وعندما رأى ذلك الوضع المزري صرخ صرخة واحدة:
-«لماذا تقفون عندكم ولا تعملون؟ ومن أدخل هذا القط إلى هنا؟ تريدون تدمير سمعة المطعم؟ أخرجوووووووه»
أشار ثلاثتهم نحو بثينة التي كانت بريئة من كل ما يجري ولكنها لم تدافع عن نفسها ولم تنبس بكلمة.
حمل المدير القط من رقبته ورماه خارجا ككيس النفايات وواصل الحميع عملهم خوفا من أن يتم طردهم.
بدأت تمطر في الخارج والقط المسكين يقف في المطر حتى بدأ بالتبلل، وبينما تمر بثينة على النافذة رأته ووقفت تشاهده، لم تكن تعابير وجهها واضحة حتى، لن تفهم منها أهي نظرات شفقة أم تشمت.
رآها ربيع تنظر عبر النافذة فألقى نظرة، وحين رأى القط أسرع وأحضر صندوقا بلاستيكيا من المطعم يُستخدم لتخزين الخضروات ووضعه للقط على شكل مأوى ووضع له داخله سترته ليجلس عليها ثم عاد للمطعم مبللا قليلا.
شاهدت بثينة كل ذلك ولم تنبس بكلمة بل اكتفت بالعودة لعملها متجاهلة كل شيء.
في المساء انتهى دوامها هي وربيع معا وبينما يخرجان جاء مهدي ليودع صديقه قائلا:
-«الجو بارد في الخارج، أين سترتك؟»
-«ههه لا يهم فلدي دراجة، سأصل أسرع منكم جميعا»
-«حسنا رافقتك السلامة»
صعد دراجته وغادر بينما تراقبه ثم نظرت لمهدي فقال لها:
-«رافقتك السلامة أيضا بثينة»
ردت ببرود:
-«شكرا»
عادت لمنزلها تفكر بكل ما حصل اليوم وبالفعل أحست بشيء غريب في داخلها، هناك اختلاف طفيف طرأ عليها ولكنها لا تدري ما هو، تستطيع أن تجزم أنها لم تعد نفسها التي كانت قبل أن تأتي لهذا المطعم.
في الغد ذهبت لتعمل وبينما تدخل من الباب الخلفي شاهدت ربيع يقوم بصنع شيء ما بمجموعة أخشاب ومسامير ومطرقة، تجاهلته وسارت عدة خطوات ولكن عيونها ظلت تتجه سرا نحوه بفضول لتعرف ماذا يفعل.
في النهاية استدار ورآها فتحدث معها بنفسه قائلا:
-«صباح الخير بثينة، تعالي لتري»
رغم فضولها تظاهرت بالبرود واقتربت منه فوجدته يصنع بيتا خشبيا صغيرا وقالت:
-«يبدو أنك تحب النجارة»
-«هههه ليس أي نجارة، بل فقط صنع مسكن للقطط»
-«قطط؟! لماذا؟»
-«بالأمس كان قطك...»
قاطعته قاطبة حاجبيها:
-«ليس قطي»
-«هههه حسنا حسنا، ذلك القط الأسود تبلل من المطر، القطط لا تحب الماء أبدا، لذا كان علي فعل شيء لحمايته، استخدمت صندوق الخضر لكن لو رآه المدير سيطردني هههه، لذا أحضرت معي هذه الأخشاب اليوم لاصنع منها مأوى، ما رأيك؟»
-«ما الفائدة؟!»
-«هههه ما هذا السؤال السخيف؟ الفائدة حماية القط»
-«وماذا بعد؟ إنه ليس قطك حتى، ثم سيتدبر أمره»
-«هههه أنتِ تتكلمين معي أكثر من المعتاد! ظننتك صماء في السابق»
انتبهت أنها فعلا تكلمت أكثر من اللازم، المرات الماضية كانت تجيب فقط بكلمة واحدة مثل نعم، لا، حسنا، والآن أصبحت تسأل وتناقش، بعد أن أدركت ذلك صمتت فجأة، ثم قال ربيع:
-«ربما تتساءلين لماذا أحب القطط؟ لا أعلم، لكنها أقرب لقلبي من البشر، منذ مدة كان لدي الكثير منها، لكن الآن لا شيء حرفيا وأشعر بالوحدة الشديدة»
بدا عليه الحزن وشعرت بالفضول لتعرف ما القصة، لكنها صمتت لفترة، وفي النهاية قالت:
-«يمكنك أخذ القط الأسود وتربيته»
-«لا أستطيع، والدتي أصيبت بمرض بسبب قططي لذا تخلصت منها كلها، ولا يمكنني إحضار أي قط للمنزل بعد الآن»
-«مازلت تعيش مع والدتك؟!»
-«طبعا، لا تقولي أنك لا تعيشين معها!»
صمتت بشكل مرعب من كلامه هذا ثم توجهت نحو الباب لتدخل المطعم وتباشر عملها لكنه أوقفها صارخا من الخلف:
-«ماذا عنك؟ خذي القط لتربيته بما أنه ليس لديك والدة تكره القطط أو تمرض منها»
ردت عليه بحدة دون النظر في وجهه:
-«اهتم بشؤونك»
حان موعد الغداء وخرجت بثينة عبر الباب الخلفي وجلست على الرصيف تأكل طعامها وحدها براحة، لطالما كانت تكره الاختلاط بزملائها وتحب العزلة والاستماع للموسيقى الهادئة.
بينما تأكل نظرت جانبا فرأت القط الأسود داخل المنزل الخشبي ويبدو أنه أحبه للغاية ونام داخله.
تجاهلته لبعض الوقت وحين شم رائحة طعام فتح عينيه واقترب منها فقالت بحدة:
-«لا تقترب وإلا سأضربك»
بطبيعة الحال لم يفهم كلامها ولكنه بقي قريبا منها ويموء ببطء دليلا على أنه جائع، حينها أردفت قائلة:
أخرجت له لسانها كسخرية وأخذت تأكل شطيرتها، وبينما تفعل بقي يتودد لها بنظراته ويرمش حتى أزعجها ذلك فقالت بتململ:
-«حسنا لقد فزت، خذها فقط حتى تتركني وشأني، لا تظن أنني مهتمة لك أو شي كهذا فأنت كائن مزعج»
رمت له قطعة من شطيرتها ببرود فصار يشمها بهدوء ثم تناول منها بنهم وسعادة وهي تراقبه وتقول:
«كائن مزعج للغاية»
نهضت لتدخل المطعم فرأت ربيع ينظر لها عند الباب بابتسامة ثم قال:
-«الكلام مع القطط شيء جميل، والأجمل مشاركتها طعامك»
شعرت بالإحراج فأحنت رأسها ودخلت مسرعة دون أن تنظر إليه وتمنت لو أنها مسحت ذاكرته لكي ينسى ما رآه للتو، حتى أنها أبقت نفسها بعيدة عنه طوال اليوم فقط لكي لا يذكر الأمر أمام البقية ويحرجها وتخسر هالتها القاسية والجادة.
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
في المطعم الذي تعمل فيه بثينة وبينما هذه الأخيرة منهمكة بالعمل وجمع الأواني أخذتها ووضعتها على المائدة وبالخطأ وقع طبق وانكسر، وبينما هي قلقة من أن يجعلها المدير تدفع ثمنه رأت أحد الطباخين يجمع القطع الزجاجية ويرميها في القمامة ثم وضع إصبعه على فمه مشيرا لها أن تصمت ولا تقول أي شيء حول ما حصل.
دخل المدير بعد أن سمع صوت التحطم فصرخ عليهم قائلا:
-«من منكم كسر شيئا؟!»
شعرت بثينة بالقلق من أن يسألها ولكنها تفاجأت حين سمعت الطباخ يجيب قائلا:
-«لا شيء، أنا من ضربت الصحون ببعضها بالخطأ، لا تقلق فكل شيء بخير»
يبدو أن المدير يثق بهذا الطباخ ثقة عمياء لذا غادر دون شك أو نقاش وهذا ما أذهل بثينة.
حانت استراحة الغداء وذهبت هذه الأخيرة لقاعة الاستراحة لأنها تمطر خارجا حيث اعتادت أن تأكل، ظنت أنه لن يأتي أحد لكن نفس الطباخ دخل وجلس على الطاولة بجانبها وبدأ يأكل، تمنت لو أنها تستطيع شكره لكن كبرياءها وكرهها الشديد للرجال منعاها من ذلك.
بعد تناوله الطعام حمل طبقه وغادر وبينما يخرج نادت عليه بتوتر:
-«ع ع عذرا!»
للأسف لم يكترث لها وغادر ببرود دون أن يستدير حتى وهذا ما جعلها تحترق من الغيض وتقول:
-«هل تجاهلني للتو؟ ياله من مزعج!»
قررت أن تنسى الأمر نهائيا وذهبت لاستئناف عملها ولكن ما حصل اليوم ظل يتردد في ذاكرتها لذا وقفت بجانبه وقالت ببرود:
-«أنت! لدي شيء لأقوله»
وللأسف لم يكترث لأمرها مجددا فزادها الأمر غيضا وحقدا عليه فصرخت:
-«لا تتجاهلني، لن آكلك، رد علي فورا وإلا لن أتكلم معك مجددا»
وللمرة الثالثة كان ملتهيا بعمله وسعيدا به بينما هي تشتعل غيضا، حينها جاء نحوها مهدي وقال:
-«تكلمين إدريس؟! إنه مشغول بالاستماع للموسيقى»
أجابته بصدمة:
-«موسيقى؟! أتقصد أنه لا يتجاهلني؟»
-«لا طبعا، يقول هذا كل من لا يعرفه، أما نحن فنعرف منذ أول يوم لنا معه أنه يضع الموسيقى الهادئة في سماعته ويفكر بينما يطهو باستمتاع»
-«ولماذا لم يخبرني؟»
-«هههه لا يبدو أنك تحبين أن يتحدث معك أي أحد»
أدركت أنها أخطأت في حكمها على ذلك الشاب لذا قررت أن تنسى حقدها فحسب وتواصل عملها كما لو أن لا شيء حصل.
توقف المطر، وحين أرادت بثينة إخراج القمامة خرجت من الباب الخلفي وسارت نحو الحاوية، وبينما تعود رأت إدريس يخرج لكي يدخن فتقابلا عند الباب، ابتسم لها ثم أشعل سيجارته وبقي يدخنها وهي واقفة تشاهده حتى قال:
-«رأيتك تدخنين من قبل، تريدين سيجارة؟»
رفع واحدة في وجهها فذهبت لتأخذها منه لكن ما إن كادت تمسكها حتى سحبها وأخفاها عنها وقال:
-«التدخين مضر بالصحة»
-«لكنك تدخن»
-«لكن هذا لا يغير حقيقة أنه مضر بالصحة»
-«حسنا، احتفظ بها لنفسك»
-«أنتِ فتاة، من المستحسن أن تتركي هذه الأمور الذكورية وتعودي لطبيعتك»
-«هل كُتب في علبة السجائر أنها ممنوعة على الفتيات؟»
-«لا»
-«أعتقد أنك فهمت الفكرة التي أريد إيصالها»
ضحك بصوت خافت على كلامها ثم كتم ضحكته فانزعجت وقالت:
-«أتسخر مني؟»
-«هههههه لا، لكن أنتِ فتاة مزعجة حقا»
-«وتقولها بجرأة؟»
-«ههههه، أنا صريح جدا، وأكثر مما تظنين»
-«لكن ليس فيما يتعلق بكسر الصحون أليس كذلك؟»
-«هههههه نعم فيما عدا الأشياء التي تسبب مشاكل، أحب مساعدة الناس»
صمتت لفترة وهي تحاول في عقلها نطق كلمات شكر له على ما فعله ولكنها لم تستطع، بدل ذلك قالت:
-«هل تحب الموسيقى؟»
-«نعم أعشقها، الموسيقى الهادئة»
-«كيبوب؟»
-«أجل بالضبط، وبوب أمريكي وحتى أغاني عربية هادئة»
أرادت أن تخبره أنها نوعها أيضا ولكن شعرت بالتوتر فمشاركتها لاهتماماتها مع شخص آخر هو شيء كثير على إنسانة باردة وانطوائية.
فجأة سمعا صوت كلب ينبح بشراسة وقط يصرخ من الألم فذُعرا، تبعا الصوت فوجدا القط الأسود الصغير محاصرا بين حاويتي قمامة وهناك كلب يدخل رأسه ليحاول التهامه، والمؤسف أنه تمكن من عض جسده السفلي والقط يتألم بشدة ويصرخ.
كان على وشك أن يسحبه للخارج فركض إدريس وركل الكلب فهرب بعد أن أفلت القط، وعندما ألقى نظرة عليه وجده قد تأذى من بطنه وساقيه وينزف بشدة.
قال إدريس بقلق:
-«إصابة قاتلة! يا إلهي!»
حمله بهدوء في علبة كرتونية وأخذه بجانب المطعم ودخل يبحث عن علبة الإسعافات، وبينما بثينة تقف وتنظر للقط وهو يتأوه من الألم ويتنفس بسرعة شعرت بقلبها يتمزق من الأسى.
عاد إدريس مع علبة الإسعافات وعندما رآه البقية خرجوا ليروا ما المشكلة فشعروا بالحزن على القط.
قال ربيع حزينا وهو ينظر له:
-«الإصابة عميقة! ترى هل سينجو؟»
رد إدريس:
-«سأبذل جهدي لمحاولة إسعافه لكن سنرى...»
-«لا تضمد جرحه، دعه مكشوفا فالجروح العميقة تحتاج الهواء»
-«وما أدراك؟!»
-«ربيت عشرات القطط سابقا»
قال مهدي بقلق:
-«حقا لا أحب القطط ولكن أتمنى أن يكون بخير»
خرج لهم المدير فوجدهم قد تركوا العمل واجتمعوا هناك فصرخ بغضب:
-«عودوا لعملكم فورا، سأطردكم لو كررتم هذا»
رد ربيع بحزن:
-«لكن يا حضرة المدير...القط سيموت»
-«وأنا ما همي؟ أدفع لكم مقابل ساعات محددة من العمل ومن حقي أن تركزوا على العمل أما خارج ذلك فيمكنكم فعل ما تشاؤون»
انصرف الجميع حزينين ما عدا بثينة التي كانت تحدق بالقط ببرود ثم انتفضت وركضت عائدة للعمل تاركة إياه في منزله الخشبي.
بقي الموظفون يعملون طول اليوم ومن حين لآخر يلقون نظرة عبر النافذة للاطمئنان على القط في حال كان قد توقف عن التنفس أو هاجمه كلب مرة أخرى.
في نهاية الدوام ذهبوا جميعا للاطمئنان عليه فوجدوه ما يزال حيا وقال ربيع:
-«لا يمكننا تركه هنا، سيهاجمه الكلب مجددا، على أحد أن يصطحبه لمنزله حتى يشفى، لكن حقا أنا لا أستطيع أخذه، من يتطوع منكم؟»
ثم قال مهدي:
-«يعععع لا أحب القطط»
-«لا تقل عنها يععع وإلا سأقتلك»
ثم قال إدريس:
-«وأنا أيضا لا أستطيع فوالدتي تكره الحيوانات»
ثم قال ربيع:
-«ما العمل الآن؟! لا يمكنني أن أنام الليل مرتاحا لو لم أضعه في أيدٍ أمينة»
بدا وكأن بثينة الواقفة أمامهم خفية تماما فلم يطلب منها أحد أخذه لذا رفعت يدها بهدوء وقالت بتوتر:
-«أ أ أ أنا...س س سوف آخذه»
تفاجأ الشباب ثلاثتهم من الأمر وقال مهدي:
-«أنتِ؟! لا يبدو كما لو أنك تحبين فعل أي شيء جيد لأي أحد أو مخلوق»
ثم قال ربيع:
-«ليتك رأيت معاملتها له، إنها تكرهه»
-«أجل أجل واضح من ملامحها»
-«أخاف أنها تخطط لاغتياله، لا يجب أن نثق بها كثيرا»
-«ليس لهذه الدرجة ولكن لن تعتني به بكل ذمة وضمير»
-«أتفق»
قال إدريس بينما يحمل صندوق القط ويسلمه لبثينة التي أحبطتها كلماتهم:
-«اخرسوا أنتم، الإناث أرق وأحن منا نحن الرجال لذا لا تعتقدوا أن القط سيكون بخير معنا وليس معها»
صمت الاثنان بينما أنزلت بثينة رأسها بإحباط مخفية وجهها الذي يملأه البرود المرعب، هذا فقط حتى لا يحكم البقية عليها بأنها عديمة إحساس.
عادت للمنزل أخيرا وهي متعبة ووضعت الصندوق الذي فيه القط جانبا وألقت عليه نظرة، بدا أنه يشعر بالبرد لذا وضعته بجانب المدفأة وبقيت تنظر له.
الجيد في الأمر أن النزيف توقف لكن الجرح مرعب، كان القط محظوظا فلو لم يتواجد إدريس هناك وينقذه لكان الكلب ابتلعه.
وضعت له بعض التونة والحليب في الصندوق ثم ذهبت لتنام، كان أملها أن يستيقظ ويأكل رغم أنه يبدو متعبا للغاية وقد لا يعيش للغد، لكنها تمنت أن تحصل معجزة إلاهية وينجو.
في صباح اليوم التالي فتحت عينيها وقبل أن تفعل أي شيء أسرعت للقط لتتفقد أحواله، ويال الدهشة! وجدته قد استيقظ وتناول التونة ولعق بعضا من الحليب وها هو ذا يستلقي ويلعق مكان الجرح.
رغم أن ملامحها لم تتغير أبدا ولكن في أعماقها كانت سعيدة لأنه بخير ولم يمت، هذا صنع يومها ولأول مرة منذ سنوات بدأ الثلج يذوب عن صدرها شيئا فشيئا.
خرجت نحو مركز عملها تسير بهدوء مع الموسيقى الهادئة وبينما هي منغمسة في كل ذلك ظهر ولد صغير يبدو في العاشرة من عمره وركض ناحيتها وسرق حقيبتها وهرب، في البداية لم تستوعب الأمر لكن لاحقا لحقت به حتى سار عبر الشوارع الضيقة واختفى في نقطة مغلقة.
نظرت من حولها فلم تجده ولا حتى أي بشري هناك، إنها أزقة ضيقة فارغة ومرعبة، استدارت لتغادر فانصدمت برجلين يحاصرانها ويغلقان عليها المخرج الوحيد وأحدهما يملك سكينا.
قال الأول:
-«تعرفين من أرسلنا صحيح؟»
حاولت الحفاظ على برودها الشديد رغم أنها خائفة وردت بصوت مهزوز:
-«أعتقد ذلك»
-«إذًا؟ أين المال؟»
-«ليس معي حاليا»
جاء الولد الذي سرق حقيبتها وسلمها له فأفرغها بكل محتوياتها ولم يجد سوى مبلغ صغير من المال يكفي سعر وجبة واحدة.
حينها قال الثاني:
-«أين المال؟»
-«قلت ليس معي»
-«متأكدة؟»
أمسكها من ذراعها على حين غفلة وتقدم منها الآخر ووضع السكين على رقبتها وقال:
-«يبدو أنك لا تخشين شيئا، صبرنا قليل وقد انتظرك العقرب بما يكفي»
-«اسمه العقرب؟!»
أعطاها لكمة لبطنها فتألمت بشدة ثم أردف:
-«والآن أين المال؟»
ردت وهي تختنق من الألم:
-«لم أستلم...ر ر ر راتبي بعد»
-«حجة جيدة»
لكمها لكمة أخرى أقوى من الأولى فجثت أرضا من الألم وبينما يوجه السكين لبطنها صرخت بخوف:
-«توقف! سأسلم المال للعقرب أقسم لك، أمهلاني بعض الوقت فأنا أبذل جهدي لجمعه، لم أنسى أمره يوما ودائما أخطط لذلك»
-«رغم أنه انتظرك طويلا لكن حسنا سنرى»
أفلتاها وغادرا فجمعت أغراضها بسرعة وغادرت، وصلت للمطعم وارتدت مريلتها وهي متوترة وغير مستقرة نفسيا، فاجأها ربيع وهو يظهر أمامها ويقول بقلق:
-«بثونة! هل هو بخير؟»
-«بثونة؟!»
-«مجرد اسم دلع، أجيبي هل هو بخير؟»
-«ما هو؟!»
-«القط، فكرت فيه طوال الليل وخفت أن يتأذى، وتمنيت لو لدي رقمك لأتصل وأعرف»
-«إنه بخير»
-«هل يتحرك؟ هل أكل؟»
-«أجل»
-«هل وضعتِ له الدواء هذا الصباح؟»
-«لا»
-«لماذا؟! عليك وضع الدواء له مرة صباحا ومرة مساءً»
-«ليس لدي دواء حتى»
-«سأشتري لك فورا»
أراد الخروج في وقت العمل من الباب الخلفي وفجأة وجد المدير في وجهه واقفا يثني ذراعيه بغضب فقال ربيع بتوتر:
-«حاضر حاضر سأعود للعمل»
بينما بثينة تعمل مرت بجانب المطبخ فنادى عليها إدريس قائلا:
-«بثينة! هل القط بخير؟»
قطبت حاجبيها وردت ببرود:
-«أجل»
-«يجب أن تعتني به جيدا»
-«حسنا»
-«إن كنتِ تريدين المساعدة فسأساعدك»
-«حسنا»
بينما مهدي يأخذ طلبات الطعام مرت بثينة بجانبه فنادى عليها:
-«كيف حال القط؟»
هذه المرة انزعجت حقا لكن حافظت على برودها وردت:
-«جيد»
-«سأجمع له بقايا اللحم خذيها له»
-«حسنا»
بينما تغسل الصحون كانت منزعجة فصارت تتمتم بقلق:
-«ما هذا الاهتمام الزائد؟ إنه مجرد قط، لماذا يسألون عنه هكذا ويستمرون بإزعاجي؟ كان عليهم أخذه عندهم فحسب، ويييييه أكره القطط والمتطفلين أيضا»
في المساء أنهت عملها وبينما تستعد للمغادرة رأت مهدي يقترب منها ومعه حافظة طعام مغلقة ويقول:
-«تفضلي، هذه للقط، أطعميه جيدا حتى يشفى بسرعة»
أخذتها منه ببرود ثم جاء نحوها إدريس وقال:
-«سلمي على القط واهتمي به»
ردت عليه بنبرة باردة ممزوجة بالسخرية:
-«ماذا أقول له؟ طباخنا يسلم عليك؟»
-«ههههه أجل ما العيب؟»
-«حسنا»
سارت قليلا عائدة نحو المنزل حتى سمعت صوت صراخ شخص باسمها وحين التفتت وجدته ربيع ومعه كيس أدوية، وصل عندها فقدم لها الكيس وقال:
-«هذه للقط، إنه غسول للجروح وأدوية ومراهم لتسريع الشفاء، ضعيها له مرتين في اليوم، ولا تنسي إطعامه جيدا فالغذاء أهم من كل شيء»
-«كيف تعرف كل ذلك؟! هل أنت بيطري؟»
-«ههههههه الخبرة»
سارت عبر الطريق لتعود فلحق بها مجددا وسار معها وهو يقول بحماس:
-«هل يمكنني رؤيته؟ رجاءً»
-«لا!»
-«لعدة ثوانٍ فقط»
-«لا»
-«تتصرفين بلؤم»
-«بل اللؤم هو أن تلحق بي للمنزل وتزعجني»
-«لن أزعجك، سأطمئن على القط فحسب»
-«إنه بخير»
-«لاااا سأراه فورا وموتي بغيضك ولن أذهب حتى أراه»
-«هفففف مزعج»
لحق بها للمنزل غصبا عنها حتى وصلا عند الباب فوقف هناك:
-«أحضريه للخارج دقيقة واحدة»
فتحت له الباب وأشارت له أن يدخل فقال:
-«لكن...تعيشين بمفردك...ألن يكون هناك إزعاج؟»
-«تتحدث عن الإزعاج بعد أن لحقت بي طوال الطريق؟!»
-«الأمر مختلف، كما أن الناس سيسيؤون الفهم»
-«مضحك، لا أهتم للناس»
دخلت أولا وتركته خارجا فنظر من حوله ثم أسرع للداخل.
نظر لمنزلها فأدرك أنها تمر بظروف مالية صعبة، أول ما فعله الجلوس على الكرسي بينما ذهبت وأحضرت له القط قي صندوقه وحين رآه فاتحا عينيه يلعق نفسه أحس بسعادة كبيرة وقال:
-«الحمد لله! حقا أنا ممتن، شكرا جزيلا لك بثينة»
-«غادر الآن»
-«ماذا؟! لم أشبع منه بعد»
-«كان هذا اتفاقنا»
-«لئيمة! طلبت رؤيته خارجا ورفضتِ، حسنا سأضع له الدواء وأغادر»
وضع الدواء للقط واستغل الفرصة للبقاء معه قليلا ثم غادر، وبينما تأكل وتنظر للقط شعرت بالضياع أكثر لأن القط محبوب أكثر منها ولديه من يعطيه اهتماما بالفائض.
وضعت له الدجاج والحليب ثم توجهت للنوم فورا وهي تفكر بالكثير من الدروس التي تعلمتها بسبب ذلك القط الصغير، ليس من السهل أن تسمح لأحد بالبقاء معها تحت سقف واحد والآن بما أن هذا حصل فهي تشعر بالقلق والغرابة لدرجة لا توصف.
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
إنه يوم مشرق وجميل، توجهت بثينة للعمل وأول ما حصل كالعادة أن الجميع يسألونها عن أخبار القط وكيف أصبح وماذا أكل وهل يتحرك كثيرا مؤخرا أو يسير، وبالطبع أغضبها هذا لحد الجنون فصرخت:
-«توقفوا عن إزعاجي، القط بخير، بخير بخير بخير، لا داعي لتكرار السؤال مليون مرة»
تصنم الجميع مكانهم من صراخها المفاجئ وخرج من الخلف زميلهم الخامس المدعو "زين" والذي يشغل مكان النادل ولا يظهر كثيرا بسبب كونه طالبا جامعيا لذا دوامه مختلف عنهم أغلب الأحيان.
دخل نحوهم فوجدهم يتشاجرون فقال ببرود:
-«الكلاب أفضل، دعكم من القطط فهي حيوانات نرجسية، لدي كلب هايسكي في قمة اللطافة، أتريدون رؤيته؟»
رد ربيع بانزعاج:
-«لا! تعيش القطط»
-«كما تريد، لكن ما قصة هذا القط الذي تتكلمون عنه؟»
قال إدريس بهدوء:
-«قط بثينة»
صرخت بثينة بغضب:
-«ليس قطي»
ثم خرج عليهم هيثم من قاعة الطبخ وقال:
-«هل لديه اسم حتى؟ لماذا تسمونه بالقط؟»
صرخ ربيع:
-«لنسمه ساهر، نفس اسم قطي الأسود الذي توفي وأنا متعلق به»
ثم صرخ مهدي:
-«لا، لنسمه مهدي، على اسمي هههههه»
وقال هيثم:
-«هل يمكنني اقتراح اسم قوي؟ ماذا عن كروز؟ اسم فخم وذو هيبة»
-ثم قال ادريس:
-«هل هو قط حتى؟ ربما قطة»
قال ربيع ساخرا:
-«ههههه أجل قط، تأكدت بالفعل»
صاروا يتشاجرون على الاسم حتى قال إدريس:
-«أليس قط بثينة؟ دعوها تختار»
نظر الجميع نحوها بفضول فتوترت وصرخت:
-«أولا ليس قطي، وثانيا لا يهمني اسمه ولا أي شيء يخصه، أبقيته معي لأنه لا يملك غيري وكفى»
فاجأهم المدير بأن دخل المكان بسرعة وصرخ عليهم غاضبا:
-«ما سر الاجتماع والزبائن ينتظرون؟ أسرعوا»
تناثر الجميع متوجهين للعمل ككرات البيلياردو المتفرقة فابتسم المدير على شكلهم وخوفهم.
مرت أيام وبثينة تعتني بالقط وتهتم بجرحه واحتياجاته الخاصة حتى أصبح يستطيع المشي والتجول في المنزل، كانت حركاته لطيفة جدا ورغم أنه مجرد حيوان لكنها أدركت أن الوحدة خفت عنها بعد مجيئه.
ذات يوم وبينما هي نائمة أحست بشيء دافئ يسير بهدوء ويجلس بجانبها على السرير، فتحت عينيها فوجدته القط الأسود قد جاء إليها فقالت بانزعاج:
-«عد لفراشك ودعني أنام»
حاول الدخول معها تحت الغطاء فأبعدته بهدوء لكي لا تؤذي جرحه وقالت:
-«قلت ابتعد! لا تكن مزعجا، سريرك هناك»
تجاهلها ودخل معها تحت الغطاء وبدأ يصدر صوت خرخرة لطيف، لم تستطع المقاومة فسحبته نحوها وغطته جيدا وهذا زاد خرخرته، ودون أن تشعر وجدت دموعها تنزل بغزارة على هذا الشعور الغريب الذي يساورها وهي تعانق القط الصغير.
في اليوم التالي والذي هو يوم عطلة وبينما تطهو شيئا لتأكله سمعت أحدهم يطرق الباب فاستغربت بشدة وقالت:
-«غريب! من يا ترى؟ لا أعتقد أن أحدا قد يزورني، ربما شركة الكهرباء؟!»
فتحت الباب فانصدمت بزملائها من المطعم ربيع، إدريس، مهدي، هيثم قد جاؤوا ومعهم الكثير من الأكياس فصرخت بصدمة:
-«ماذا تفعلون هنا؟!»
دخلوا المنزل دون أن تسمح لهم وتوجهوا نحو القط النائم في الصندوق واجتمعوا عليه يلعبون معه.
نظرت لهم بغضب وصرخت:
-«ما الذي أتى بكم جميعا؟»
ثم أشارت نحو هيثم:
-«وماذا يفعل هذا المنحرف في منزلي؟!»
رد ربيع بهدوء:
-«أرادوا رؤية القط، وطبعا لا أعتقد أنك ستوافقين»
-«وتأتي بهم غصبا عني؟!»
-«هههههه آسف يمكنك ضربي، لكن لن أغادر حتى أرى تطورات علاج القط»
-«وماذا عنهم؟»
--«نفس الشيء، كلهم يريدون الاطمئنان عليه»
ثم قدموا لها الأكياس التي معهم فقالت بانزعاج:
-«أحضرتم أشياء كثيرة له هذه المرة، توقفوا لديه ما يكفي من الطعام، لست فقيرة لدرجة أن لا أملك طعاما له»
قال إدريس:
-«ليست كلها له، هناك بعض الطعام لك»
تجمدت مكانها ورمشت باستغراب ثم فتحت أحد الأكياس فوجدت فيه فواكه وطعاما طازجا، لم تستطع التعبير عن صدمتها حتى بل اكتفت بالتحديق في الطعام.
قال إدريس وهو يلاعب القط:
-«هل اخترتِ له اسما؟»
ثم قال ربيع بحماس:
-«أجل أجل، نريد اسما فورا لهذا القط الجميل، يكفي مناداةً له بجنسه»
نظروا لها جميعا فتوترت بشدة، حاولت اختيار اسم مؤقت فقط حتى يدعوها وشأنها، وفجأة نطقت دون وعي:
-«تُستُس»
لم تكن ردة فعلهم قوية على الاسم فيبدو أنه لم يعجبهم كثيرا، ثم قال هيثم:
-«ذوقك سيء»
ردت عليه غاضبة:
-«أنت اخرس، لا أحد طلب رأيك أيها المنحرف»
ثم قال إدريس:
-«لا علاقة لنا، هي صاحبته وهي اختارت له الاسم»
وقال ربيع:
-«أجل، ثم هو قط في النهاية وهو اسم عادي، لم يتنمر عليه رفاقه في المدرسة أليس كذلك؟ هههههههههه»
نظر له الجميع قاطبين حاجبيهم من سخافة النكتة وقال هيثم:
-«تقول نكتة وتضحك عليها بنفسك»
ربت ربيع على ظهر القط وقال:
-«مرحبا تستس، تشرفنا بك، ما رأيك باسمك الجديد ههههه جميل صح؟»
ابتسم الجميع بسعادة ويبدو أنهم يقضون وقتا مرحا برفقة بثينة والقط، ورغم شخصيتها الفظة لكنها تبدو مقربة منهم بطريقة ما.
أزعجها وجودهم هناك وتحملت ما يكفي من التوتر والإحراج فقررت أخيرا طردهم:
-«غادروا الآن ولا تجعلوني أغضب، وأيضا لا تأتوا لمنزلي مجددا دون إذني، بل لا تأتوا أبدا، لا داعي لجعل القط حجة»
رد ربيع بانزعاج:
-«وكيف سنطمئن عليه؟ لا يمكنني أن أرتاح ألا إذا رأيته بعيني»
-«لا يهمني»
-«أنا يهمني، أعطني رقمك إذًا»
انصدمت بشدة من طلبه الغريب وتراجعت للخلف وصرخت:
-«ماذا؟!»
-«يمكنني مراسلتك عبر رقمك وتفقد أحواله، وسترسلين صوره لي وتكون أمورنا تمام»
-«حسنا فقط حتى أتخلص من إزعاجك»
قامت بإملاء رقمها عليه فكتبه وسجله وقال:
-«هههه شكرا، لن أزعجك كثيرا»
-«وهل تركت من بقية؟ غادروا الآن»
بعد مغادرتهم ألقت نظرة على الأكياس مجددا وأخرجت منها كل الطعام الموجود وبقيت تحدق به بحزن وحيرة وتتمتم:
-«هل أعيده لهم؟ يبدو كما لو أنها شفقة منهم، أكره الشفقة حقا، لكن لا أعتقد فأي شخص يزور أحدا سيأخذ معه طعاما، حقا لا أدري، أنا مشوشة»
جثت أرضا وهي تمسك رأسها بتوتر حتى رأت القط الصغير يزحف نحوها فقالت بهدوء:
-«تستس!»
فجأة انقطعت الكهرباء وهي جالسة فنهضت سريعا وتوجهت لموقد الغاز أيضا ووجدت أنه انقطع، حينها عرفت أن شركة الكهرباء قد قطعت عنها الخدمات ولن تعود حتى تدفع، لذا استخدمت الشمع مؤقتا حتى تجد حلا لمصيبتها.
مرت الأيام وحصلت على راتبها الأول أخيرا وكانت سعيدة للغاية لأنها ستحل جزءا من مشاكلها، وبينما الشباب مجتمعون في قاعة الاستراحة لتناول الغداء قال ربيع:
-«تستس الآن بألف خير ويمكنه المشي والتعايش، هذا خبر سار جدا»
قال له إدريس:
-«هذا يعني أن بثينة ستتخلص منه»
-«أجل للأسف»
-«أمر محزن، مازال صغيرا ولو تركناه في الشارع سيتعرض للخطر مجددا، حياة الشوارع حقا قاسية»
-«من المؤسف أنه ما من خيار آخر»
-«مهلا! لعل زين يستطيع أخذه»
أجابهم زين:
-«لدي كلب هايسكي سيلتهمه في قضمة واحدة، ثم ما علاقتي أنا؟ لا تقحموني»
بينما تستمع لهم بثينة من الخارج بقيت هادئة وفكرت فيما يقولونه، وبالفعل معهم حق فقد كان الاتفاق الاعتناء بالقط حتى يُشفى ثم تعيده للشارع، لكن كلامهم صحيح وعليه البقاء في مكان آمن فالشارع خطر عليه في ذلك العمر.
بينما يتناقشون دخلت عليهم وتنحنحت بهدوء قائلة:
-«سأحتفظ به، ليس لدينا حل آخر على ما يبدو»
تفاجؤوا جميعا من قرارها المفاجئ لكنهم صمتوا حتى لا تغير رأيها، ثم قال إدريس:
-«فكرة جيدة، بثينة لديها اكتئاب والقطط أكثر شيء مضاد للحزن والوحدة»
صرخت عليه غاضبة:
-«لست مكتئبة»
انتفض بخوف من كلامها ثم أومأ برأسه بتوتر، بينما قال ربيع:
-«سعداء جدا، نحن نعتمد عليك ههههه، وأيضا لا تنسي تطعيم تستس»
-«تطعيم؟!»
-«نعم، ضد الأمراض، عند البيطري، هذا لسلامتك وسلامته»
في المساء حين خرجت من العمل عادت للمنزل فوجدت تستس بانتظارها عند الباب وحين دخلت قفز عندها وصار يموء ويفرك وجهه بساقيها، كان البيت مظلما بسبب انقطاع الكهرباء لذا فتحت الستائر ووضعت للقط طعامه وحليبا يشربه وجلست على الأريكة تقسم المال الذي معها حتى تنهي كل ديونها، وبينما تفعل لاحظت أن المال لا يكفي لفعل شيء لذا هي قلقة للغاية، جماعة القمار مازالت تطاردها والفواتير بحاجة للتسديد وهي أيضا فتاة كبيرة ولديها احتياجاتها من أكل وملابس وأشياء أخرى.
تنهدت بعمق وكل ما فكرت فيه أن حياتها يائسة للغاية لذا تحتاج شيئا يرفه عنها وينسيها ألمها، وأول ما فكرت فيه هو أنها إن شربت بعض الكحول ستتحسن أمورها قليلا، صحيح أنها لم تشرب منذ زمن لكن اليوم استسلمت لألمها تماما وقررت فعلها.
خرجت واشترت بعض زجاجات الكحول ومن يئسها لم تغلق الباب بالمفتاح كالعادة واستلقت على سريرها تشرب بسرعة.
جاء القط واستلقى بجانبها وغاص في نوم عميق بينما تنظر له يائسة وتهمهم بسُكر:
-«حتى القط حياته أفضل من حياتي، مذهل!»
شربت بسرعة شديدة حتى بدأت تدوخ وأغمي عليها فوق السرير، حاولت المقاومة جاهدة وفي النهاية صارت تتقلب حتى نامت على القط فبدأ يتألم ويصرخ.
بينما ربيع قادم نحو منزلها ويحمل كيسا في يده وقف أمام الباب وطرقه عدة مرات فلم يجبه أحد، أعاد الكرة ولكن النتيجة نفسها دائما.
كل ما سمعه هو صوت صراخ القط فشعر بالقلق وفتح الباب ودخل دون إذن، وحين رآها نائمة على القط بتلك الطريقة شعر بالذعر وحاول إبعادها ثم عانقه بحرارة وقلق.
استيقظت بثينة في الصباح وهي متعبة وعلى وشك التقيؤ لذا وضعت يدها على فمها وكانت ستركض للحمام لولا أنها رأت ربيع يجلس معها في نفس الغرفة وينظر لها بعيون حادة.
انصدمت من المشهد صدمة لا نهائية وتراجعت للخلف زاحفة وهي تحدق به ثم قالت:
-«ماذا تفعل هنا، في الصباح؟!»
رد وهو منزعج:
-«لم أستطع المغادرة، لدي كلام كثير لك»
-«نمت هنا؟»
-«أجل، على أريكتك اليابسة، كل عظامي تؤلمني»
-«حقا نمت هناك؟ لم تحاول أن...»
-«خيالك واسع وأخبرتك أنك لستِ نوعي ولست مستغلا أيضا، والآن دعينا نتحدث عن ما حصل أمس، هل تدركين أنكِ كدتِ تقتلين القط؟ لقد نمتِ عليه وكاد يختنق»
وضعت يدها على فمها من الصدمة وقالت:
-«أنا فعلت ذلك؟! ل ل ل لكن لا أذكر...أ أ أ أقصد لم أحس، كنت في حالة سُكر»
-«ولماذا أنتِ في حالة سُكر؟»
انزعجت من سؤاله وفضوله ولم تجب فأردف:
-«أود المساعدة حقا، وأعلم أنك تمرين بوقت صعب، ربما لو فتحتِ قلبك لي سأساعدك»
لم ترد عليه بل اكتفت بالاستماع فأردف أيضا:
-«ليس موضوعنا، أريد أن أعرف هل أنتِ حقا مؤهلة للاعتناء بالقط؟ أرى أنك لستِ أرحم من الشارع»
-«لا تخبر البقية»
-«طبعا لن أفعل، لكن ما الذي سيمحو المنظر المرعب من بين عيوني؟»
ردت عليه بحزن شديد وصوت منخفض يكاد لا يُسمع:
-«لن أكررها»
-«ماذا؟!»
-«لن أفعل»
-«حقا لم أسمعك»
صرخت بصوت عالٍ يثقب الأذن:
-«قلت لك لن أكررهاااااا، لن أفعل، سأبذل جهدي أعدك بذلك»
ابتسم لها ابتسامة دافئة وقال بهدوء:
-«لا أصدق أنني رأيت هذا المنظر بعيني، القطط حيوانات مدهشة، إنها قادرة على تليين القلوب الحجرية وتغيير شخصية البشر، لم أندم لأنني تركته معك»
-«م م م ماذا؟!»
-«السبب الوحيد لموافقتي على مجيء القط هنا هو لأجل أن تحصلي على رفيق سكن، تبدين وحيدة ومنعزلة، ظننت أنه سيساعدك، وأنا سعيد للغاية لأنه فعل، لا يمكنني أخذه منك الآن بعد أن قطعنا نصف الطريق»
انزعجت من كلامه للغاية وفي نفس الوقت حزنت كونه حقيقيا وواقعيا، هي أخيرا ممتنة للصدفة التي جعلتها تحصل على ذلك القط فالوحدة بدأت تزول.
بينما يغادران معا رأتهما جارتان من الجارات اللواتي يعشقن المراقبة والنميمة ونقل الأخبار فقالت إحداهما:
-«نام معها ليلة أمس! تلك الفاسقة!»
-«ليس هذا فقط! قبل أيام زارها أربع رجال دفعة واحدة»
-«مقزز، متى ستكف عن نشر الوساخة في حينا!»
-«علينا إخبار الجميع لكي يجدوا حلا ويطردوها من هنا»
-«نعم لا حل آخر»
توجهت بثينة مع ربيع نحو البيطري وقام بتطعيم القط بإعطائه حقنة للوقاية من الأمراض ثم خرجا من هناك يسيران في الشارع فقال الآخر:
-«الآن سأذهب، لدي ما أفعله، اعتني بتستس»
-«حسنا»
-«سأعود للاطمئنان عليه من حين لآخر»
-«حسنا»
-«إلى اللقاء»
-«حسنا»
-«هههههه ألا يمكنك قول غيرها؟ حسنا أراك»
ودعها وغادر فاستدارت للخلف تنظر من حولها بشرود ثم صارت تفكر قائلة:
-«علي دفع الفواتير هذا الشهر، بعدها سأرى ما أفعل لباقي الشهور، لا يمكنني البقاء بلا كهرباء وتدفئة طول الشتاء»
دفعت فواتيرها بالفعل وأثناء عودتها مرت على متجر ما وفجأة اختطفتها ذراع وأدخلتها للداخل حتى وجدت نفسها في غرفة صغيرة محاطة بالرجال من كل مكان وأمامها طاولة.
صار قلبها يدق بقوة وعانقت قطها بشدة وهي ترتجف فهي تعلم أنها ستموت حتما خاصة أنها دفعت الفواتير ولم يبقَ شيء مهم لدفعه لهم.
جلس مقابلا لها رجل كهل ويبدو أنه نفسه المسمى بالعقرب والذي لعبت معه وخسرت، تذكرت ذلك بسبب الندبة التي في جبهته، أشعل هذا الأخير سيجارة ودخنها بينما يجلس بغرور وقال:
-«مالي؟ هل هو جاهز؟»
ردت عليه بتوتر:
-«أمهلني بعض...»
لم يتركها تنهي كلامها بل ضرب الطاولة بقوة فأفزعها هي والقط الذي تمسّك بها بقوة، ثم أردف:
-«هل تريدين أن آخذ كليتك مقابل مالي؟»
-«مهلا! لا، أليس هناك حل وسط؟»
-«لا حل وسط، مالي أو كليتك، هل أعطيك هاتفا لكي تتصلي بأحد يحضر المال؟ أم أنا من علي الاتصال بشخص يستأصل كليتك الآن؟»
شعرت بالخوف الشديد من كلامه ويبدو أنه أعطاها حلولا إضافية لتنقذ نفسها، لكن المحزن في الأمر أنه ليس لديها أحد تتصل به حتى، الرقم الوحيد المسجل في هاتفها هو رقم مدير عملها.
فتحت عينيها فجأة حين تذكرت أنها تملك رقم ربيع في سجل المكالمات لكنه غير مسجل، هو فقط يتصل للاطمئنان على القط ولا لسبب غير ذلك، لكنه ليس صديقها ولا يكترث لها حتى لذا لا أمل في أن تطلب منه أي شيء.
نظرت له بحزن وقالت:
-«ليس لدي أحد، آسفة، الوحيد الذي لدي هو هذا القط»
نظر لها بسخرية ثم قال:
-«تحبين القطط؟ أنا أيضا أحبهم، وأؤمن أن من يحبهم شخص جيد، لذا سأعطيك فرصة»
شعرت بالراحة لسماع ذلك فقالت:
-«ستسمح لي بالمغادرة؟»
-«هههههه لست بتلك الطيبة، لنلعب جولة قمار، إن فزتِ سأسمح لك بالمغادرة وأمدد لك فترة الدفع، وإن فزت أنا فكليتك من نصيبي»
صدمها سماع ذلك فهي تدرك تماما أنها فاشلة في القمار ولم تفز ولا مرة بحياتها، والآن لا حل آخر لديها سوى الموافقة.
نظرت للقط وقالت بهدوء:
-«رجاءً أيها القط، اجلب لي بعض الحظ وأعدك أنني لن أقامر أبدا أبدا طوال حياتي مجددا»
تنهدت بعمق ثم أومأت برأسها أنْ نعم موافقة على هذا الطلب لذا تم توزيع الورق على الطاولة وبدأت الجولة.
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
في تلك القاعة الصغيرة الموجودة في مكان ما في السوق وعلى طاولة القمار الصغيرة تجلس بثينة وفي حضنها قطها الصغير، ومقابلا لها الرجل الذي تدين له بمال القمار والمسمى بالعقرب.
حدق الاثنان بالورق بتركيز شديد وبثينة تتعرق بشدة وقلق، تبادلت معه النظرات فابتسم ابتسامة جانبية خبيثة وكأنه على وشك رمي الورقة التي ستجعلها تخسر.
لا يمكنها الإنكار أنها فاشلة في قواعد هذه اللعبة وليست بارعة فيها لدرجة أن تدخل نزالات مع أشخاص محترفين ورغم ذلك غامرت أكثر من مرة فقط لتنقذ نفسها من الديون والفقر.
أخيرا وبينما وجهها ممزق من الأسى رمت ورقة على الطاولة ولم ترفع رأسها قط، نظر العقرب للورقة فتحولت ابتسامته لصدمة وصرخ قائلا:
-«ورقة رابحة؟!»
تنهدت بعمق لأنها فازت وأرخت جسدها كله على الطاولة كما لو أن حملا ثقيلا جدا انزاح عنها، حتى أن العقرب انصدم مما يجري ولكنه ابتسم في النهاية وقام عن كرسيه يتمشى في المكان ويتكلم قائلا:
-«أنا منبهر! لم يهزمني مبتدئ يوما»
ردت عليه وهي ما تزال مرعوبة من الصدمة:
-«أنا منبهرة أكثر منك صدقني»
-«ههههه كنت سأرمي ورقة رابحة لكنك سبقتني»
-«هذا يجعلني أرتعب أكثر»
ضربت وجهها بالطاولة مجددا حتى أنها أحست بأطرافها قد تعبت من شدة الخوف، وبينما يراها هكذا ضحك بصوت خافت وقال:
-«أنتِ محظوظة، أو لنقل أن هذا القط جالب للحظ حقا»
نظرت لقطها فوجدته قد نام في حضنها بالفعل، ياله من منظر لطيف حقا.
سمحوا لها بالمغادرة فعادت للمنزل وجلست تتأمل لفترة ما حصل للتو، مازالت مصدومة لحد اللحظة ولا يمكنها تصديق أنها نجت بأعجوبة، لكن المقلق أن المشكلة لم تنتهِ بعد، عليها تدبر أمر المال وإلا لن تنجو بكليتها المرة القادمة.
أرادت أن تشرب الكحول مجددا لتنسى الأمر لكن صفعت نفسها بهدوء وقالت:
-«لا! لا يمكنني إيذاء القط مجددا، سأقلع للأبد، إن حمايته مسؤوليتي»
في يوم الغد ذهبت للعمل وبينما يأكلون الطعام في قاعة الاستراحة بقيت بثينة في الخارج تأكل، أحست بهاتفها يهتز في جيبها فأخرجته وتفاجأت حين وجدت أحدهم أضافها لمجموعة واتساب عنوانها "رفاق للأبد"
دخلت لتقرأ الرسائل فوجدت كل زملائها من المطعم هناك يتحاورون حول العمل فغضبت للغاية ودخلت قاعة الاستراحة ضاربة الباب برجلها وقالت:
-«من منكم أضافني لهذه المجموعة؟ من سمح لكم؟ هل طلبت ذلك؟»
رد ربيع بينما يضع يده على خده:
-«أنا، ثم ماذا؟»
-«لا تكررها، لا أحب المجموعات»
-«حسنا»
غادرت المجموعة وعادت للفناء الخلفي لتستأنف تناول طعامها ومجددا وجدت هاتفها يهتز والرسائل تصلها بغزارة لذا تفقدتها ووجدتهم أضافوها لنفس المجموعة فغضبت وعادت نحوهم صارخة:
-«من أعادني؟»
أجاب ربيع بسخرية:
-«لست أنا»
ثم قال إدريس:
-«ولمَ الغضب؟ يمكنك البقاء ومشاركتنا فالمواضيع التي نتحدث فيها جدا جميلة»
-«إذً أنت أضفتني»
-«لا، أقسم لست أنا، إنه ربيع»
-«سأحشو الهاتف في فم من يعيدني، سأغادر»
أجاب ربيع ببرود:
-«حسنا غادري، حينها لن تعرفي ما الذي نقوله عنك خلف ظهرك»
كانت ستضغط زر الخروج لكن توقفت فجأة في منتصف الطريق ونظرت لهم بعيون فضولية وهادئة، وفي النهاية غادرت دون قول أي شيء.
بقيت تراقب المجموعة ويبدو أنهم يستمتعون حقا بالكلام فيها، ورغم أنهم يجلسون مع بعضهم لكن يتكلمون بالرسائل بدل ذلك.
انتظرتهم أن يقولوا أي شيء عنها لكي تهاجمهم لكن لم يفعلوا، هذا حتى قال مهدي:
-«انظروا بثينة تراقب»
حينها شعرت بالخجل وأغلقت الهاتف وعادت لإنهاء طعامها لكي تعود للعمل.
عادت للمنزل في المساء فوجدت القط ينتظرها وحين دخلت استقبلها بمواء لطيف وترحيب حار، للحظة أحست بالحزن فجثت على الأرض ووضعت يديها على وجهها كما لو أنها متأثرة للغاية.
ذهبت لتخلع ثيابها وترتدي شيئا مريحا وبينما تخلع حزام المعطف فإذا بالقط يقفز فوقه ويحاول إمساكه، سحبته بهدوء فلاحظت أنه يركض خلفه وحين يمسكه يقوم بعضه بهدوء أو اللعب به بقدميه.
انحنت إليه محاولة إبعاده عن الحزام فتقلب على ظهره وكأنه يطلب منها مداعبته، ودون وعي منها مسحت على بطنه فصار يلعق يدها وملمس لسانه لطيف جدا.
ابتسمت من منظره وصارت تداعبه بسرعة وهو يحاول إمساك يدها فابتسمت تلقائيا وفجأة صارت تضحك بصوت خافت دون أن تشعر، وبعد أن أدركت ما تفعله ابتعدت عنه وتحولت ملامحها للبرود مجددا بطريقة مرعبة.
يوم جديد ودوام جديد وذهبت بثينة للعمل بتململ وحين وصلت وجدت فتاة جديدة معهم في قاعة الاستراحة ثم وقف المدير ليعرفهم عليها:
-«أعرفكم على لارسا، موظفة جديدة وهي فتاة لبقة ولطيفة ويمكنها المساعدة كنادلة وعاملة تنظيف أيضا»
قالت لارسا بابتسامة جميلة:
-«مرحبا جميعا، آمل أن أكون عند حسن ظنكم، أتمنى أن ننسجم جميعا ونتعاون ونجعل هذا المطعم مكانا رائعا ومشهورا»
بدت هالتها اجتماعية ومليئة بالأمل لذا فرح الجميع بوجودها، ما عدا بثينة التي كانت تبدو وكأنها غير مكترثة لأي شيء، ثم قالت:
-«لماذا قد نحتاج موظفين جدد؟»
رد المدير:
-«مطعمنا ينمو يوما بعد يوم لذا نحتاج رفع اليد العاملة»
ثم قال مهدي:
-«صحيح، مؤخرا لم نعد نستطيع مسايرة عدد الزبائن لذا نحتاج المزيد»
-«حتى الآن سأرى مع الموظفة الجديدة ولو احتجنا المزيد سأضيف أيضا»
تنهدت بثينة بانزعاج وقالت متمتمة دون أن يسمعها أحد:
-«مزعج،أكره الاكتظاظ، لدي من المزعجين ما يكفي ولا أحتاج المزيد»
انصرف الجميع للعمل ولاحظت بثينة أن الشباب منجذبون للارسا كثيرا ويعاملونها بكل لطف ومودة وهذا جعلها تنزعج فهي تكره الرجال وتخاف من نواياهم الخبيثة.
حانت استراحة الغداء وجلست في الخارج تأكل وكالعادة أحست بالشباب قد بدؤوا الدردسة في مجموعتهم الخاصة على واتساب لذا دخلت لتقرأ، وكالعادة يتكلمون هناك لأنهم يخافون أن يسمع المدير كلامهم عنه أو أي شخص آخر.
يبدو أن اهتمامهم كله منصب على الموظفة الجديدة فهم يتحدثون عنها بكل حماس، وبينما تقرأ وهي قاطبة حاجبيها انزعجت حين رأت مهدي يكتب:
-«وأخيرا هناك فتاة وسطنا»
حينها انفجرت غضبا وتوجهت لقاعة الاستراحة وضربت الباب بقوة فأفزعتهم جميعا وهي تصرخ:
-«وماذا أكون أنا بالضبط؟ نبتة؟»
قال مهدي متوترا:
-«ليس هذا قصدنا»
-«وما قصدك؟ ها؟ هااااا؟»
اقتربت منه وكادت تأكله بنظراتها وهو مرعوب منها، ثم قال إدريس:
-«وهل يهمك أن نعتبرك فتاة حتى؟»
-أجل يهمني، أنتم تهينونني هكذا»
قال هيثم بسخرية:
-«انظروا للغيورة، هل تشعرين بأنك منبوذة بعد مجيء الفتاة الجديدة وأنها خطفت الأنظار منك؟»
-«اخرس أنت»
قال إدريس:
-«دعها هيثم، ربما فقط حزينة لأنها وحيدة على عكس الفتاة الأخرى»
-«لست كذلك»
انزعجت منهم للغاية فخرجت وأغلقت الباب بقوة ثم ذهبت للفناء الخلفي لتنهي طعامها.
بينما تجلس رأت الموظفة الجديدة تخرج القمامة فتجاهلتها وبعد أن دخلت قلبت شفتيها بسخرية وقالت:
-«تبدو مغرورة لأنها جميلة، من يهتم»
عادوا للعمل بجد وبينما بثينة تغسل الأواني أرادت أن تحضر الأكواب من فوق الخزانة فلم تصل إليها، قفزت مرارا وتكرارا ولكن لم تنجح لكن تفاجأت حين سمعت الفتاة الجديدة تقترب منها وتعطيها كرسيا وتقول:
-«استخدميه للوصول»
قطبت حاجبيها وصعدت فوق الكرسي وأحضرت الكؤوس ثم ذهبت لعملها، وهذه المرة وبينما تنظف المائدة لاحظت أن مناديل الورق نفذت، ذهبت للخزانة فوجدتها فارغة وهذه مشكلة، استدارت للخلف فوجدت الموظفة الجديدة تحمل علبة مناديل ثم أعطتها لها وقالت:
-«غيرت مكانها، ستجدينها في الدرج السفلي جميعها»
تكره بثينة أن يغير أحد مكان أي شيء دون علمها لذا انزعجت للغاية، لكنها لم تكبر الموضوع وواصلت عملها بهدوء.
أخرجت بثينة القمامة تجرها وللأسف تمزق الكيس وسالت محتوياته، أعادتها للداخل لكنها تسقط على الأرض مجددا وتزعجها فقالت بتذمر:
-«تبا! الأكياس تتمزق بسرعة»
بينما تجمعها رأتها لارسا عبر النافذة فأحضرت كيسا آخر وركضت نحوها تساعدها قائلة:
-«أنتِ خذي تلك وأنا سأجمع المسكوب على الأرض»
فعلت بثينة كما طلبت منها وتمكنت كلاهما من إيصال القمامة للحاوية ثم قالت لارسا:
-«لا تتركيها تمتلأ كليا فستتمزق أكيد، أخرجيها كلما امتلأت ثلاثة أرباع منها»
انزعجت من كلامها ورغم ذلك قالت ببرود:
-«حسنا»
-«لم تتح لنا الفرصة لنتعرف جيدا، أنا لارسا وأنتِ ما اسمك»
-«بثينة»
-«منذ متى تعملين هنا؟»
-«أقل من شهرين، لكن لماذا تسألين؟»
-«أخبرتك، لنتعارف، نحن فتاتان فقط هنا وسيكون رائعا أن نكون صديقتين»
-«لا أحب المتصنعات»
تفاجأت الأخرى من كلامها وفتحت فمها من الصدمة، ثم أردفت بثينة:
-«توقفي عن التصنع لجذب الاهتمام، كوني باردة مثلي»
ثم تركتها ودخلت المطعم لتستأنف أعمالها، ولو تأخرت دقيقة أخرى لجاء المدير للصراخ في وجهها.
منذ ذلك اليوم لم تعد لارسا تكلم بثينة، وكلما تقابلتا في المطبخ تنظر لها ببرود وتمر وكأنه لا شيء حصل، لكن من الواضح للجميع أن هناك حساسيات بينهما.
سارت بثينة عبر الطريق للمنزل بهدوء وفي طريقها قابلت رجلا يبيع أساور عليها أسامٍ وقلوبا وأشكال فذهبت لترى فقال لها:
-«تبحثين عن اسمك؟»
-«لا، إنني أرى فحسب»
-«يمكنني صنع الاسم الذي تريدينه، فقط أخبريني»
نظرت للأسامي وكانت تبدو لطيفة، أرادت الحصول على سوار باسمها لكنها نوعا ما ترى هذه الأمور صبيانية، نظرت للحظات ثم قالت بتوتر:
-«ليس اسمي، لكن هناك اسم أريد كتابته، هل يمكنك؟ إنه غريب نوعا ما»
-«طبعا، يمكنك حتى صنعه بنفسك، ها هي ذي الخرزات بجانبك»
-«أوه حسنا»
كتبت الاسم الذي تريده ودفعت سعره ثم عادت للمنزل وهي تبتسم تلقائيا، وبعد أن وصلت وضعت السوار في رقبة القط الأسود والذي كتبت فيه اسم "تستس"
في البداية شعر بأنه متضايق منه لكن لاحقا اعتاد على وجوده ونسي أمره، وبينما تنظر له وهو جالس على الأريكة يلعق نفسه قالت بحزن:
-«تستس، هل تحبني؟»
نظرت له متوقعة أن يجيب ثم ضربت يدها برأسها ساخرة من نفسها وقالت:
-«لا أعلم ما الذي أفعله، هل أنا حقا أكلم قط؟ أنا مجنونة حتما، كل ما أردت قوله هو أنني أشعر بالوحدة نوعا ما، لكن لا أعلم لماذا اختفت الوحدة بعد مجيئك، القطط مدهشة، لا أصدق أنني حصلت على رفيق سكن قط، لذا...تقبل مني هذه الهدية وكن قطي الخاص، الآن الكل سيعرفون أن لديك مالكا حين يرون هذا الطوق»
بدأ يغفو بينما يستمع لكلامها فاقتربت وتمددت بجانبه ووضعت رأسها بجانب رأسه وصارت تربت عليه بهدوء وهو يخرخر بلطف شديد سعيدا بصحبتها، وبينما تفعل ذلك شعرت بسعادة غامرة وقالت:
-«أنا حقا محظوظة بك، أنت قلادة الحظ خاصتي»
ثم قبلته على رأسه بهدوء وغفت وهي بجانبه.
في صباح اليوم التالي استيقظت وعندما حاولت رفع جسدها عن السرير أحست بتعب شديد فعادت للاستلقاء مجددا، لمست جبهتها فوجدتها تحترق حتى أن التنفس صعُب عليها.
رفعت سماعة الهاتف بصعوبة واتصلت بمدير عملها وأخبرته أنها لن تستطيع المجيء وبينما هو في المطعم يكلمها سمعه بقية الموظفين وهو يقول:
-«حسنا بثينة، طهورٌ إن شاء الله، اهتمي بنفسك واتصلي بي حين تريدين العودة»
وضع سماعة الهاتف جانبا وسار يراقب الموظفين حتى سأله مهدي:
-«عمي، ما بها بثينة؟»
-«إنها الحمى، لن تأتي اليوم وربما غدا أيضا، عليكم العمل بجهد لتغطية مكانها»
ثم قال هيثم بتململ:
-«تستحق، إنها مغرورة فوق اللازم»
قال إدريس بينما يطبخ داخل المطبخ:
-«علينا زيارتها»
ثم رد هيثم:
-«وستطردكم، أنصحكم بعدم الذهاب فهي متقلبة المزاج»
قال ربيع:
-«عليك فقط أيها المنحرف»
-«لا تدعوني مثلها»
-«ههههه يناسبك برأيي»
قاطعتهم لارسا وهي تدخل القاعة:
-«زيارة المريض واجب وأنتم رفاقها، لا تتركوها»
قهقه هيثم من سخافة ما سمعه وقال:
-«لا أحد منا رفيق لها وهي لا تريد رفاقا حتى، العبي غيرها»
-«لكن ما رأيته داخلها مختلف، إنها فقط تمر بوضع صعب حتى صارت لا تثق بأحد، لا تتركوها، زوروها واطمئنوا عليها»
نظروا جميعا لبعضهم ويبدو أن جزءا منهم والفق والجزء الآخر تقزز من الفكرة.
في نهاية اليوم توجه ربيع وإدريس لمنزل بثينة وهم يحملون لها الفواكه والطعام وطوال الطريق بقيا قلقين من أن تطردهما.
قال ربيع بتململ:
-«الجميع تظاهروا أنهم مشغولون لكي لا يأتوا»
-«لا بأس أنا وأنت هنا معا وسنقف مع بثينة»
بينما هذه الأخيرة في المنزل فإذا بحالتها تزداد سوءا والمرض يفتك بها، أحست بألم شديد في كل مناطق جسمها حتى أنها لا تقوى على النهوض وجلب الدواء.
لم تأكل شيئا ولم تطعم القط وعندما حاولت النهوض داخت وسقطت بعد خطوتين.
فجأة سمعت الطرق على الباب فزحفت متعبة ونفسها يكاد ينقطع وفتحته فوجدت ربيع وإدريس وحين أدركا كم هي متعبة ساعدها بالتوجه للسرير.
قال ربيع بقلق بعد أن تفقد جبهتها:
-«تحترقين! علينا أخذك للعيادة»
ردت عليه بصوت متقطع:
-«لا! خافضات الحرارة في الثلاجة»
ركض للثلاجة فوجد دواء الحمى وساعدها في شربه، أما إدريس فأعد لها العصير وقطع لها بعض الفواكه وقدمها لها كوجبة مع الزبادي ثم جلس الاثنان بجانبها على السرير يشاهدانها وهي تحاول الأكل بعد أن نزلت الحرارة قليلا.
قال ربيع بقلق:
-«أنتِ في هذه الحالة المزرية ولم تتصلِ بي؟»
-«أتصل بك! لماذا؟»
-«لأننا رفاق»
تفاجأت من هذه الكلمة وتوقفت عن الأكل وقالت بصوت مهزوز:
-«أنا! رفيقتك؟»
-«طبعا»
ثم قال إدريس:
-«لارسا كانت قلقة عليك كثيرا واقترحت أن نزورك»
ردت عليه مجددا بصوت مهزوز:
-«لارسا! تزورونني؟!»
-«آمل أنك لا تمانعين»
فجأة عانقت ساقيها ودفنت رأسها في حضنها وقالت بحشرجة:
-«أمانع؟! هل تعلمان ما كان سيحصل لولا مجيؤكما؟ أنا حقا...ممتنة»
ابتسم الآخران لسماع ذلك ثم قال إدريس:
-«سأقوم وأعد العشاء، ارتاحي»
وقال ربيع:
-«وأنا سأطعم القط وأرتب المكان قليلا، ما دمنا هنا فلنفعل شيئا مفيدا»
ابتسمت لهما لأول مرة وكانا متفاجئين من ذلك فذهبا مسرعين لأشغالهما وتركاها تضحك بصوت خافت من ردة فعلهما الغريبة تلك.
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
ارتاحت بثينة في فراشها بكل سعادة وقطها تستس نائم بجانبها، بينما اهتم ربيع بتنظيف المنزل وترتيبه، واهتم إدريس بإعداد شيء خفيف من الخضروات واللحم لها لكي تتناوله للعشاء وتصبح بصحة جيدة.
بينما الجميع مهتمون بأشغالهم فإذا بالباب يطرق وهذا أمر غريب لأنه نادرا ما يحصل ذلك، أرادت بثينة الوقوف لتفتح لكن أوقفها ربيع قائلا:
-«أنتِ ارتاحي، سأرى من ثم أعود»
توجه للباب وفتحه فانصدم بوجود شرطي يقف على عتباته ويبدو أن الوضع سيكون معقدا قليلا، حدقا ببعضهما ثم قال الشرطي:
-«طاب مساؤك، صاحبة المنزل فتاة أليس كذلك؟»
-«نعم»
-«نادِ عليها»
-«إنها مريضة، هل من مشكلة؟»
-«حسنا دعها، ما الذي تفعله أنت هنا؟»
-«أزورها لأنها متعبة، لماذا هذا السؤال الغريب؟»
-«متأكد؟»
-«خيرا! هل تعرف نواياي أحسن مني؟»
خرج إدريس ليعرف ما الحكاية فتفاجأ بتلك المشاحنات بين ربيع والشرطي، ثم قال هذا الأخير:
-«أنت الآخر، ما علاقتك بصاحبة المنزل؟»
رد إدريس:
-«زميلتي من العمل»
-«أحقا ليس هناك شيء بينكم أنتم الثلاثة؟»
رد ربيع بحدة:
-«شيء مثل ماذا؟ نحن لا نفهم الألغاز»
خرجت عجوز ستينية من خلف الشرطي وقالت بنبرة حادة:
-«هذه الفتاة الفاسقة تأتي بالرجال دوما لمنزلها، إنها تملك بيت دعارة، عليكم إخراجها من هنا فلا أحد يحتمل هذه التصرفات اللا أخلاقية»
رد ربيع بغضب:
-«عفوا؟! بثينة تعمل في الدعارة؟ هل تدركين ما تقولينه؟ إتهامك مقرف وخطير وهي مجرد شابة، ما تشويه السمعة هذا؟»
-«وهل تخاف على سمعتها وهي من أتت بكل هؤلاء الرجال لمكان فارغ؟»
-«شيء يخصها، اتهامك هذا لا أساس له من الصحة»
بسبب غضبه صار يقترب منها شيئا فشيئا فحاول إدريس إبعاده لكنه لم يرضى أن يدخل المنزل حتى يقول كل ما لديه:
-«أولا تتهمين فتاة بتهمة مرعبة كهذه وثانيا تقحمينني كطرف في القصة، أتعلمين ماذا سيحصل لو أنني رفعت دعوى قضائية ضدك؟ سأدمرك، ستقضين ما تبقى من حياتك تجمعين المال كتعويض لي، المرة القادمة قبل أن تتهمي أي فتاة وشخصا آخر معها فلتعلمي أن هناك قانونا يعاقب مروجي الشائعات الكاذبة»
تراجعت العجوز للخلف وهي خائفة وأخيرا بعد فترة من النقاش اتفق الجميع على إغلاق الموضوع شرط أن لا يرفع ربيع دعوى قضائية.
دخل الشابان لمنزل بثينة فوجداها ما تزال مستلقية في سريرها وقالت:
-«هل من مشكلة؟»
رد إدريس بتوتر:
-«هههه أبدا، يبدو أن أحد الجيران تشاجر في الخارج، لا تقلقي، ارتاحي»
تشبثت بالغطاء بقوة وهي حزينة فلاحظ الاثنان حزنها وقال إدريس:
-«الطعام جاهز، سآتي به فورا»
ركض ليحضر الطعام وبعد أن وضعه أمامها رفضت أن تأكل وصارت الدموع تنزل من عيونها فقال ربيع بتوتر:
-«ما بك؟»
ردت بحشرجة وهي تبكي:
-«سمعت كل شيء»
-«أوه حقا؟ هذا بسببي لأنني صرخت عاليا، آسف لما يقولونه عنك»
-«ليس هذا ما جعلني أبكي»
عانقت ساقيها بقوة وبقيت تبكي دون النظر لوجههما وهي تقول:
-«أنا ف ف فقط...أبكي لأنكما يا رفاق...حقا لطيفان للغاية...لقد دافعتما عني رغم أنني لا أعني لكما شيئا، لقد فعلتما كل ما بيدكما للدفاع عني ونحن لسنا مقربين حتى، لا أعلم كيف أصف مشاعري لكنني حقا...حقا...حقا...سعيدة»
رد ربيع بحزن:
-«لو كنتِ سعيدة لماذا تبكين؟»
قال إدريس:
-«أظن أنها دموع سعادة ههههه»
ردت عليهما وهي ما تزال تبكي:
-«حقا لا أعلم، لكنني ممتنة لكما، شكرا»
ثم نظرت لإدريس وقالت:
-«شكرا لأنك لم تشِ بي للمدير حين كسرت الطبق، أردت قول ذلك منذ زمن ولكن لم أستطع»
رد إدريس:
-«أووه تلك الحادثة مرت منذ أشهر، لا أصدق أنك ما تزالين تتذكرين الأمر»
قال ربيع بابتسامة:
-«بثينة حساسة، كانت حساسة طول الوقت ونحن ظننا شيئا آخر»
قامت بمعانقة قطها بحرارة وقالت:
-«بل أنا ممتنة لهذا القط، بسببه قابلت أشخاصا رائعين وأصبح لدي رفيق سكن واختفت الوحدة تدريجيا، القطط السوداء ليست حظا سيئا بل العكس تماما»
قال إدريس:
-«ههههه أتفق في ذلك، هذا قط خارق للطبيعة، والآن تناولي طعامك وكفي عن البكاء، ومهما كانت مشاكلك فسندعمك دائما، فقط اتصلي بنا وسنكون في الخدمة، أنتِ من الآن أختنا الصغيرة»
ولأول مرة منذ سنوات أصبح لدى بثينة ثلاث أرقام مسجلة في هاتفها، رقم المدير، ورقم ربيع وإدريس، إنها بداية جيدة لصداقة جيدة.
تحسنت صحة بثينة وعادت للعمل في المطعم وبمجرد وصولها رحب بها الجميع، وبينما هم يعملون رأت لارسا ترتب الخضار في الثلاجة فذهبت إليها متوترة وقالت:
-«تحتاجين مساعدة؟»
ردت لارسا ببرود:
-«ليس تماما»
-«ماذا يعني ذلك؟»
-«لا أدري»
-«أوووه حسنا، سأساعدك»
ساعدتها على وضع كل شيء في الثلاجة ثم قالت بثينة بتوتر:
-«هل...تحبين نوعا معينا من الطعام؟»
-«نعم، السوشي»
-«أعرف مطعما قريبا من منزلي يبيع السوشي»
-«هل تعتبر هذه دعوة؟»
-«ليس تماما»
-«ماذا يعني ذلك؟»
-«لا أعرف»
انفجرت لارسا ضاحكة لكنها حاولت كتم ضحكاتها لكي لا يأتي المدير، ثم قالت بهدوء:
-«حسنا، اختاري الوقت الذي يناسبك»
-«ماذا عن يوم غد؟ إنه الجمعة؟»
-«موافقة»
في استراحة الغداء وبينما الشباب في قاعة الاستراحة يأكلون قال إدريس:
-«أصبح عندي رقم بثينة هههههه»
قال هيثم بسخرية:
-«أيعقل أن تلك الفتاة منحتك رقمها؟ ههههه تلك المغرورة؟»
-«وماذا في ذلك؟ ثم هي طيبة جدا»
قال زين بحماس:
-«أعطوني رقمها، أريد أن أتصل بها في الليل وأخيفها هههههه»
-«مستحيل، مجنون»
قالت لارسا بهدوء:
-«شباب! توقفوا رجاءً، دعوا عنكم ألعاب الصبيان»
قال هيثم:
-«لا تدافعي عنها بعد أن قالت عنك ما قالت»
-«لا يهمني ما قالت، مهلا! ما أدراك بِمَ قالت؟»
-«كنت سأخرج لأدخن فسمعت كلامكما، إنها حقا مقرفة، لا بأس أن تسيء إلي لكن إساءتها لك منتهى القذارة، أنتِ فتاة طيبة ورائعة ومن يسيء لك مريض نفسي»
قال مهدي بحزن:
-«أحقا أساءت بثينة لك؟ هذا حقا فظيع! من الذي قد يؤذي لارسا الجميلة»
دخلت بثينة القاعة بعد أن ضربت الباب بقوة ويبدو أنها سمعت ما قالوه عنها، تصنم الجميع مكانهم ثم قال إدريس:
-«آنسة بثينة، تناولي الطعام معنا»
ردت وهي تحدق بهيثم بحقد شديد:
-«هناك بعض الناس هنا لا يعجبونني لذا لن أفعل»
رد هيثم ببرود:
-«أسعدتنا»
ثم قال ربيع:
-«كنا نتحدث عن رقمك، الجميع يريدونه»
-«حسنا، سأعطيه لهم»
انصدموا جميعا من كلامها ولم يأخذوه على محمل الجد فأردفت:
-«نحن زملاء، لا داعي للاندهاش، قد نحتاج بعضنا»
ثم نظرت للارسا وقالت:
-«وقد نكون أصدقاء أيضا»
ابتسمت لها لارسا ووزعت رقمها على الجميع ومر ذلك اليوم على خير ما يرام.
كان يوم الغد يوم عطلة فتوجهت بثينة للحديقة لتلتقي بلارسا ومعها قطها تستس الذي تحمله على كتفها، عندما مرت بجانب أحد المتاجر التي تبيع الهواتف رأت إعلانا بخصوص قرعة سيتم إجراؤها في المساء على هاتف من أحدث هواتف الآيفون فوقفت تتأمله وبجانبه الهاتف الذي سيقدم كهدية داخل زجاج المتجر.
قالت بحزن بعد أن تأملت بما يكفي:
-«لطالما أردت الحصول على آيفون، ربما وقتها سينظر لي الناس على أنني شيء مهم»
نظرت للإعلان مجددا فوجدت مكتوبا فيه "اشترِ تذكرة عليها رقم وفز بالهاتف"
سارت وهي حزينة ثم فجأة توقفت ورجعت للخلف ووقفت مجددا عند الزجاج وهي تضع يديها على بعضهما وتتأهب للتمني قائلة:
-«سأخاطر ببعض المال وأتمنى أن أفوز، أحتاج هاتفا جديدا حقا فهاتفي الحالي في سكرات الموت»
نظرت لتستس وقالت:
-«امنحني بعض الحظ صغيري»
دخلت المتجر واشترت التذكرة التي عليها الرقم الخاص بالسحب ثم غادرت وهي تتمنى أن تفوز هذه المرة رغم أنها منحوسة بالعادة.
وصلت للمكان الذي تنتظرها فيه لارسا فوجدتها جالسة عند النافورة وقالت:
-«آسفة على التأخر»
-«لا بأس، تعالي لنأكل شيئا فأنا جائعة»
دخلتا لتناول الطعام وبعد انتهائهما أصرت لارسا على اصطحابها في جولة في السوق فرأيتا الملابس ومستحضرات التجميل والكثير من الأمور اللطيفة، لم تكن بثينة مكترثة لأمر كثيرا فاهتماماتها مختلفة عن لارسا، لكن أسلوب لارسا المرح واللطيف جعلها تستمتع بالأجواء نوعا ما.
في النهاية وبعد ذلك اليوم الجميل من التسوق أعطت لارسا لبثينة كيسا من الأكياس التي اشترتها فتعجبت الأخرى ونظرت بداخلها فوجدت قبعة صوفية ووشاحا باللون النيلي فقالت:
-«لي؟»
-«أجل، الجو بارد هذه الأيام، ارتدي جيدا»
-«لكن...لماذا؟»
-«لقد فكرت فيكِ عندما رأيتها فقررت أن أبتاعها لك»
-«لكن...أنا حتى...خرحت معك اليوم فقط...أعني...لسنا صديقات حتى»
-«ألسنا كذلك؟»
ردت بتوتر:
-«أعني...صداقتنا في بدايتها»
-«هههه وهذا هو الشيء المميز، الهدايا تقرب القلوب»
-«أووه حسنا»
-«ضعيها هيا»
وضعت القبعة والوشاح بهدوء وشعرت بالسعادة لدرجة كبيرة، ورغم ذلك لم تستطع التعبير عن سعادتها بها، نظرت من حولها وقالت بتوتر:
-«أووه انتظري، أنا أيضا أريد أن أشتري لك شيئا»
توجهت نحو طاولة تبيع الاغراض اللطيفة واشترت منها علاقة للهواتف ثم توجهت نحو لارسا وأعطتها إياها وقالت بتوتر:
-«ربما ليست بقيمة هديتك، سأشتري لك شيئا أفضل حين أحصل على راتبي القادم»
أمسكتها لارسا وعانقتها بحرارة وقالت بينما اغرورقت عيناها بالدموع:
ابتسمت بثينة ثم عانقت تستس بحرارة لأنه جلب لها الحظ وبفضله أصبحت عندها صديقة تحبها وتقدر هداياها.
بعد يوم حافل توجهت الاثنتان باتجاه المنزل وبينما تمران من نفس الطريق رأت بثينة المتجر الذي يقيم القرعة على هاتف الآيفون فقالت:
-«مهلا! توقفي، سيُجرى السحب الآن»
-«اشتركتِ بالسحب؟»
-«أجل»
-«أوووه مؤسف! ليتني اشتركت أيضا لكن فات الأوان»
-«تعالي لنرى»
وقفتا عند واجهة المتجر قليلا حتى بدأت الشاشة تمرر الأرقام بسرعة وهما متوتران وتحدقان بشدة والقط نائم.
بعد عدة ثوانٍ توقفت الشاشة على رقم "45610" وعندما نظرت بثينة لرقمها الموجود في التذكرة وجدته نفسه لذا انصدمت بقوة وبقيت تحدق به بدهشة بينما صارت لارسا تقفز وتهتف بسعادة وتعانقها.
حصلت بثينة على الآيفون أخيرا وحدقت به هي ولارسا وهما مندهشتان وقالت لارسا:
-«هل حقا صورته بذاك الوضوح؟ أريني هيا»
فتحتا الكاميرا والتقطتا صورة مع بعض فاندهشتا من الدقة، لكن ما أثر في بثينة حقا هو أنها أول مرة لها تلتقط صورة مع شخص ما، أو بالأحرى صديق حقيقي، حياتها أصبحت مليئة بالعجائب فعلا.
قالت لارسا بسعادة:
-«الآن أصبحتِ ثرية ههههه»
فجأة شعرت بثينة بالحزن حين تذكرت أنها في أزمة مالية وامتلاكها للآيفون لن يغير شيئا، رغم أنه يحزنها التخلص منه.
أول ما فعلته أنها أخذت الآيفون وقامت ببيعه واستخدمت نقوده في أمور مختلفة، أولا لشراء بعض الطعام الفاخر لأنها تأكل الطعام المعلب منذ سنوات ولا ضرر أن تهتم ببطنها قليلا، وثانيا اشترت بعض المستلزمات وملابس جديدة وأبقت لنفسها مبلغا ماليا لتصرفه على نفسها.
من أحد الأشياء التي اشترتها هي بعض طعام القطط لتستس فهو بحاجة لطعام مختلف من حين لآخر لكي ينمو بشكل سوي، وبينما تنظر إليه وهو يأكل شعرت بسعادة وصارت تربت على ظهره.
وبينما تراقبه قالت:
-«هذا القط أجمل ما حصل لي في حياتي، لقد أصبحت محظوظة، وأصبح لدي أصدقاء أيضا، ووظيفة جميلة، وصديقة لطيفة تهتم بي، هل أريد شيئا أفضل من ذلك؟ لذا سأقلع عن الكحول والقمار، وكذلك التدخين، وأعيش حياة سوية مثل باقي الناس»
في تلك الليلة وبينما بثينة نائمة الساعة الثالثة فجرا فإذا بتستس يعض أصابعها ويزعجها بشدة، استيقظت من مكانها ودفعته بعيدا فعاد لإزعاجها مجددا حتى اكتفت منه وحملته لترمي به في الحمام، وبينما تتوجه إلى هناك مرت عبر النافذة فرأت رجلا غريبا بالقرب من منزلها ينظر ناحيتها ثم سار بعيدا واختفى.
شعرت بالقلق منه وأدركت أنه واحد من جماعة العقرب، لكن المشكلة أنها صرفت بعض أموالها على ما تحتاجه لذا لن تستطيع إعطاءه المبلغ كله دفعة واحدة.
في يوم الغد ذهبت للمطعم وعندما وصلت عند الباب الخلفي تنهدت بعمق وقالت محدثة نفسها:
-«يجب أن ألقي التحية عليهم أولا، لا ينفع أن يبادروا هم للأبد، حسنا، ابتسامة صغيرة وصباح الخير وينتهي الأمر»
بينما تفكر خرج المدير ونظر لها:
-«ماذا تفعلين عندك؟ العمل ينتظر»
قالت بتوتر وهي تحاول الابتسام بتكلف:
-«صباح الخير أيها المدير»
تعجب منها لكنه رد بسرعة:
-«صباح النور بثينة»
شعرت بالإحراج من شكلها فدخلت بسرعة وقابلت النادلين مهدي وزين يلعبان بالهاتف فقالت بينما تبتسم بصعوبة:
-«صباح الخير»
رفعا رأسيهما ورأيا ابتسامتها التي تبدو مصطنعة للغاية فابتلعا ريقهما وقال زين:
-«ماذا تفعلين؟»
توقفت عن الابتسام وعادت لبرودها وعبوسها المعتاد وقالت:
-«لم تعجبكما؟»
-«تبدين مخيفة»
قطبت حاجبيها انزعاجا ثم دخلت قاعة الاستراحة لتضع أغراضها فرأت ربيع هناك يضع أغراضه في الخزانة فتنحنحت وابتسمت وقالت:
-«صباح الخير»
استدار نحوها وحين رأى الابتسامة شعر بالخوف وقال بتوتر:
-«صباح الفل، لكن من قال أنك مضطرة للابتسام؟»
-«لا أعلم، هذا ما يفترض أن أفعله لأكسب ود الناس صحيح؟»
-«لا، كوني فقط على طبيعتك»
عبست بوجهها وبقيت تشاهده وهو يخبئ أغراضه ويرتدي مريلته فتوترت وهي تحاول قول شيء ما، وفي النهاية تكلمت مع بعض القلق:
-«هل تريد...الذهاب...لمنزلي اليوم؟ ورؤية قطي؟»
استدار نحوها مصدوما حتى أنه أوقع مريلته، ثم قال:
-«حقا؟ هل هي دعوة جادة وليس مقلبا؟»
-«أجل»
قفز بحماس وقال:
-«ما أسعدني! علي أن أشتري لك البوضة على هذا الخبر السار الذي صنع يومي»
أسرع نحوها وصافح يدها عدة مرات متوالية وهو سعيد ثم خرج من القاعة، تركها متصنمة ورافعة يدها في الهواء كما لو أنها لم تستوعب ما حصل للتو.
في نفس اللحظة دخلت لارسا القاعة بعد أن كانت في الخارج تستمع لكل شيء فابتسمت بخبث وقالت:
-«صغيرتي صارت تدعو أحدهم للمنزل، هل يعقل أنها واقعة في الحب؟»
صرخت بثينة بتوتر بعد أن تحول وجهها للأحمر:
-«فهمتِ الأمر بشكل خاطئ، أنا فقط أفعل هذا لأنه يحب قطي، ليس لدي دوافع أخرى حقا»
-«هههه لا داعي للخجل فأنتِ شابة ناضجة عزيزتي ولا ضرر أن تبحثي عن شخص يلائمك»
-«لكنني حقا لا أفكر هكذا تجاهه»
-«هههه لن تنكري طويلا، سيتبين كل شي لاحقا»
بعد مغادرتها جثت بثينة أرضا وهي تمسك رأسها وتقول بتوتر:
-«لكن الأمر ليس كذلك حقا، أشعر بالوحدة بمفردي وأظن أن البقاء مع أصدقائي سيساعدني، لا أريد أن يفهمني أحد بشكل خاطئ»
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27
في المساء وقفت بثينة في الفناء الخلفي للمطعم حتى جاء ربيع الذي كان يتجهز في الداخل وقال بحماس:
-«هيا بنا»
ردت عليه بتوتر وهي تلعب بأصابعها:
-«هل تريد حقا المجيء؟ لو كنت مشغولا فلا بأس»
-«ههههه تتصرفين بطريقة لطيفة الآن، لكن حقا الأمور بخير، إنه المساء فماذا عساي أفعل؟ هيا بنا»
سارا نحو منزلها وعندما وصلا فتحت له الباب ليدخل أولا ولكن لم يجدا تستس باستقبالهما كما العادة، فقال ربيع باستغراب:
-«أين هو؟»
-«لا أدري، ربما نائم»
-«لا ليس كذلك، القطط لديها حاسة سمع قوية وتستيقظ حين تسمع الباب قد انفتح»
-«إذًا...هل يعقل أنه...»
ركضا في أنحاء المنزل يبحثان عنه فقد ظنا أن مكروها أصابه، لكن انتبهت بثينة أنها تركت نافذة المطبخ العلوية مفتوحة ورغم أنها عالية لكن يبدو أنه قفز منها.
قال ربيع بقلق:
-«القطط لديها قدرات قفز مذهلة، علينا إيجاد تستس فهو صغير ولا يتحمل حياة الشارع، قد يصيبه أذى»
-«لكن ألن يبتعد؟»
-«لا، القطط عادة تملك منطقة آمنة تتجول فيها، لا أعتقد أنه سيبتعد»
ركضا للخارج وافترقا يبحثان عنه، ولكي توسع بثينة نطاق البحث ذهبت للأماكن الفارغة التي تختبى فيها القطط المتشردة عادة، وبالفعل وجدت الكثير منهم في المنطقة.
وصلت لحاوية قمامة فيها القطط التي تبحث عن الطعام وشاهدت قطا أسود صغير ولكن حين ركزت على رقبته لم تجد الطوق فقالت بحزن:
-«ليس هو»
استدارت لتواصل البحث فرأت رجلا من رجال العقرب يقف خلفها ومعه سكين يشهر به في وجهها ثم قال بسخرية:
-«التقينا مجددا ها؟»
تراجعت للخلف بقلق حتى ارتطمت رجلها بحاوية القمامة وقالت محافظة على نبرة صوتها:
-«تريد المال؟ ليس عندي...»
لم يتركها تنهي كلامها وهاجمها بالسكين نحو ذراعها فجرح يدها وصارت تنزف، ثم قال بسخرية:
-«إنه سكين حاد جدا ويمكنه أن يفصل أحشائك عن جسمك بطعنة واحدة فما رأيك؟»
أجابت وهي تعانق أصابعها:
-«لدي نصفه فقط، تدبرت نصفه، لماذا تتسرع أنت؟»
-«النصف لن يرضي سيدي»
-«حسنا، سأدفع الباقي غدا، أقسم»
-«غدا آخر يوم، لن تنامي في بيتك لو لم أحصل على المبلغ»
أخرجت المال الذي كان في حقيبتها وأعطته له ويدها ما تزال تنزف، وبينما يغادر جاء ربيع راكضا من الطريق الآخر فرآه وأعطاه الآخر نظرة جانبية ساخرة وغادر مسرعا.
توجه ربيع نحو بثينة فوجد يدها تنزف بينما تحاول تنشيف الدم بملابسها فاقترب منها لكنها صرخت قائلة:
-«ابتعد، أنا بخير»
-«ما الذي تقولينه؟ يدك ممزقة، دعيني أرى»
-«قلت لك لا»
-«هل هو من أصابك؟ من يكون وما مشكلته معك؟»
-«لا شأن لك»
-«كيف ذلك؟ ألم نعد أصدقاء؟»
-«لا يعني ذلك أن تتدخل في أعماق شؤوني، فقط اهتم بشؤونك»
انزعج منها بشدة فصرخ غاضبا:
-«أصدقاء ها؟ لا يصرخ الأصدقاء في وجوه بعضهم، ولا يقولون كلاما مثل لا تتدخل، الحق علي، أنا الذي ظننت أن فيك أملا»
غادر وتركها وحيدة فسارت بهدوء وحزن نحو المنزل وهي تنادي على قطها دون جدوى، تمنت لو أنه يظهر فجأة ويريح قلبها لكن لا فائدة.
دخلت المنزل وضمدت يدها المجروحة وبينما تنظر للمكان الفارغ من حولها شعرت بالوحدة الشديدة، حتى تستس غادر وربما لن يعود.
من شدة حزنها جلست أمام المنزل على الرصيف تضم ركبتيها وتحضن رأسها بحزن وتفكر في ذكرياتها مع تستس، فجأة صارت الدموع تنزل وشعرت بالخوف من أن مكروها قد أصابه.
بقيت تنتظره خارجا في ذلك البرد القارص لعله يعود ومرت ساعة، ساعتين لكن لا أثر له وهي في قمة القهر حتى أن عيونها احمرت من شدة البكاء.
فجأة سمعت صوت مواء مألوق فرفعت رأسها بسرعة، نظرت من حولها ولم تجد شيئا وبسبب أملها الصغير صارت تركض وتحاول تتبع الصوت، إنه بعيد نوعا ما لكن ما يزال مسموعا.
صرخت بصوت عال:
-«تستس!»
والمذهل أنها حين نادت عليه رد عليها بمواء كما لو أنه ينادي عليها ويعرف اسمه جيدا، ومن شدة سعادتها صارت تضحك وتبكي في نفس الوقت وتطوف من حولها بحثا عنه حتى رأته على سطح منزل أحد الجيران، حينها صرخت بسعادة:
-«تستس! صغيري! كيف وصلت إلى هناك؟ تعال هيا»
يبدو أن القط تسلق الشجرة وصعد على سطح الجيران لكن المشكلة أنها أول مرة له فلم يعرف طريقة النزول.
رفعت له يديها ونادت عليه لينزل لكنه خائف للغاية ويموء بقلق بسبب عدم قدرته على النزول، وبينما تراقبه صاحبته قالت:
-«لن يفيدني البقاء هكذا، علي طلب معروف من الجيران فهم الوحيدون القادرون على مساعدتي»
توترت للغاية وتنفست بعمق ثم رنت جرس باب الجيران ففتحت لها ربة البيت ونظرت لها باستغراب وقالت:
-«هل أساعدك بشيء؟»
-«ء ء ء أجل...فقط إن قطي...عالق هناك...هل يمكنك مساعدتي في الوصول إليه؟»
-«حسنا، تفضلي معي»
أخذتها للطابق العلوي وفتحتا النافذة التي تطل على السطح فقفز القط نحو بثينة وحضنته بسعادة غامرة.
حين عادا للمنزل وضعته في سريرها لينام معها وبينما تنظر له يلعق نفسه تأثرت للغاية وكادت تبكي مجددا، لكنها أدركت أنه يمكنها فعل كل شيء لأجله، فقط تريده أن يبقى بخير فهو رفيقها الوحيد الآن.
في يوم الغد ذهبت للمطعم وبمجرد دخولها ألقت التحية على الجميع إلا ربيع الذي يبدو غاضبا منها، وبينما تعمل كانت يدها مربوطة بالضمادات لذا لاحظتها لارسا وقالت:
-«هل يدك بخير حبي؟»
-«آه بلى، جرحت نفسي بالسكين وأنا أعد الطعام»
-«انتبهي لنفسك»
سمعها ربيع من الخلف فقطب حاجبيه وهو ينظر لها وغادر غاضبا.
بينما تغسل الأواني شعرت بجرح يدها يحرق من الصابون فصارت تتألم وعندما رآها زين سألها قائلا:
-«هل تريدين أن أساعدك؟»
-«لا، أنا بخير»
-«ما به جرحك؟ يبدو عميقا»
-«جرح سخيف، مجرد ضربة سكين»
-«حسنا دعي غسل الأواني لي واهتمي بترتيبها في الخزانة»
-«حسنا»
رآها ربيع أيضا وانزعج وهو يراها تكذب وتخفي الحقيقة عن الكل، وبينما الجميع مشغولون بأعمالهم صرخ:
-«لا يمكنك قول الحقيقة صح؟ تكدسين الأكاذيب فوق بعضها؟»
-«اخرس أنت»
-«ربما لو توقفتِ عن معاملتنا كغرباء وقلتِ الحقيقة قد نكون أصدقاءك حقا»
قالت لارسا بفضول:
-«ماذا هناك؟»
-«لا أعلم، اسأليها لماذا تخفي عنا ما حصل بالأمس وكأننا لا نعني لها شيئا»
قال إدريس:
-«ماذا حصل؟»
-«هناك رجل غريب أصابها في يدها وغادر، والمشكلة أنها تتستر على الموضوع وتتظاهر أنه عادي»
ثم قال زين:
-«هل الأمر حقيقي؟»
وقال إدريس:
-«الأمر مقلق لو كان شخص يهددها، علينا الاتصال بالشرطة»
وقالت لارسا بحزن:
-«إنه يزعج فتاة، ياله من لئيم! لو كان شابا ما كان تجرأ على لمس شعرة من رأسه»
وقال ربيع:
-«دعونا من كل شيء وركزوا على أنها لا تريد الاعتراف لنا ونحن من المفترض أن نكون أصدقاءها، كما قلت لكم، أصدقاؤها»
قال هيثم:
-«تكلموا عن أنفسكم، أعلم أنها منذ البداية لا تحب سوى نفسها»
بينما تستمع لهم شعرت بالقهر ووضعت يدها على رأسها ولكن لم تستطع التفوه بكلمة، هذا حتى تكلمت لارسا بعد أن اقتربت منها وأمسكت يدها بحنان:
-«بثينة نحن أصدقاؤك، لا تخشي شيئا، أخبرينا وسنساعدك، لا تكتمي أكثر من ذلك فالسكوت لن يزيد الأمور إلا تعقيدا»
ثم قال إدريس:
-«هل هو حبيبك السابق أو شي كهذا؟ أم شخص يجبرك على شيء ما؟»
وقال ربيع بحدة:
-«لا تتستري عليه، لو كان يزعجك فأخبرينا، نحن أربع رجال وسنحطم فكه»
بينما تستمع لهم جثت أرضا متشبثة بلارسا وأنزلت رأسها بحزن وقالت:
-«لا يمكنكم فعل شيء، ولا حتى الشرطة يمكنها، أنا التي أقحمت نفسي في أمور كهذه، أنا التي دخلت حرب قمار خاسرة والآن علي دفع المال أو سيأخذون كليتي»
شهق الجميع شهقة واحدة إلا هيثم الذي لم يكترث حتى، ثم قال إدريس:
-«تدينين بالمال له؟ كم بالضبط؟»
-«دفعت النصف»
وقالت لارسا بحزن:
-«قلبي! لا بد أنك كنتِ تمرين بوقت صعب»
وقال زين:
-«وما الداعي للقمار؟ كيف يمكنك التفكير في ذلك حتى؟»
قال إدريس:
-«لا تضغط عليها، جميعنا نخطئ، وأيضا ربما وصلت لنقطة احتاجت فيها المال بشدة»
وقال ربيع:
-«علينا فعل شيء، لا يمكننا الصمت بعد الآن، سأعطيك بعض المال ويمكنك رده لي مع الوقت»
رفعت رأسها بصدمة ونظرت له وهي على وشك البكاء، ثم قالت لارسا:
-«وأنا، ما فائدة الأصدقاء إذًا»
وقال زين:
-«لو دفعت أنا أيضا جزءا من المبلغ فلن يكون كبيرا على الاثنين الباقيين»
بسبب كلامهم انهمرت دموعها بغزارة، ثم قال إدريس:
-«سأشارك بما يمكنني أنا أيضا»
وقال مهدي:
-«لا تنسوني ههههههه»
ثم أظهر هيثم رأسه من الباب وقال ببرود:
-«أنا أيضا، لا أحب رؤية رجل يزعج فتاة، حتى لو كانت مزعجة مثلها»
بسبب وقوفهم جميعا بجانبها أدركت أنها في المكان المناسب وأنها لم تخطئ أبدا في اختيارهم كأصدقاء لها لذا ابتسمت لهم بسعادة لأول مرة فانصدموا.
قال إدريس:
-«واو! ابتسامتك جميلة جدا، لماذا تخفينها؟»
قالت بينما الدموع تبلل وجهها والابتسامة تشقه:
-«أشكركم حقا، شكرا»
استطاعت بثينة تسديد مال الدين الذي عليها وبمرور الوقت بدأت بإرجاع المبلغ لرفاقها بالتدريج، ربما كان المبلغ كبيرا لكنهم تفهموها وانتظروها حتى ردته كله.
وصلت عطلة نهاية السنة الهجرية والجميع يحتفلون معا في بيوتهم، ويبدو أن بثينة أيضا حصلت على رفيق تحتفل معه هذه السنة وهو قطها تستس.
جهزت مائدة الطعام ووضعت تستس على الكرسي معها ولكنه قفز فوق الطاولة وكان سيأكل من الأطباق لكنها أبعدته قائلة:
-«لا! انتظر حتى ألتقط الصور، لا أعلم ما حاجتي لالتقاطها ولكن سألتقطها»
بينما تختار الزاوية المناسبة ظهرت صورة جدتها المعلقة على الحائط فتوجهت نحوها بهدوء وحزن ولمستها بحنان وكأنها تلمس وجه جدتها، ثم قالت بقهر:
-«منذ رحيلك لم أحتفل مع أحد، والآن لدي تستس، أنا حقا محظوظة، تمني لي الخير جدتي»
جلست على المائدة لتأكل فسمعت الباب يطرق وحين توجهت إليه وفتحته وجدت لارسا التي صرخت بحماس:
-«مفاجأة! سمعت أنك تحتفلين وحدك فأتيت»
-«يال الدهشة! ماذا عن أهلك؟»
-«لا يهم، لديهم بعضهم وأنتِ لديك أنا»
-«ممتنة حقا، ادخلي، أعددت بعض الطعام»
-«وأنا أحضرت معي أيضا، أرسلته أمي فهي تحب مشاركة الطعام مع البقية»
-«أمك لطيفة، أشكرها»
بينما تجهز بثينة المائدة تجولت لارسا في المنزل فرأت صورة الجدة وابتسمت وقالت:
-«من تكون؟ والدتك؟»
-«لا، إنها جدتي رحمها الله»
-«أوه رحمها الله! لا تشبهينها، لكن جميل، يسعدني رؤيتها»
تحولت نبرة بثينة للحزن وقالت:
-«بالطبع لا أشبهها، ليس هناك رابطة دم بيننا حتى»
-«أوه حقا...حسنا، لا بأس»
صمتت الاثنتان لفترة وتوترت لارسا ثم قالت:
-«آسفة لتطفلي، لكن...أين والداك؟ لو لم تريدي الإجابة فلا تجيبي»
ابتسمت الأخرى بهدوء وقالت:
-«الكلام الذي سأقوله لك لم أقله لأحد في حياتي، هل يمكنك الاحتفاظ بالسر لأجلي؟ سأثق بك ثقة عمياء»
-«طبعا، لا توصي حريصا»
-«الحقيقة هو أنه ليس لدي نسب، لقد تم رميي في الشارع وجدتي وجدتني واعتنت بي، لكن بعد موتها أصبحت وحيدة، المشكلة أنهم يعتبرونني عاهرة لأن المرأة التي ربتني كانت تملك بيت دعارة»
انصدمت لارسا من الكلام ووضعت يدها على فاهها وقالت:
-«آسفة حقا لك»
-«لا عليك، اعتدت على معاملتهم، لكن ذات يوم ربيع وإدريس كانا هنا عندما جاء واحد من رجال الشرطة وشب شجار بينهما وبين العجوز التي اشتكت علي بأنني مازلت أخطو خطى جدتي في الدعارة، لا ألوم الناس على ظنهم السوء بي لكن في نفس الوقت مستحيل أن أكره جدتي التي ربتني»
-«أووه لا بد أنك عانيتِ الكثير»
-«لا أعلم، أحيانا أقول معاناة وأحيانا أشعر بأنني خالية من المشاعر تماما»
-«ماذا عن الآن؟»
-«أعتقد أنني صرت أملك بعض المشاعر»
-«بفضل رفاقنا؟»
-«هههه أجل، وبفضل تستس»
انشغلت بثينة بتقطيع الفواكه في المطبخ فأرسلت لارسا رسالة لكل زملائها من المطعم وبعد أن تم تجهيز كل شيء وقفت الاثنتان ومعهما تستس بجانب الطاولة، قالت لارسا:
-«الحمد لله على هذه النعمة، سنستمتع كثيرا»
ردت بثينة بسعادة:
-«أجل، لا شيء أجمل من الطعام والمناسبات العائلية والرفقة الجميلة»
فجأة طرق أحدهم الباب فاستغربت بثينة وقالت:
-«غريب! لا تقولي أنها الشرطة مجددا»
ذهبت لتفتح الباب فتفاجأت بكل زملائها من المطعم قد أتوا للاحتفال معها ومعهم الطعام والحلويات فقالت بسعادة:
-«أتيتم لأجلي أيضا؟!»
قال إدريس:
-«تظنين أنك ستحتفلين من دوننا؟ مستحيل، ولن أسامحك لأنك طهوتِ من دوني»
-«ههههه كان عليك المجيء أبكر، كما أن والدة لارسا أيضا أرسلت لنا الطعام»
نظرت لهيثم وبدا هادئا فقالت له:
-«أتيت أنت أيضا أيها المنحرف؟»
-«أجل لا اجتماعات من دوني، ء ء ء أقصد أجبروني على المجيء»
-«هههههه حسنا أرى ذلك»
صفقت لارسا بحماس وقالت:
-«هيا بنا فالطعام جاهز، لا تتأخروا دقيقة أخرى لأنه برد بما يكفي، لنستمتع هيااااا»
ونظرت بثينة لقطها النائم على الطاولة وقالت بصوت منخفض:
-«أجل، كل هذه النعم والحظوظ بفضل الله ثم تستس منقذي الصغير، منقذي القط»
كانت تلك ليلة سعيدة وحافلة بالمتعة بالنسبة لبثينة، استطاعت فيها أن تحظى بشعور الاجتماعات العائلية وشعرت لأول مرة منذ زمن أن المناسبات لديها نكهة، كيف لا وقد أصبح لديها كل ما تحتاج.
وهنا انتهت الرواية بنهاية سعيدة ومليئة بالبهجة، ولا تنسوا أنتم أيضا...لو شعرتم بالاكتئاب اقتنوا قطا، فلو لم ينفع اقتنوا قطا آخر، وواصلوا على هذا المنوال حتى تزهر حياتكم.
النهاية
بثينة علي Admin
المساهمات : 1314 تاريخ التسجيل : 27/05/2021 العمر : 27